وإن تكُ غالتك المنايا وصرفُها
فقد عشت محمودة الخلائق والحلم!!
بينما كنت أفكر في بعض شؤوني الخاصة، إذ بإشارة هاتفي المحمول يحمل بداخله نبأ رحيل زوجة أخي ـ من الرضاعة ـ الأخت الكريمة لطيفة بنت عبدالله العقيلي -أم عبدالقادر- زوجة أخي الفاضل عبدالعزيز بن عبدالعزيز المهيزع -رحمها الله- بأنها قد استوفت نصيبها المقدر لها باللوح المحفوظ، قال الله في محكم كتابه الكريم {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (49) سورة يونس.
وقد حزن الكثير من أسرتها ومحبيها على رحيل تلك المرأة الصالحة التي قلَّ أن تجود الأيام بمثلها خلقاً وكرماً، وبراً بوالديها وصلة رحمها..، وقد أديت صلاة الميت عليها بعد صلاة عصر يوم الثلاثاء 5-5-1436هـ بجامع الملك خالد بأم الحمام، وقد حضر الكثير من زملاء وأصدقاء زوجها الشيخ عبدالعزيز من موظفي الرئاسة العامة لتعليم البنات ـ آنذاك ـ احتساباً للأجر ووفاءً منهم.. - جزاهم المولى خيراً - ثم ووري جثمانها الطاهر تحت طيات الثرى بمقبرة أم الحمام في جوٍ قد مُلِيء بالحزن والأسى، وسكب عبرات الوداع من أبنائها وأشقائها وزوجها، وهم يهيلون التراب على ذاك اللّحد الذي أودعوها فيه وداعاً أبدياً..، وأعينهم تجود بوابل من دموع حرّى أفرغوها من محاجر عيونهم حزناً ولوعة:
والشرق نحو الغرب أقرب شقة
من بعد تلك الخمسة الأشبار!!
ولك أن تتصور حال بنيها وزوجها وأشقائها ومن له صلة قرابة بها حين عودتهم إلى منزلها الذي قضت فيه من الأيام أحلاها، والشّملُ جامع لهم، وقد خلا من شخصها ـ كان الله في عونهم ـ ولقد أجاد الشاعر حيث يقول:
وأحسن الحالات حال امرئ
تطيب بعد الموت أخباره
يفنى ويبقى ذكره بعده
إذا خلت من شخصه داره!!
ولقد عانت - أم عبدالقادر - في آخر حياتها من بعض الأمراض الطارئة..، مما اضطر شقيقها الأكبر الوفي عبدالعزيز بصحبة أبنائها بالإسراع بها إلى مصحات في الصين وألمانيا ومصر علّهم يجدون كبحاً لجماح ذاك المرض المزعج..، وقد تحسنت حالها تحسناً نسبياً، وعند عودتها إلى أرض الوطن جمعت كل قريباتها وصاحباتها على مائدة عشاء لتكرمهن وتملأ عينيها منهن قبل أن يُغمِضهُما هادم اللذات..،
وربما أنها قد أحست في داخلها بدنو أجلها..، وكانت هذه المناسبة إشارة مودع إلى الدار الباقية:
يوم الوداع وهل أبقيت في خلدي
إلّا الأسى في حنايا القلب يستعرُ!!
ـ رحمك الله يا أم عبد القادر ـ
ومن سماتها الحسنة أنها تحب مساعدة المحتاجين من أيتام وأرامل وغيرهم من المتعففين مستوري الحال رجاء المثوبة من رب العباد يوم لقائه..
وكأني بزوجها حينما يقال له مسلياً: أم عبد القادر رحلت عنك فاصبر وهذه سنة الله في خلقه فيجيب بهذا البيت:
بلى إن هذا الدهر فرق بيننا
وأي جميع لا يفرقه الدهرُ!!
ولقد عاشت مع (أبوعبدالقادر) وبنيها أكثر من ستة عقود من الزمن حياة سعيدة ملؤها الودّ والاحترام وإكرام الضيف ومن يزورهم في دارهم، ولا ننسى حسن استقبالها لنا دوماً عندما اقترنت بزوجتي ـ أم محمد رحمهما الله ـ فأنا عم لأبنائها وابنتها الوحيدة.. وهذا لا يستغرب منها ولا من أخي عبد العزيز، فقد طبعت على حسن الخلق والكرم، ولا يفوتها يوم فيه مناسبة أن تشارك الأقرباء في أفراحهم وتواسيهم في غياب غاليهم، رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته وألهم ذويها وزوجها وأبناءها وأشقاءها وشقيقاتها الصبر والسلوان.
- عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف