من منّا لم يهلّل ويرحب مبكراً بما أطلق عليه الربيع العربي، هذا التوصيف الجميل الذي اعتقدنا أنه سيكون له من اسمه نصيب، بل من منّا لم يحتف وبانتشاء أمام زلزال توقعنا منه بأن يضع نهاية للحكام الدمويين الذين أذاقوا شعوبهم مرَّ الحياة، ومنعوا عنهم حقوقهم، وساموهم سوء العذاب، تعاملاً، وقهراً، ووأداً لما يمكن أن ينعش آمالهم ولو في المستقبل البعيد بحقهم في الكرامة والحرية والتمتع بحقوق المواطنة.
* * *
لا أحد من المواطنين في الدول العربية المنكوبة الآن، إلا ويشعر بعد الربيع العربي بالذل والمهانة والقهر والضياع في دول لا تحتكم لقانون، دول بلا أمن أو استقرار، دون أن يلوح في الأفق ما يشير إلى أن المستقبل الجميل الذي انتظروه طويلاً سيكون آتياً عمَّا قريب أو بعيد، في ظل هذا الفلتان والفوضى وقرقعة السلاح، في مؤامرة دولية لها بداية مؤلمة وقد لا يكون -ربما- لها نهاية سعيدة.
* * *
لقد حكم هؤلاء الطغاة مواطنيهم بالحديد والنار، وقد استبشرنا بزوال حكمهم، ظناً خاطئاً منا بأن هذه الصفحات السوداء، وهذه الحقبة من التاريخ، بكل سوءاتها ودمويتها قد انتهت إلى غير رجعة، في العراق وليبيا واليمن، وأن السفاح الدموي المجرم بشار الأسد إلى زوال، فإذا به ما زال يقود مجزرة لم يعرف التاريخ مثيلاً لها، إذ إنها لم تتوقف منذ أربع سنوات في سوريا، بينما قيامه بسحق الأحرار من الشعب السوري البطل ما زال متواصلاً، دون أن يسقط هذا النظام الدموي في دمشق، فيما المجازر الإرهابية لا تزال مستمرة في ليبيا والعراق لإبقائها على النحو الذي نراه، والأرهابيون ما زالوا يعبثون بأمن مصر وتونس ليحولوا دون استقرار الدولتين.
* * *
نعم لقد غاب صدام حسين عن المشهد، ومثله معمر القذافي، وذهب علي عبدالله صالح، وابن علي، وحسني مبارك ومن بعدهم مرسي، غير أن الإرهاب هو الإرهاب، فالمالكي وداعش في العراق، والحوثي وعلي صالح في اليمن، والإخوان المسلمين في مصر وتونس حتى بعد إقصائهم، وداعش والإخوان في ليبيا، وجميعهم مدعومون من إيران ومن أمريكا، لكي لا يتركوا فرصة للمواطنين في هذه الدول ليستنشقوا نسيم الحرية، ويتمتعوا مثل كل شعوب العالم بأجواء مستقرة لبناء حاضرهم ومستقبلهم، دعك من بشار الأسد الذي يذبح الشعب السوري ويقوض كل البنى التحتية ومقومات الدولة في سوريا الحبيبة.
* * *
إن مشهداً كهذا، يبكينا ويؤلمنا صباح مساء وفي كل يوم، وكيف لا يكون هذا حالنا، فأهلنا في هذه الدول بين قتيل أو جريح أو سجين أو مشرد، أو قابع في بيته ينتظر جلاداً يقضي عليه، ولا من أحد في العالم ينتصر للحق، أو ينصف المظلوم، لأن ما يحدث - على ما يبدو - مؤامرة كونية، يغيب فيها الضمير والإنسانية، وتستثنى الدول العربية وشعوبها من قائمة حقوق الإنسان المزعومة، ربما لأن ما يجري إنما هو قتال دموي مباح بين عربي وعربي على أرض عربية، وهو ما يلبي رغبة الأعداء، ويستجيب لمصالحهم، ويحقق أهدافهم بامتياز، حتى ولو كان يمر عبر جثث الأبرياء من مواطني هذه الدول.
* * *
بقي أن نتساءل، من الذي أوقد كل هذه النار المشتعلة بكل آثارها وامتداداتها، ومن الذي يقف خلف استمرار أوارها، بالدعم اللوجستي، والسياسي، والمالي، وبالسلاح الفتَّاك، ليبقوا الحالة على ما هي عليه في هذه الدول، حتى تضعف، وتدب فيها المشكلات، فتتوسل فيما بعد رضاهم، ورغيف العيش منهم، وتقبل مكرهة بأن يتولاها عميل أو أجير يلبي مصالح أسياده، من يكون هذا، إن لم تكن إيران، وأمريكا، وبعض الدول الكبرى، وعملاؤها في المنطقة من دول ومؤسسات وأفراد، فمتى نعي كعرب ونصحو من نومنا الطويل، وندرك حجم المؤامرة وتداعياتها على استقرار منطقتنا وأمنها ومصالحها بالكامل، متى؟!.