مدخل: عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل اللَّه له طريقاً إلى الجنة) رَوَاهُ مُسلِمٌ.
عاشت الرياض خلال الأيام الماضية عرساً معرفياً وثقافياً مع معرض الرياض الدولي للكتاب الذي يعد من أهم المعارض لما فيه من إقبال على اقتناء الكتب بشتى أنواعها الثقافية والمعرفية، وهذا الإقبال يصاحبه تجديد لأهمية الكتاب الورقي بعد أن أصبح العالم الافتراضي والحاسوبات والكتب الرقمية تتوسع وتأخذ محل الكتب الورقية.. من هذا المنطلق سأبدأ موضوعي «رحلة إلى الجنة».
من يمتلك حديقة يحرص على الاعتناء بها، وجعلها أجمل ما تكون، تلك الحدائق فما بال الكتب!
فمن يحرص على اقتنائها فليحرص على قراءتها والبحث عن المعرفة والعلم فيها فالعلم طريق للجنة.
إنها جنة الثقافة!
كلما زدت تعمقاً، زدت حباً لتعرف ماذا بعد!
إنها جنة الثقافة!
إن حاولت أن تتكلم الفصحى من كتاب أو ديوان شعر لأحد فحول وعمالقة الشعر العربي الفصيح، لتستدرجك من بيت لبيت ومن جملة لجملة فإذ بك قد بنيت مملكتك العقلية القائمة على المعرفة.
إنها جنة الثقافة!
فبين أرفف الكتب العتيقة وحيثما تسكن كتب الحضارات وأمجاد الأمم، كنت أبحث عما يسد رمقي بالفصاحة والبلاغة لأملأ شغفي الحائر بين الشعراء والأدباء والفلسفة العالية بينهما.
فهذا بيتان قد سقطا على عيني عندما كنت أقلب أوراق الشعر عبر رحلتي إلى الجنة.
فهذا أبو الطيب المتنبي يعرف بنفسه:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
وهنا أبو تمام حبيب بن أوس يخبرنا فلسفة العشق والهوى التي تجري في دمائنا منذ الأزل (فلا أجمل من الحب إلا الحب نفسه).
فيقول: نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأول
لهذا مهما تعدد الحب ومهما تأصل يظل أول من نحب هو أول من نهفو إليه لأنه ينبوع الفؤاد الأول.
جميلة ذلكما البيتان والأجمل منهما تناغم الشعراء مع بعضهم كالفرزدق وجرير في كتاب النقائض.
كل منهما يهجو الآخر فلم ينته الهجاء بينهما إلا عند وفاة الفرزدق وعند وفاته رثاه جرير في قصيدته المشهورة.
لعمري لقد أشجى تميماً وهدها
على نكبات الدهر موت الفرزدق
وكان جرير والفرزدق أصدقاء قريبين من بعضهم البعض إلا في الشعر.
كانا عندما يأتي الشعر كل منهم له طريقته وعداوته للآخر.
وكما قالت العرب في المفاضلة بينهما:
((جرير يغرف من بحر والفرزدق ينحت في الصخر))
أكملت رحلتي إلى جنة الثقافة!
وكلي يقين بأن خير جليس في الزمان كتاب ، وأن هذا غيض من فيض ..فالكتب مليئة بالدرر والعلوم.
مخرج: يقول الشيخ الأديب علي الطنطاوي رحمه الله:
العاقل هو الذي يعتبر نفسه دائماً كالتلميذ في المدرسة، يسعى كل يوم ليتعلم شيئاً جديداً ثم يعمل بكل خير يتعلمه.
- جدة