الحمد لله رب العالمين الذي قال في محكم كتابه:{وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} والصلاة والسلام على أكرم خلق الله وأنداهم يداً والذي قال: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس) والقائل: (نعم المال الصالح للمرء الصالح) سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
فأرفع الناس قدراً من لا يرى قدره وأكثرهم تواضعاً من لا يرى فضله وأحبهم إلى الله أنفعهم للخلق. قال عليه الصلاة والسلام: «رأيت قوماً من أمتي على منابر من نور يمرون على الصراط كالبرق الخاطف نورهم تشخص منه الأبصار لاهم بالأنبياء ولا هم بالصديقين ولا هم بالشهداء» فقالوا: من هم يا رسول الله، فقال: «إنهم قوم تقضي على أيديهم حوائج الناس».
من أحب أن يلحق بدرجة الأبرار ويتشبه بالأخيار فلينوي كل يوم تطلع فيه الشمس نفع الخلق ومن يفعل الخير فليحمد الله فهو مؤشر على محبة الله له وتوفيقه له فقد حرم من ذلك خلق كثير خير الورى (الخلق) رجل تقضى على يده حوائج الناس.
إن لله أقواماً اختصهم بالنعم لمنافع العباد يقرهم فيها ما بذلوها.. فإذا منعوها نزعها الله منهم وحولها إلى غيرهم وليعلم أنه إذا أراد الله أن يكرم عبده بمعرفته شرح الله صدره لقبول صفة من صفاته جل وعلا ومن صفاته سبحانه الكرم وجزيل العطاء.
ومما نحمد الله عليه أن سخر لهذه البلاد رجالاً يفتخر بهم ولا زالت أعمالهم وبركات أنفاقهم شاهد على ذلك فهذا يوقف وقفاً لوجه الله سبحانه وتعالى وآخر يبني مستشفى وآخر يشيّد مسجداً هنا وهناك إلا أن بعض الموسرين ورجال الأعمال يقتصر أعمالهم الخيرية على بناء المساجد دون غيرها من أعمال الخير ظناً منهم أنه لا أجر إلا ببناء المساجد مع كثرتها في بلادنا وهذا لا شك فيه له أجر عظيم عند الله إذا نوى فاعل الخير النية الصالحة في بناء تلك المساجد، غير أن بعضهم بالغ في الإنفاق عليها حتى تجاوزت الحكمة التي من أجلها بنيت ومن أجلها أسست، فإنفاق الملايين لتزيين المساجد والتباهي بها قد يدخل ذلك في ما نهى الله عنه من الإسراف المحرم بما يكفي أن تبنى بها مساجد أخرى في أماكن هي أكثر حاجة وأقل تكلفة أو أن ينفقها في مشروعات خير أخرى الحاجة ماسة لها.
إننا بحاجة إلى توزيع الجهد وتنوع العطاء.. فمن لذلك الفقير الذي يتضور جوعاً لا يجد ما يسد به رمقه ورمق عائلته، ومن لذلك المديون الذي أرهقته الديون فظل قابعاً في تلك السجون وخلف القضبان بسبب دراهم معدودة، ومن لذلك الشاب الذي يريد العفاف في جمع ولسنوات طويلة مهره ويقتر على نفسه حتى يحصنها ويعفها عن الحرام، ومن لتلك المطلقة المهمومة أو الأرملة المكلومة التي مات عائلها فانقطع مصدر رزقها فلا يعلم حاجتها إلا الله سبحانه وتعالى، ومن منا تتبع الأيتام وقام بكفالتهم وحاجتهم إلى الأب الحنون والأم الرحوم، ومن منا تفقد حال المعوقين الذي حيل بينهم وبين حاجاتهم بسبب ذلك الابتلاء وتلك الإعاقة.
لقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تنوع أوجه الخير وكثرة طرقه في أحاديث كثيرة ففي الحديث الشريف قال عليه الصلاة والسلام: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً نشره وولداً صالحاً تركه ومصحفاً ورّثه ومسجداً بناه أو بيتاً لابن السبيل شيّده أو نهراً أجراه أو صدقة أخذها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد مماته ».
وفي حديث آخر عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله عباداً يستريح الناس إليهم في قضاء حوائجهم وإدخال السرور عليهم أولئك الآمنون من عذاب الله يوم القيامة».
ومن هنا يأتي شرف العمل بالتجارة كعمل جليل إذا بُني على نية صادقة في تحديد الأساليب المشروعة بتحصيل المال وادارته وانفاقه على أوجه الخير. هناك رجال أعمال عرفوا حق ما حباهم الله به من خير فجادت نفوسهم بكل شيء فدعموا مجالات الخير المتعددة وتبرعوا بالكثير من أموالهم وساندوا المرافق الصحية والاجتماعية وكل أوجه الخير.
إن أهل العطاء لا يعرفون البخل والشح فإذا ما منح المانح شيئاً فسيربح أضعاف أضعاف ما منح، وهنا يكون للحياة معنى وللتعامل طعم وللمشاعر روح هذه النفوس التي تحمل سعادة العطاء تبذل لتجد عطاءها أمامها يوم القيامة عوناً وسنداً يوم لا ينفع مال ولا بنون.
إن الإنسان حينما يعيش لذاته تبدو له الحياة قصيرة ضئيلة تبدأ من حيث بدأ يعي وتنتهي بإنتهاء عمره المحدود، أما لما يعيش لغيره فإن الحياة تبدو طويلة تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقته لوجه الأرض فهو يربح أضعاف عمره الفردي.
ما أجمل العطاء والبذل الذي ينم عن كرم النفس وطيبة السجية التي يتحلى بها المرء المعطاء، ومن هذا المنطلق نرى صوراً حية أمامنا ضربت لنا أروع المثل في البذل والعطاء والجود والكرم لا لشيء من عرض الدنيا ولكن ابتغاء لما يرجونه من الله سبحانه يوم الجزاء والحساب.
إن الاحتفال الذي أقيم يوم الأربعاء 27-5-1436هـ الموافق 18-3-2015م بهذه المناسبة العظيمة بافتتاح مركز الفوزان للتأهيل الشامل للمعوقين بمحافظة الزلفي تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار «رئيس مجلس إدارة جمعية المعوقين» سبقها الكثير والكثير من العطاء والبذل من الوجيهين الكريمين عبداللطيف ومحمد الفوزان وبالرغم من معرفتي الشخصية بهذين الجوادين الكريمين وقربي منهما إلا أني لا أعرف إلا النزر اليسير من أفعال الخير التي يقومان بها فإسهاماتهما المتتابعة بأعمال الخير يصعب حصرها في مثل هذه العجالة ومما أعرفه من أعمالهما الخيرية أوجزه على النحو الآتي:
1- تم تأسيس جائزة لعمارة المساجد احتفل بتأسيسها قبل عدة أشهر في المنطقة الشرقية والتي تعتبر نموذجاً فريداً للجوائز التي تقف باسغة وارفة الظلال لأهدافها السامية ولتميزها في الفكرة والهدف والثواب إن شاء الله من مراد تأسيسها وقد أوقف لها مبلغ 60 مليون ريال لتمويلها ولضمان استمراريتها.
2- إقامة إسكان ميسر في مدينة الخبر تبلغ مساحته6.500 متر مربع بعدد عشر عمائر ووحدات سكنية عددها 178 وحدة استفاد منها 171 أسرة سعودية من محدودي الدخل.
3- إنشاء مركز تعليمي متخصص لذوي اضطرابات التوحد قي مدينة الخبر بتكلفة إجمالية قدرها 25 مليون ريال.
4- تأسيس شركة (أرام الإحسان) القابضة تحت برنامج الفوزان لخدمة المجتمع وتهدف إلى إدارة البرامج والنشاط الإعلامي والبرامج الثقافية والخاصة بالإعلامي (أحمد الشقيري) وبرنامجه خواطر باستثمارات تصل إلى 10 ملايين ريال.
5- قام مركز الفوزان لخدمة المجتمع ببناء مركز متكامل عالي الطراز لإعادة تأهيل أصحاب القدرات الخاصة وذلك في عام 1429هـ بمبلغ تجاوز الـ 30 مليون ريال ليستضيف أكثر من 600 مرشح ليستفيدوا من المركز.
6- (بنك الطعام) ففي عام 1430 هـ أطلق مركز الفوزان لخدمة المجتمع مبادرة بهدف محاربة الجوع وتوزيع الأطعمة الفائضة بالطريقة الأمثل لترتقي هذه المبادرة بثقافة المجتمع حيال فائض الأطعمة حفاظاً على نعمة الله، إضافة إلى أن مجموعة الفوزان لخدمة المجتمع لم تغفل أي مشروع يوفر الطعام للفقراء والمعوزين في المملكة إلا وسارعت للمساهمة فيه بجهد مشكور من عبدالله بن عبداللطيف الفوزان كأحد أعضاء اللجنة التأسيسية لمشروع بنك الطعام السعودي الذي يعتبر الأول من نوعه في المملكة، بل في دول الخليج العربي، بل قد تجاوز الحدود بتوقيع اتفاقية مع بنك الطعام المصري للتعاون المتبادل.
7- (تسوير) لم يقتصر دور الفوزان لخدمة المجتمع غلى مجال بعينه دون الآخر بل شمل مجالات عدة منها تسوير الآبار والفوهات المهجورة في جميع أنحاء المملكة وقد تم تسوير 400 بئر في المرحلة الأولى والعمل جاري حتى تكتمل المرحلة.
8- (ارتقاء) هي إحدى مبادرات مجموعة الفوزان لخدمة المجتمع، وهي مبادرة خيرية تسعى إلى تقديم خدمة احترافية مستدامة للمجتمع وتهدف إلى الحفاظ على النعمة القيمة وحماية البيئة وانشر الثقافة المبنية على الاستفادة المثلى من تقنية المعلومات مما يساهم في الرقي الفكري والعلمي.
9- (منتدى الفوزان الثقافي) ويشمل في نطاقه دعوة كل من له اهتمام بالثقافة بمفهومها الشامل من أبناء المملكة للمساهمة في تلك الأمسيات التي يقيمها المنتدى للاستفادة من رصيدهم العلمي والثقافي وخلاصة تجاربهم العلمية.
10- إقامة مراكز إسلامية خارج المملكة وتحديداً فيبعض دول أوربا الشرقية واليونان وكذلك حفر آبار في بعض الدول الإسلامية.
أما محافظة الزلفي فكان لها نصيب وافر من مشروعات ومساهمات الوجيهين الكريمين فقد أقاما مبرة لوالدهما أحمد الفوزان، وتمت إضافة عمارة جديدة للغرض ذاته وتشييد مبنى للهلال الأحمر ومبنى آخر تحت الإنشاء وقفاً لجمعية تحفيظ القرآن الكريم بالمحافظة إضافة إلى تفريج كربات كثير من المعسرين والمحتاجين والأرامل.
وما هذا الاحتفال الكبير الذي تشهده المحافظة بافتتاح مبنى التأهيل الشامل للمعوقين والذي قام بالإنفاق عليه الوجيهان الكريمان عبداللطيف ومحمد الفوزان إلا استمرار لبذلهما السخي وعطاءاتهما المتكررة لهذه المحافظة ولغيرها من مناطق ومحافظات المملكة وليعلم أن هذا المبنى تبلغ مساحته الإجمالية عشرين ألف متر مربع ويتكون من ثلاثة مبان: مبنى خاص بالرجال، وآخر خاص بالنساء، وثالث خاص بإدارة المركز وبتكلفة تقارب الأربعة ملايين ريال شاملة المصاعد والتكييف والزراعة.
وإني لأرجو أن يكون هذا المشروع الذي يحتفل بافتتاحه هذا اليوم من تلك الأعمال الخيرة التي ندب لها الشارع الكريم، فلقد شرع الله تبارك وتعالى الوقف وحث عليه وجعله قربة من القرب التي يتقرب بها المسلم إليه سبحانه.
وما قبل خلاصة القول فليُعلم بأني لا أكتب عن هذين الوجيهين بهدف نشر ما يقومان به من أعمال خيرية ليعرف الناس ما يقومان به لمجرد المعرفة بقدر الذي استمطر فيه أقول وأكرر استمطر فيه مثل هذه الأعمال الجليلة مئات رجال الأعمال والموسرين في جميع أرجاء المملكة، فما الذي قدمه كل فرد من هؤلاء نحو مسقط رأسه أو أهله أو في الميدان الواسع الأكبر وطنه؟.. وأنا هنا أؤكد أن حالة الوجيهين الكريمين ومن خلفهما أبناؤهما البررة أقلية من أقلية الأقلية حين تكبر دائرة المال بشكل لا يتمكن معه صاحبه من رؤية طرفه الأخير ليتحول تلقائياً مع هذا التضخم إلى مجرد موظف لديه. من فكر جدياً أن يقسم ماله إلى وظيفتين إحداهما للدنيا وثانيتها للآخرة.
وفي ذات السياق فإنه في الوقت الذي يهرع فيه معظم أثرياء هذا الوطن إلى أرقى منتجعات العالم تطالعنا الصحف بأخبار عجيبة عن تبرع رجل الأعمال الأمريكي الشهير (بيل غيتس) بمبلغ مليار ريال للبنك الإسلامي وليس لبنك أمريكي أو أوروبي وذلك لمكافحة شلل الأطفال بدول العالم الإسلامي وهو غيض من فيض من تبرعاته الضخمة في جميع أرجاء العالم، بل إنه تبرع بمعظم ثرواته للأعمال الخيرية بما يقدر بـ75 مليار ريال ناهيك عن صديقه (وارن بافيت) الذي تبرع بما يقارب بـ90% من ثروته للأعمال الخيرية والتي تقدر بـ47 مليار دولار.
وخلاصة القول المجتمع لا يطالب بأن يكون أثرياؤنا ومؤسساتنا المالية مثل (بيل غيتس) وصديقه (بافيت) وتبرعاتهما بالأموال الطائلة للأعمال الخيرية فهذا شبه مستحيل إن لم يكن مستحيلاً أصلاً. وإنما الرجاء أن يكون عبداللطيف ومحمد الفوزان وكوكبة أخرى من المنفقين على أعمال الخير أمثال الشيخ سليمان الراجحي وعبداللطيف جميل وعائلة الجميح وعبدالعزيز البابطين ومحمد بن صالح بن سلطان وأسرته من بعده مثالاً حياً من داخل هذا الوطن للأعمال الخيرية.
وفي الختام ابتهل إلى المولى عز وجل أن يبارك جل شأنه هذه الشجرة المباركة التي أعطاها الله من خيراته فلم تجحد ولم تبخل على الوطن والمواطن ولم تنسَ حقوق السائلين والمحرومين من المرضى والأيتام والمحتاجين والمعوقين. كما أدعوه جل شأنه أن يبارك في عقبهما من أبنائهما البررة ليواصلوا مسيرة الخير والبذل والعطاء مستذكرين، حيث الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة والسلام: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»، كما لا ننسى حديثه صلى الله عليه وسلم: «السخي (وفي رواية) الكريم قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد عن النار والبخيل بعيد عن الله بعيد عن الجنة بعيد عن الناس قريب من النار... الحديث».
كما أسأل الله المتفضل أن يتقبل هذا العمل الخالص لوجهه الكريم وأن يجعل ما يقدمانه في سجل أعمالهما يوم القيامة يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، فطوبى لمن أنفق من عطاء وسخاء من ماله في أعمال الخير كما قال تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ .
وصدق الشاعر إذ قال:
ولم أرَ مثل الرجال تفاوتت
إلى الفضل حتى عد ألف بواحد
والإمام الشافعي رحمه الله يقول:
وأفضل الناس ما بين الورى
رجل تقضي على يده للناس حاجات
وإلى لقاء متجدد إن شاء الله مع عطاء آخر من عطاءات الخير والنماء لهذين الوجيهين الكريمين عبداللطيف ومحمد الفوزان وأبناؤهما البررة وغيرهما من أهل الخير والعطاء.
- الرياض