سبحان الله وتبارك الله في علاه.. كيف أن كثيراً من خلق الله من الهوام والحيوان والطيور والحشرات، ويعلوها الإنسان جميعاً تسعى للبحث عن مأوى وبيوت تركن وتريح فيها وتجتهد في بنائها وتشييدها حسب ظروفها وحاجاتها، وتعجب من بعضها سبحان الله من طريقة ودقة وشكل ما تعمله في مساكنها على الأشجار والجبال وفوق الأرض وتحتها، ناهيك عن الإنسان الذي يعتبر البيت حلماً وهدفاً من أهدافه في الحياة، فمتى ما يحصل عليه تملكاً أو غير ذلك عمل جاهداً على البحث عن أحسن المخططات، واهتم كثيراً بتشطيباته الداخلية والخارجية، ثم يبدأ بتأثيثه وترتيبه وتنظيمه، فلا يضع الشيء إلا في محله من الأثاث والمناظر والتحف والمكتبة، في متابعة جادة من جميع أفراد الأسرة.. كل هذه المقدمة لأنتقل إلى بيوت الله التي يرفع فيها اسمه ويتجه المسلمون إليها في اليوم والليلة خمس مرات لأداء الصلوات، وفي الأحاديث النبوية الكثير من الفضائل في الذهاب إلى المساجد: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور)، وفي كل خطوة يخطوها المسلم إلى المسجد صدقة وبسنة السواك.. واحترام بيوت الله بعدم إيذاء المصلين والملائكة بالروائح الكريهة كالثوم والبصل وغيرهما، كما أمر الله في كتابه بالنظافة بالملبس والجسم قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (31) سورة الأعراف.
إلا أن هناك ظواهر تحدث في مساجدنا ينبغي القضاء عليها، ومنها:
- عدم الاهتمام بكتاب الله في كثير من المساجد وبخاصة مساجد المحطات على الطرق السريعة وأيضاً المحطات داخل المدن وكثير من المساجد داخل الأحياء وبالرغم من وجود الدواليب والرفوف المخصصة لها إلا أن عدم العناية بها واضح حيث ينقصها الترتيب وعندما ينتهي القارىء منه يضعه على أي شكل بعكس لو كان أحد كتب مكتبته لوضعه حسب تبويبته ورقمه والبعض - هداه الله - يضعه على أي وضع ناهيك عما يعلوها من الغبار وعدم التنسيق وما تمزق منها، فكتاب الله في كثير من المساجد حاله يُرثى لها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
- ومن الظواهر المشوهة للمساجد كثرة الملصقات وما أدراك ما الملصقات، فحال ما ينتهي المسجد من العمار بشكله الجميل وتشطيبه الرائع حتى يتسابق المجتهدون والجمعيات الخيرية في تشويه جدران المساجد وأبوابها الجميلة بالملصقات من إعلانات أو طلب تبرعات أو نصائح أو أذكار ولم يستثنوا أي مكان في المساجد حتى على الأبواب وعلى الجدران وعلى النوافذ حتى وصلت هذه الملصقات إلى المنابر ورفوف المصاحف وغيرها من ملصقات الأذكار والأدعية أمام المصلين في أشكالها وألوانها أمامهم وتلصق بطريقة لا يمكن إزالتها إلا بتشويه مكانها.
- وضع النعال - أعزكم الله - أمام المداخل بالرغم من وجود أرفف خاصة بها فهو منظر غير حضاري إيذاء للمصلين في طريقهم للدخول إلى المسجد، وقد أمرنا الإسلام بإماطة الأذى عن الطريق أليس وضعها بهذا الشكل أذى وتشويهاً لبيوت الله مع أن إماطة الأذى صدقة.. فلماذا نخسر هذه الصدقة؟
- انخفاض أصوات المصلين بالذكر والتسبيح والتهليل إلا ما شاء الله كنا ونحن صغار نسمع المصلين إذا سلم الإمام تجلجلت أصوات المأمومين مع إمامهم بالذكر والتسبيح والأذكار تخشع بها القلوب وتهتز بها المشاعر حمداً وشكراً لله بإتمام صلاتهم وطلب المغفرة والقبول منه.
- ضعف قدسية المساجد وأنها بيوت الله التي ينبغي ألا يسمع فيها غير التهليل والتكبير والاستغفار والتسبيح وتلاوة القرآن والقدوم إليها مبكراً والتريث بعد أداء الصلاة لاستكمال الأذكار وأداء النوافل، إلا أن الحاصل الآن في مساجدنا تأخر وسرعة الخروج وأول من يسارع بالخروج الإمام والمؤذن وكثرة النزاعات والمشادات بين الإمام والمصلين أو بين بعضهم وكثرة الحركة في الصلاة.. الصلاة بثياب النوم.
- أليس من ضعف قدسية المساجد ما نشاهده من وضعها المزري في محطات المحروقات من الإهمال في شكلها ونظافتها وموقعها بل الكل ينصب حرصه واهتمامه في شكل المحطة وإنارتها ومداخلها ومخارجها وتزيينها بالأشكال المعمارية الجاذبة والأنوار المبهرة، أما المسجد فهو في مكان زاوية مهملة تبقت من مشروعه الكبير.
- أليس من ضعف قدسية المساجد وعدم الاهتمام بها ما يعمل في المولات والمجمعات والمراكز التجارية بحيث يكون موقعه في أسوأ موقع وبزاوية ميتة من المجمع لا يدلك عليه سوى اللوحات الإرشادية وكثير منها لا يسع للمصلين وبشكل معماري سيىء ولا يوحي بأنه مسجد، بينما شكل المجمع من الداخل والخارج متكلّف في إخراجه على أحسن طراز ويختار له أفضل المواقع في المدن.
- وأخيراً يطول الحديث عن بيوت الله وما تعانيه من ظواهر إهمال في بعضها إلى التقصير الواضح في متابعتها من قبل الهيئات المسؤولة في وزارة الأوقاف وفروعها المنتشرة في المدن والمحافظات والمراكز، فينبغي المتابعة الجادة في العناية بالمساجد وإلزام المسؤولين فيها من الإمام والمؤذن والعامل بالقيام بواجباتهم الإشرافية والدينية بالقضاء على مثل هذه الظواهر التي إن تركت سوف تزداد في بلاد يجب أن تكون قدوة في الحرص والاهتمام بأماكن العبادة وأن تكون مساجدنا بالشكل والمظهر البارز في كل منشأة لا أن تكون في الزوايا الميتة منها.
- على المسلم أن يحتسب الاهتمام والعناية في بيوت الله والعناية بكتاب الله بترتيبه ووضعه في المكان المخصص له وعدم وضع الملصقات بشكل عشوائي على الأبواب والجدران والنوافذ وأرفف المصاحف والمنابر، حيث شوهت وأشغلت المصلين، بل وضعها على لوحات مخصصة لمن أراد أن يذكّر المصلين وأن يضع نعله بعيداً عن مداخل الأبواب، وأن يأتي إلى الصلاة مبكراً بسكينة وخشوع متزيناً بأنظف وأحسن ملابسه وبأفضل روائحه لا كما يفعله البعض من القدوم إلى بيت الله في ثوب نومه، وعندما يذهب إلى عمله أو مدرسته يتمخطر بأحسن الملابس - هداهم الله -.
- على المسؤولين تنبيه الدعاة وخطباء الجوامع وأئمة المساجد ومؤذنيها إلى ضرورة الحد من هذه الظواهر في خطبهم ومحاضراتهم وعقد الندوات لمكافحتها وأخذ عناوين من يشوه المساجد بالملصقات ومعاقبتهم بالغرامات المالية لردعهم، وبدون مجاملة «الجزيرة» نافذتي التي أطل منها على المجتمع، فهي منبر حر مفتوح لكل من أراد أن يدلي بدلوه في مواضيع تهم المجتمع، فقد شجّعتنا ودرّبتنا على الكتابة لنشر ما يجول في اهتماماتنا وخواطرنا.. فشكراً لجزيرتي.
وفقَ الله الجميع لما فيه خير.
- عنيزة