تراه يمشي بهدوء ودعة يبتسم لأحدهم يصافحه بحرارة بينما ينظر مباشرة إلى عينيه مع أنه يراهما بشكل يومي يلوح بيده محيياً آخر في الجهة المقابلة، مجرد رؤيتي له بهذه الروح المشرقة أمر حيوي مليء بالطاقة الإيجابية يدعو لا شعورياً إلى المشاركة بالابتسامة ورؤية الجمال في كل ما حولك تذكرت ما قرأت للأديب مصطفى السباعي قوله: إذا نظرت بعين التفاؤل إلى الوجود لرأيت الجمال شائعاً في كل ذراته.
تابعته بينما كنت أتساءل كيف يبرمج هؤلاء أنفسهم لتكون أرواحهم خفيفة إلى هذه الدرجة كنسمة باردة في يوم من أيام أغسطس شديدة الحرارة. قلت في نفسي ربما يخلو من هموم ومنغصات لعله فعلاً سعيد، لم أتمالك نفسي إلا أن أبحث عن ذلك فوجدت عجباً.. لا يخلو من ديون ومشاكل وإمراض مزمنة وأمور أخرى كفيلة بجعله مكفهر الوجه محطم الفؤاد.
لكن لسان حاله يقول كما أنشد أبو ماضي:
أحبب فيغدو الكوخ قصرا نير
وابغض فيمسي الكون سجنا مظلما
لو تعشق البيداء أصبح رملها
زهرا وصار سرابها الخداع ما
الإيجابيون كهذا الرجل لا يمكن أن يسمحون لأي شيء بأن يعيق سير حياتهم بسعادة وابتهاج ويثقل (خفة أرواحهم).
فمثله يطرب لسماع تغريد بلبل فيبتسم، يجد موقف لسيارته في الظل فيبتهج، يفرح بكل أمر وإن كان عادياً مسلماً بسيطاً، وينظر لكل شيء نظرة إيجابية محضة.
على الجانب الآخر النقيض تماماً تجد من يبدأ يومه متبرماً متشائماً لأنه لم يجد قلمه المفضل على الطاولة أو ربما جميع الإشارات المرورية في طريقه إلى عمله كانت صفراء لحظة وصوله إليها وبينما هو كذلك ثار الغبار فزاد من حسرته فقد انتهى للتو من تنظيف سيارته.
تراه يمشي مثقلاً بروحه بالكاد يتهادى الخطى يرفع قدماً ويجر الأخرى، قد يكون يستعجل الخطى لكي لا يصادف أحداً في طريقه فيضطر مكرهاً إلى إلقاء التحية أو الابتسامة له.
قد حبس نفسه في هذه الحالة المزاجية المتجهمة لا نية لديه أبداً لتغييرها كما قال الشاعر:
قال السماء كئيبة وتجهما
قلت ابتسم يكفي التجهم في السما
قرأت في هذا الموضوع كثيراً وجدت إجماع المفكرين والفلاسفة على أن التفاؤل قرار ضمني نابع من قناعة راسخة بأن طريقة تفكيرك ونظرتك للحياة تحدد مصير الأمور ومآلها في غالب الأحيان.
فأنت تصنع أفكارك وأفكارك تبني قناعاتك التي بدورها تكون شخصيتك ويكفينا نحن كمسلمين ما ورد في سنن ابن ماجة ومسند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن ويكره الطيرة. وفي رواية: يحب الفال الحسن.
وقد ثبت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنه عليه الصلاة والسلام ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً. وكما قال الحافظ ابن حجر: ... وإنما كان صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل؛ لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق، والتفاؤل حسن ظن به، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله على كل حال.
ومن الفأل الحسن ما كان صلى الله عليه وسلم يفعله في حياته كلها، فكان صلى الله عليه وسلم يحب الأسماء الحسنة، ويعجبه التيمن في شأنه كله؛ لأن أصحاب اليمين أهل الجنة.
وهذا من باب حسن الظن بالله تعالى المأمور به شرعاً، ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي. وفي رواية: فليظن بي ما شاء.
في الختام يتعلل الكثيرون أن نمط الحياة اختلف كثيراً وهذا سبب عدم وجود الإيجابية والميل إلى التشاؤم، فمع كل هذه الرفاهية والنعم التي نرفل بها ليل نهار تثقل أرواحنا (باختيارنا) بينما عاش من كان قبلنا في فقر وجوع وعناء ومع ذلك لم تفارقهم الابتسامة ولم تمل ألسنتهم من الحمد والثناء لرب السماء.
- الخبر