يكاد لا يختلف أحد على تنامي أهمية الأدوار التي تؤديها وسائل الإعلام المقروءة والمكتوبة والمرئية والمسموعة في تثقيف وإرشاده بل وفي توجيه المجتمع، وكذلك إسهامها الرئيسي في عملية التنمية في جميع مجالاتها، إضافة إلى الدور التاريخي للإعلام بتبادل المعلومات والأخبار أولاً بأول. ولقد أحدث التقدم التقني الكبير في وسائل الاتصالات تحولات عظيمة على صناعة الإعلام.
لقد أحدثت تلك التقنية هزات طالت حتى الهياكل السياسية للمجتمعات الغربية ذات العراقة والتجربة الطويلة وممارسات الديمقراطية المتقدمة، نظراً لتصدع إعلام تلك الدول وما تمتلكه من سلطات واسعة في تشكيل قطاعات الرأي العام خلال نشر المعلومة المقولبة والتحليل الموجه للتأثير المباشر على عموم الناس وتوجهات الرأي العام في تلك المجتمعات مما جعل الإعلام في تلك المجتمعات يتبوأ الركن الرابع من أركان الدولة ذات الأركان التقليدية الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية.
وتضافرت الجهود السياسية للدولة من تنفيذية وتشريعية وقضائية وإعلامية، وبالتالي ما زال العالم الغربي بديموقراطيته التاريخية يحاول التكيف مع تلك الثورات التقنية ومحاولة تطويعها لخدمة مصالحه من خلال أركانه التقليدية ولكن الأمر لم يحسم بعد حسب الترتيب التقليدي لأركان الدولة الديمقراطية،
فبعد أن دخلنا في عصر ثورة الاتصالات الإلكترونية، تشعبت ميادين الإعلام والاتصال وتطورت حقولها وانحلت قيود احتكار الدولة على الإعلام ووسائل الاتصال التقليدية، وبدأ تنافس محموم مع الأفراد الذي توفرت لديهم وبإمكانيات جداً محدودة وسائل اتصالات تضاهي وسائل الاتصال التقليدية وذلك مع تطور وسائل الاتصال نفسها بعد الثورة التقنية في التواصل الاجتماعي كالبريد الإلكتروني والتويتر والفيس بوك ويلحقها أيضاً الاتصالات اللاسلكية والفضائيات وبدأ في الأفق اهتزاز أركان الدول وشمل ذلك حتى الدول الديموقراطية نفسها مما ينبئ باحتمال تطور هذا الإعلام الشعبوي المتحرر من الإرث الإعلامي المقيد وبمقاليد مختلفة تماماً ومعاكسة عما بعهده الإعلام التقليدي.
لقد كان وجوب إدراج هذه المقدمة البسيطة لتوضيح أن قواعد اللعبة تغيرت واستحالة احتكار وسائل الإعلام ممن يملك السلطة والمال أي الدولة والتعايش مع تلك الثورات التقنية ومحاولة الاستفادة منها والتوجه معها نحو التخصص في المجالات الشتى وسعيا نحو الإبداع في هذا المجال أو ذاك، والإلمام بكل ما يرتبط به، وتطوير آفاقه، والتركيز على جميع تفاصيله وجزئياته.
من هنا برزت الحاجه أولاً الى ضرورة إيجاد أنواع من الإعلام الدقيق والمتخصص في الميادين المختلفة الذي يهم الدولة والمجتمع، وفهم مكوناتها وأقسامها وموضوعاتها فهما عميقا شاملا. ولا شك بأن ما يهم دول الخليج على وجه الخصوص إذا لم يكن أهمها على الإطلاق، هو الإعلام البترولي لما للبترول من دور ريادي في اقتصاديات وعلاقات دول الخليج الدولية، وكذلك في تلبية الاحتياجات العالمية المتزايدة من الطاقة في المستقبل المنظور، وعلى وجه الخصوص الإعلام البترولي الذي يستهدف نشر الثقافة البترولية، وتعزيز الوعي البترولي محلياً، وتوضيح السياسة الاقتصادية والإنتاجية والاستهلاكية والصناعية والبيئية وغيرها من خلال سلوك المنهج العلمي في فهم وتحليل المواد الخبرية المتعلقة بالبترول، ولتحقيق ذلك فلا بد من توفير المعلومة من المصدر نفسه ثم يأتي دور الإعلامي المتخصص في توظيف النظريات والصبغ والمميزات العامة للرسائل الإعلامية المتعارفة في علم الإعلام.
وتأسيساً على ذلك سيرقى أعلام مجلس التعاون إلى العالمية المتخصصة وبسبقها المعلوماتي وتحليلاتها العلمية لأخبار «البترول» التي تتبوأ صدارة السلع العالمية التي ساهمت في نهوض الدول وفي تطور ورقي البشرية وتقدمها وكذلك في تعزيز العلاقات بين الدول، فلدينا المقومات التي تؤهلنا إلى الوصول إلى مصاف الإعلام البترولي للدول الرئيسية المستهلكة التي دأبت على تسييس هذه السلعة الحيوية وسخرت إعلامها المتخصص لخدمة مصالحها وتحقيق أهدافها ومتطلباتها بمصطلحات غير دقيقة وتحليلات ومعلومات مموهة ببيانات وأسانيد غير صحيحة. إن التطوير الشامل لهذا الإعلام المتخصص، أي الإعلام البترولي يوجب التطوير الشامل للتخصصات الجامعية كذلك في احتضان وتدريس هذا العلم الدقيق، فهنالك شبه غياب كامل للإعلام البترولي في الأكاديميات والجامعات الخليجية، وهو أمر يمكن تلمسه بوضوح في كليات الإعلام في الجامعات الخليجيه سواءً في مرحلة الماجستير أو الدكتوراه في الإعلام البترولي، كما أن هنالك نقصاً كبيراً في المؤلفات العربية والمراجع العلمية التي تتطرق إلى الإعلام البترولي وخصائصه ومكوناته.
وبالإضافة إلى الحاجة إلى التطوير الشامل لهذا الإعلام المتخصص، في المؤسسات العلمية وإدراجه كعلم متخصص في المراحل العليا التعليمية، فإنه من باب أولى كذلك أن تنشئ الوزارات والمؤسسات الحكومية المعنية أقساما أو إدارات مختصة بالإعلام البترولي ونشر الأخبار التي تعنى بهذا النوع من الإعلام المتخصص الذي لا غنى عنه.
ولقد خطى الإعلام البترولي خطوة إلى الأمام بإدراك منظومة دول المجلس بأن النفط هو سلعتهم الاستراتيجية ومصدر رئيس للطاقة، وصاحب التأثير الأكبر في الاقتصاد المحلي والعالمي، ودور الإعلام الذي يعّد لاعبا أساسيا في توجيه الرأي العام بالتالي الحاجة إلى قيام مشروع إعلامي مشترك مختص بالنفط.
وتمت الموافقة الرسمية على استراتيجية الإعلام البترولي لدول مجلس التعاون والتي اعتمدها المجلس الأعلى لدول الخليج في دورته الثالثة والثلاثين التي عقدت في مملكة البحرين في العام 2012 على أن تراجع كل ثلاث سنوات. وكان إقرار هذه الاستراتيجية الإعلامية من السعودية ودول المجلس الأعضاء تهدف بشكل رئيس لبناء حائط صد قوي لهجمات الحملات الإعلامية والدعاية التي تشنها بعض الدول لا سيما الغربية منها على دول إنتاج النفط عموما والتي تعد طبيعية في مجال السياسة الاقتصادية لتحقيق المصالح الدولية، ولكن غير الطبيعي هو غياب هذه الاستراتيجية منذ قيام المجلس عام 1981 نظير ما تحمله من أهمية على الصعيد الاقتصادي. فتوحيد الموقف الإعلامي لدول الخليج الست، يأتي نظير تقارب الأهداف السياسية والاقتصادية، مقارنة بإستراتيجيات الإعلام البترولي المشتركة في دول منظمة الأوبك الذي يعتبر أمر معقد وصعب تحقيقه، وذلك لاختلاف السياسات فيما بين دول المنظمة.
فتوحيد الموقف الخليجي في الإعلام البترولي بإمكانه أن يحافظ على إبراز وجهة نظر المجلس بكل وضوح وسهولة للإعلام العالمي، نظراً لأن دول الخليج تحسب كجزء من الاقتصاد والكينونة العالمية، ودائماً تتجه الأضواء الإعلامية على كل ما يطرح في هذه المنطقة من رؤى وتصريحات وبيانات جديدة لاسيما أنه يوجد تحت أراضيها الاحتياطي الاستراتيجي العالمي الأكبر من النفط.