قد يقول قائل ممن يجهل كُنْه المرتكزات والثوابت التي بناء عليها ظلت هذه الدولة المباركة طوال القرون الثلاثة الماضية شامخة مشرئبة بفضل من الله وحده، رغم الفتن الطّوام والصعوبات الجِسام والتحديات العظام التي واجهتها، قد يقول: ما بالنا نسمع ترديداً مستمراً وتأكيداً يزداد رسوخاً مع الأيام - إن سلماً أو حرباً - من قادة هذه البلاد، المملكة العربية السعودية، على أن منهجها مستمدٌ من كتاب الله وسنة نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه السلف الصالح - رضوان الله عليهم أجمعين - أليس هذا من المسلّمات؟! بلى، ولكن استمع إلى ما جاء في هذه الإجابة أيها السائل أو المتسائل، وستجدها في ثنايا هذه التقدمة من الإمام المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل - طيب الله ثراه وأنزل على قبره شآبيب رحمته - في أحد خطاباته؛ إذ قال: «أما نحن فلا عز لنا إلا بالإسلام، ولا سلاح لنا إلا بالتمسك به، وإذا حافظنا عليه حافظنا على عزنا وسلاحنا، وإذا ضيّعناه ضيّعنا أنفسنا، وبؤنا بغضب من الله، وإن الذي أريده وأطلبه منكم هو ما ذكرته لكم من التمسك بدين الله، وهذه طريقتي التي أسير عليها، والتي لا يمكن أن أحيد عنها مهما تكلفت، وإني أحب أن أردد عليكم هذا لاعتقادي أنه كالمطر، إذا تكرر نزوله على الأرض أنبتت وأثمر نباتها».
نهج وثبات وصدق مع الله في الإيمان والاعتقاد، أورث هذه الثقة والطمأنينة على أن هذا المبدأ هو ما سيُؤتي أُكله كل حين بإذن ربه وَاللّه غَالِبٌ عَلَى أَمْرِه وَلَكِنَّ أكثر النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (يوسف الآية 21).
ولا غرو بعد كل هذا أن نسمع ونرى من أبنائه الملوك - رحمهم الله - (سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله) ما يرسخ هذا المبدأ، ومن مليكنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله وأمد في عمره على طاعته - مُذ كان أميراً على الرياض، يلهج بهذا النداء، فلا يتردد هو في تكراره، ونستبشر نحن المواطنين بدوام سماعه، والارتياح كثيراً بتشنيف أسماعنا بدلالاته ومغازيه وعمق آثاره الَّذِينَ آمنواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّه أَلاَ بِذِكْرِ اللّه تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (الرعد الآية 28).
في الخطاب التاريخي الذي وجهه سلمان الوفاء والحكمة للأمة مؤخراً ما يكفي وأكثر لفهم السياسة والمنهج الذي تسير المملكة العربية السعودية وفقه داخلياً وخارجياً بوضوح تام لا عوج فيه، ولا التفاف ولا ادعاء كلامي وبهرجة إعلامية لا يصدقها قول، بل هي أقوال تصدقها أفعال.
إنه منهج راسخ مبني على ثوابت عظيمة، صالحة لكل زمان ومكان لمصلحة بني الإنسان في دنياهم وأخراهم، شريطة أن يُخلصوا في الاتباع - لا الابتداع - مبتغين بذلك مرضاة ربهم وخالقهم ومولاهم - جل جلاله -، وهذا ما دأب عليه ولاة أمورنا على مر الأزمان اتباعاً وتطبيقاً، فنتج عنه ما نراه من الأمن والأمان في الأوطان والأبدان، وهذا الاستقرار والألفة والمحبة بين الحاكم والمحكوم.
إن الدافع هنا ليس بيان مضامين ما احتوى عليه الخطاب النابع من القلب ليصل إلى القلوب؛ فلقد أوفاه المختصون والعارفون حقه من التحليل والتفنيد في هذه المرحلة الحاسمة التي تمر بها الأمة المسلمة، وإنما الهدف هو هل يعي المتسائلون أو المشككون والمغرضون معاً مغزى هذا التشبيه من المؤسس الإمام والقائد الهمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل - رحمه الله - بأن ترداد مثل هذا الكلام الطيب كَشَجَرة طَيِّبَة أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا . (إبراهيم 24- 25).
فيعتبرون ويثقون بأنها كما يذكر الشيخ عبدالرحمن السعدي - رحمه الله - «شهادة أن لا إله إلا الله وفروعها (كشجرة طيبة)، وهي النخلة، (أصلها ثابت)، (وفرعها) منتشر (في السماء)، وهي كثيرة النفع دائماً (تؤتي أكلها) أي: ثمرتها (كل حين بإذن ربها)، فكذلك شجرة الإيمان، أصلها ثابت في قلب المؤمن علماً واعتقاداً، وفرعها من الكلم الطيب، والعمل الصالح والأخلاق المرضية، والآداب الحسنة في السماء دائماً يصعد إلى الله منه من الأعمال والأقوال التي تخرجها شجرة الإيمان ما ينتفع به المؤمن، وينتفع غيره، (فهل من مدّكر)».
ها هي لا إله إلا الله محمد رسول الله ترفرف عالية خفاقة متوجة علم هذه البلاد الذي لا يُنكّس بحال من الأحوال، وها هي النخلة مع السيفين ترمز للنماء مع قوة الإيمان بالله وحده لا شريك له، عناوين خالدة تدل على سفينة الأمان، المملكة العربية السعودية، ورُبَّانها سلمان ونائبيه، تسير محروسة بعون الله وسط هذا الموج المتلاطم من الفتن والمحن والإحن مصداقاً لوعد الله تبارك وتعالى: وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمنوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمنا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور الآية 55).
نسأل الله جل في علاه أن يوفّق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لمواصلة السير بالمملكة في طريق الازدهار والنماء والأمان والاستقرار، وأن يجنبها الله الفتن ما ظهر منها وما بطن، ويكبت شانئيها، وأن يعينه ويسدده وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وولي ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز لما يحبه ويرضاه من الأقوال والأفعال، ولما فيه خير ورفاهية المواطنين والمقيمين على ثرى هذه الأرض الطيبة المباركة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.