اطلعت على مقال الدكتور محمد العوين (متسكعاً بين الكتب) في عدد يوم الأربعاء 20 جمادى الأول 1435هـ وأقول الكثير منا يعلم ولكن لم يدرك ويستوعب بعد الحقبة الزمنية التي نعيش فيها الآن، لهذا السبب عندما تتردد عبارة «أمة اقرأ لا تقرأ» يشعر البعض بالوهن والحزن والبؤس، وكأن «اقرأ» عروس هجرها زوجها في يوم زفافها، وما علينا إلا أن نحزن لحزنها من باب الإنسانية!
من قال إن مشكلة تدني الوعي والثقافة بين أوساطنا المجتمعية سببها الرئيس أننا لا نقرأ؟
ونحن فعلا لا نقرأ! لست مع من يدندن بعبارة إن أمة اقرأ تقرأ، مثلما أنني لست مع من يقطب حاجبيه حزنا ويلحن عبارة «أمة اقرأ لا تقرأ»، لكن عدم انتشار وعي القراءة ليس هو المسبب الرئيس لتدني الفكر الإبداعي والوعي الإنساني، وجهلنا للمشكلة الرئيسة يجعل محاولات نشر «الوعي والثقافة» محاولات عقيمة وبلا جدوى، تماما كمن يحاول جاهدا النقش على رمال الفيافي والصحاري، ما إن يبدأ بالنقش حتى يأتي نسيم الريح ليجعل كل تلك الجهود المبذولة هباء منثورا.
هناك ملاحظة مهمة، وهي أن الله خلقنا مختلفين في قابلية تقبلنا للعلم، فمنا من يتعلم بالنظر، ومنا من يتعلم بالاستماع، ومنا من يتعلم بالحفظ، ومنا من يتعلم بمجرد القراءة، لكن لم أر أن البعض يحصر التطور والتعلم تحت إطار القراءة فقط؟ فهناك من خلق وهو بطبعه يعشق القراءة، وهناك آخر هو والقراءة قطبان مختلفان وليس في ذلك عيب، ولن يتوقف نمو عقل الفرد الذي يمل القراءة، وأهميته ليست أقل من ذلك المثقف الذي يعتكف على رفوف الكتب، ولكن كيف!
مع بداية الألفية الجديدة من القرن الحادي والعشرين اختلفت نظرة العالم تجاه كل شيء بدون استثناء بما في ذلك طرق زيادة الوعي والنمو الفكري والروحي.
الثقافة هي هي، ولم تتغير. والنمو هو هو لم يتغير، ولكن ما تغيرهو القالب الذي تقدم به تلك المعرفة أو المعلومة أو الفكرة أو النظرية أو التوعية.
لم يعد القالب التنموي العادي الذي يتمثل بالدورات التدريبية والكتب الثقافية شيئا مثيرا يثير الاهتمام باستثناء المهتمين فقط.
آن الأوان لنعلم أن القالب الترفيهي هو الأنسب لتقديم أي توعية أو تنمية أو نصيحة، مع العلم بأن الترفيه لا يقتصر على الضحك وألعاب الأطفال الترفيهية، يمكن أن يكون أبعد من مجرد الهزل واللعب وعدم الجدية، فهناك فرق بين الترفيه والتهريج. الترفيه يمكن أن يصل إلى مستوى يجعلنا نستغني عن الدورات التنموية والتعليم التقليدي، وبمناسبة تطوير التعليم، لاحظت أن أبناء الدول المتقدمة - والتي أصبح أبناؤها أمثلة يحتذى بهم، ويحبذ البعض الوصول إلى قابليتهم في تقبل المواد الدراسية - لم يصلوا إلى تلك الزاوية المشرقة إلا بعد أن غيرت حكوماتهم القالب التقليدي إلى قالب ترفيهي بعد أن تم دمج التعلم بالتكنولوجيا والرحلات البرية، وما عاد المدرس يشرح في معامل ملئت زواياها بشباك العنكبوت، إنما أصبح يشرح لهم علوم الأحياء في الغابات، وعلوم البحار في البحار، وعلوم النباتات بين أغصان الأشجار، وهكذا.. حيث يوجد الترفيه الذي أعنيه يوجد التقدم والرقي والوعي الكافي ليحمل المجتمع إلى جنات نعيم التحضر. وعلى سبيل المثال لا الحصر لم تعد دورات تعلم اللغة الإنجليزية التقليدية مجدية نفعا بعد الآن، حيث ولد مجال يدعى Entertainment «التعليم الترفيهي» عن طريق الأفلام والمواد الترفيهية وركل تلك الطرق التقليدية إلى ضربة ركنية خارج ميدان اهتمامات الشعب. ولن أغفل عن المحتوى القادم الذي آمل أن يكون الأول في مجال التنمية، مما يصنع من المواد الترفيهية محتوى تنمويا، ينقل وعي الإنسان من مجرد وعي إلى وعي كوعي المثقفين الذين يثقلون كاهلهم بالقراءة ليل نهار. سيصنع من الإعلانات التجارية محتوى تنمويا فريدا من نوعه، فائدته تفوق بمراحل عديدة أغلب الدورات التنموية التقليدية بعنوان مبدئي ويدعى «وحي الإعلانات».
يجب أن يدرك الجميع أن الإعلانات التجارية أصبحت ترتقي إلى وعي الكتب التنموية، حيث إن الشركات العالمية والمحلية غدت تطعم إعلاناتها التجارية بمواد تنموية، وهي في أصلها ترفيهية خفيفة على العقل والروح.
أجد في إعلان شركة للاتصالات يقول»الحياة لن تتغير، ولكن طريقة عيشنا فيها لن تكون كما نعهدها».. وصفا دقيقا لحالنا اليوم، حيث إن الحياة لن تتغير، ولكن طريقة عيشنا فيها لن تكون كما تعودنا وعهدنا، ولن تكون كما وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا في كل تفاصيل حياتنا ومن ضمنها الجوانب التنموية والتوعوية. لم يعد التقديم التقليدي سوى سيف قديم في إحدى زوايا المتحف، حيث إننا سنحتفظ به، ولكن استخدامه لن ينفع، بل قد يضر. وأجد في إعلان شركة دوائية بعنوان «كلنا أمل» رسالة قيمة يمكن أن تنقح وتصنع كمادة تنموية رائعة ننشر بها وعي الأمل. وأجد في إعلان شركة غذائية «البداية كل القصة»رسالة توعوية ومادة تنموية فريدة تساعد على تبديد الخوف في نفوس البعض حين يخافون من الفشل والوقوع، حيث إن أحلامهم قصة وبدايتهم هي كل القصة، وأهم ما في القصة. وددت أن أنثر عبق محتواي الترفيهي حتى آخر قطرة منه، لكن لن تسعني مساحة نصف قطرها «سنتيمترات» كي أنثر المزيد والمزيد. أخيرا، سأعيد كتابة ما ذكر في الإعلان السابق «البداية كل القصة».. وبدأت فعلا بصناعة محتوى تنموي ترفيهي. وسواء اقتنع الجميع أم لم يقتنعوا بأن المحتوى التنموي الترفيهي هو سر التطور والرقي والفخامة الفكرية والتطور، فأنا قد بدأت، لأن البداية كل القصة.
نجوى الأحمد - جامعة الأميرة نوره