الجزيرة - سعود الشيباني / تصوير - سيد خالد:
يشكل مجلس صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود أمير منطقة القصيم صورة حية ونموذجاً حقيقياً لمفهوم المجالس المفتوحة التي اتسم بها نظام الحكم السعودي كوسيلة لالتقاء المسئولين بالمواطنين والمقيمين والنظر في مسائلهم المختلفة والعمل على حلها بصورة مباشرة.
هذا المجلس الذي طالما حلت فيه مشاكل ظن أصحابها أنها لن تحل، وأنهيت فيه قضايا طال انتظارها، وارتسمت فيه ابتسامات عريضة على وجوه الكثير من المواطنين والمقيمين، وأنجزت فيه مسائل على وجه السرعة، عنوانه الترحاب والحفاوة والأريحية، وداخله الهدوء ودقة التنظيم والأداء العالي والإنجاز السريع.
التقرير التالي يأخذنا في جولة مستفيضة داخل مجلس صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود أمير منطقة القصيم ويعكس لنا كيف تسير الأمور، وكيف يتم استقبال المراجعين، وكيف تأخذ قضاياهم طريقها إلى الحل بآلية انسيابية سهلة تحقق لهم آمالهم وتلبي تطلعاتهم وتشعرهم بقرب ولاة الأمر منهم وملامسة همومهم.
لمحة عن المجلس
يتسع مجلس أمير منطقة القصيم لقرابة 300 شخص ويحاكي التطور العمراني جمالاً وتراثاً، وتتوفر في المجلس جميع الخدمات التي يحتاجها المراجعون «ضيوف المجلس» ويقدم للحضور الذين يقدم لهم الشاي والقهوة والماء ويجلسون على مقاعد مريحة وفي أجواء تشعرك بالرحابة وحسن الاستقبال والأريحية.
يحف المجلس الأنيق قرابة 20 من (الخويا) يرتدون الثوب و(الدقلة) بزي موحد بالرشاش والمسدس وفقاً للتقليد الوطني المتوارث يقدمون خدماتهم للمراجعين بكل حماس وروح عالية تشعر ضيوف المجلس بأن الكل في خدمتهم.
ويوجد بالمجلس بعض رجال الأمن بقيادة عميد وعقيد ونقيب يقومون جميعا بخدمة المراجعين وتوجيههم وتسهيل مهامهم سواء كان في مقابلة الأمير أو في وجهة معاملاتهم بعد أن يشرح عليها الأمير.
يعقد صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود آل سعود أمير منطقة القصيم مجلسه كل يوم وتحديدا من الساعة الحادية عشرة وحتى الثانية عشرة يستقبل المواطنين والمقيمين للنظر في مسائلهم حيث يبدأ باستقبال الرجال وبعد الفراغ منهم وتوجيه معاملاتهم للجهات المختصة يقف على المكان المخصص، باستقبال النساء ويتم ذات الإجراء احتراما لخصوصيتهن ويستمع لمطالبهن، لكن القسم النسائي يختلف عن الرجال لكونه يقابلهم عبر شباك ولا يحضر مع سموه الا مسئول الاستقبالات بالإمارة.
يحضر سموه للمجلس في الوقت المحدد ويتم السلام على الحاضرين، وبعد ذلك يجلس سموه على مكتب ويستقبل الحاضرين فردا فردا حسب ترتيبهم في الجلوس بطريقة منظمة وسلسة ويتم وضع كرسي لمن يأتي دوره ويأخذ منه معروضه ويقرأه، ويستمع لموجز عن المسألة ثم يوجه لحل مشكلته على وجه السرعة وأحيانا يدور حوار بينهما، ويكون في الغالب بصوت منخفض في حال ان الموضوع فيه شيء من السرية والخصوصية، حرصا من سموه على مشاعرهم.
ويستمع سموه بكل تركيز لحديث المراجع، ثم يدقق في المعروض ليعرف مضمونه، ويوجه بسرعة إنجاز الأمر وفقاً لما تقتضيه الحالة، وكثيرا ما يردد سموه عبارة (أبشر سوف يتم إنهاء موضوعك ان شاء الله) وهذا يبعث السرور في وجه المراجع ويشعر بأن موضوعه في أيد أمينة وأنه سلك طريق الحل.
أمير القصيم وثقافة المجالس المفتوحة
لم تكن ثقافة المجالس المفتوحة غائبة عن ذهن الأمير الدكتور ولا غريبة على اهتماماته بل ترسخ ذلك لديه منذ وقت مبكر، وكان ذلك المفهوم يحتل حيزا من تفكير سموه منذ أن كان طالبا مبتعثا للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية وتحديدا عام 1988م الموافق 1408هـ، حينها بدأت القصة الحقيقية للبحث عن جذور المجالس المفتوحة التي أصبحت اليوم نهجا يمارسه سموه في ديوان الإمارة بشكل دائم، فكانت تلك نقطة البداية التي قادت إلى تأليف كتاب (المجالس المفتوحة والمفهوم الإسلامي للحكم في سياسة المملكة العربية السعودية).
وقد ترجم سمو الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود الطالب آنذاك تلك الأفكار والتساؤلات والاهتمامات من خلال مؤلفه الذي نال بموجبه درجة الماجستير، وهو كتاب مهم وبه محتوى عميق ومضمون غاية في الأهمية ولاسيما لدى الأجيال الناشئة وكذا الباحثين والمهتمين بالجذور الثقافية لسياسة الحكم السعودي.
وجاءت فصول الكتاب الذي يوثق ويحلل ويجسد فكر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود -طيب الله ثراه- بأساليب شيقة وممتعة ومفيدة وجاذبة للقارئ ومرتبة ومتسلسلة، لكونها تتحدث عن ثقافة وسياسة وتقليد وعمل يومي يؤدى في عدد من الإمارات والقصور وموروث من القيم النبيلة التي جسدها الملك المؤسس -رحمه الله- في تعامله مع المواطنين وحرصه على تلمس أوضاعهم وتفقد أحوالهم والقرب منهم وتحقيق راحتهم وتلبية متطلباتهم، وهو نمط حصري للشفافية والمكاشفة وسياسة الباب المفتوح في أبهى صورها وهي قيمة مستمدة من الشرع الحنيف وعلى نهجه سار أبناؤه البررة الميامين وأحفاده الذين تشربوا هذه القيم وتوارثوها.
وتناول الفصل الأول لهذا الكتاب الإطار النظري لنهج المجالس المفتوحة، لكون المملكة العربية السعودية راعية الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين، ما يجعل هذا النهج متأصلا في مكوناتها الحضارية والثقافية، ومتأسياً بالمبادئ الإسلامية، وكذلك النموذج السعودي للحكم تميز بشخصيته الفريدة وبقيمه الخاصة التي من بينها تأطير العلاقة بين الحاكم والمواطن وتنظيم اللقاء بالمواطنين مباشرة والتعرف على احتياجاتهم، وكذلك تناول دور الدين في نظام الحكم السعودي، وأن جميع جوانب الحياة في المملكة العربية السعودية محكومة بتعاليم الإسلام، إدارة وسياسة وتعليماً وقضاءً وحكماً.
فيما تناول الفصل الثاني مصادر المعلومات وأدوات جمعها ومن بينها المراجع المتوفرة عن المملكة والمقابلات الشخصية والاستبانات، وأشار الفصل الثالث إلى الخلفية التاريخية والطبيعة الجغرافية للمملكة العربية السعودية ومراحل التطور السياسي للمملكة.
أما الفصل الرابع فقد أوضح الأسس الدينية والحضارية للدولة الإسلامية، فيما تناول الفصل الخامس مقارنات دولية حول العلاقة بين نوع الحكم وأسلوب الحياة، وتحدث الفصل السادس عن الاجراءات الوظيفية والمفهوم العام للمجالس المفتوحة وتاريخها وهيكلها التنظيمي وفعاليتها، وعزز المؤلف دراسته حول هذا النهج التراثي الديني الهام بحوار مع الملك سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض آنذاك حول مفهوم المجالس المفتوحة وجدواها ونتائجها وثمارها، ثم ختم المؤلف كتابه باستبانات وفهرست ولائحة المجالس.
يذكر أن هذا الكتاب ليس المؤلف الوحيد لسمو أمير منطقة القصيم، بل هناك عدة مؤلفات لسموه، حيث ألف أكثر من 20 كتاباً، لا تقل عنه تميزاً وروعة من حيث المحتوى والأهمية والمضمون.
أثناء استقبال الأمير للمراجعين حضر مواطن قائلا: إن لديه قضية ما بين منطقة الرياض والقصيم ولم يتم حلها وقد تعبت من السفر كل فترة، فوعده سمو الأمير بحل الموضوع عاجلا بإذن الله، وكثيرا ما يطلب سموه من المراجعين عدم الاطالة وألا يأخذوا فرصة غيرهم بالإطالة والشرح خاصة إذا كان الموضوع مشروحاً بالتفصيل من خلال المعروض، حيث يقوم سموه بقراءة معروض كل شخص وبعده يوجه حسب الجهة التي تختص بالموضوع.
حضر إلى مجلس سموه أحد المواطنين لديه قضية ما وذكر أن لديه طفلا معاقا ويحتاج من سموه لمسة حانية لمساعدته في ذلك الموضوع، فرد سموه في الحال قائلا: سوف يحل موضوعك إن شاء الله وخرج المواطن فرحا مسرورا وهو يشعر بالطمأنينة والراحة النفسية.
مواطن آخر يبدو أن موضوعه يتعلق بميراث وكان الأمير يسأله عن الورثة هل من بينهم أبناء عمومة؟ فرد المواطن بنعم. فقال له الأمير: القضاء هو الفيصل، ونحن نحل جميع المشاكل وفق القضاء في دلالة على أن المجلس لا يتجاوز الجوانب القانونية والقضائية بل يسعى لحل مشاكل المواطنين والمقيمين بالعدل وبسرعة إنهاء المسائل في وقت وجيز.
بيعة وعهد وولاء
في مشهد آخر حضر أحد المواطنين إلى مجلس سموه، وقبل أن يقرأ سموه المعروض قال المواطن: اسمح لي بأن اقول: إننا نعاهد الله ثم نعاهد ولاة الأمر بأننا معهم على تطبيق كتاب الله، وأننا راضون ومعهم في كل أمر، ونجدد البيعة للقيادة فشكره الأمير، وقال: موضوعك حقوقي وسوف أحيله للحقوق ليتم بعد ذلك إنهاء موضوعك بوجه السرعة إن شاء الله.
مواطن آخر حضر للأمير طالبا منه الشفاعة عند إدارة التعليم لنقله بسبب ظروفه العائلية لكونه لديه والدا طاعنا في السن فقال الأمير: إن شاء الله يتحقق طلبك ونشكرك على اهتمامك ورعايتك لوالدك، وهذا غير مستغرب على أبناء الوطن.
مواطن معاق حضر على كرسي متحرك بواسطة ابنه فقال للأمير: هذا ابني الأكبر ويرغب في خدمة وطنه بالأمن العام وقدم عليهم وهو مكتمل الشروط ولا نستغني عن شفاعتك مراعاة لظروفي الصحية، فوعد سموه بذلك بعد ان طلب منه الانتظار حتى إعداد خطاب للجهات المختصة.
وفي السياق حضر مقيم مصري بعد مشاركته في مسابقة شعرية بإحدى القنوات الفضائية مقدما باقة ورد لسموه تقديراً وعرفانا من المقيم تجاه سموه وحرصه على تشجيع الشباب والمواهب والتحفيز على الابداع فشكره سموه على مشاعره، كما حضر شاب بالعقد الثاني من العمر فنان تشكيلي بعد أن رسم صورة لسمو أمير المنطقة وقدمها إهداء وحبا ووفاء لسموه وطلب بصورة تذكارية مع سموه.
أحد المواطنين قدم للأمير وكانت علامات الارهاق والتعب واضحة على وجهه، وقال أنا تعرضت لخسائر مادية بسبب احدى الجهات فطلب الأمير من المواطن الجلوس وطلب احضار ماء ووجه مدير الشرطة بحل الموضوع عاجلا بعد ان طلب من مدير مكتبه ان يرافقه أحد الموظفين بالإمارة إلى الشرطة ومتابعة حل موضوعه وتزويد سموه بالتفاصيل عن القضية.
مجلس للمسئولين والمديرين
في المساء وتحديدا بعد صلاة العشاء يعقد مجلس آخر في الشهر مرتين، حيث يستقبل سموه المسؤولين ومديري العموم بالمنطقة والمشايخ وكبار الضباط ووجهاء المجتمع في مقر ضيافة الإمارة، وذلك للتشاور والتفاكر حول المسائل التي تهم مصلحة المواطن وتطوير المنطقة.
هذا المجلس يتسع لأكثر من 400 شخص، حيث يسلم الحضور على سموه، ومن لديه مسألة يمكن أن يقدمها لأمير المنطقة، وبعد الجلوس وتناول القهوة والشاي، ثم يبدأ البرنامج بالقرآن الكريم ثم يتم مناقشة أحد المواضيع المهمة، حيث يدير سموه دفة الحوار وينقل المداخلات من شخص لآخر، وكان لحظة تواجدي لإعداد هذا التقرير نوقش موضوع سوسة النخيل وطلب الأمير من مدير الزراعة بالمنطقة إطلاعهم على هذه المشكلة وحجمها وكيفية الحلول لها، ثم قدم مدير الزراعة شرحا وتفصيلا عن تاريخ سوسة النخيل وقال: إن هذه الآفة دخلت المملكة قبل 25 عاما بسبب نقل فسائل للنخيل مريضة بآفة سوسة النخيل واكتشفت بعدة مدن بالمملكة، ومتى دخلت بالمنطقة وعدد المزارع والنخيل المتضررة وكيفية معالجة القضية ووعد سموه بسرعة حل المشكلة، ومخاطبة معالي الوزير للحضور ومناقشة الآفة بعد ان استمع لأطروحات ومداخلات المتضررين وأصحاب المشاريع الزراعية ومدى خطورة هذه الآفة على مشاريعهم لكون مشاريعهم رافدا اقتصاديا مهما.
وقبل أن يطلب الأمير منهم الانتقال لتناول العشاء بعد حوار استغرق أكثر من ساعة، قال سموه من لديه مقترح لمناقشة موضوع ما يخدم الصالح العام فليطرحه لوكيل الإمارة ليتم مناقشته في اجتماعنا القادم بعد أسبوعين بإذن الله، مؤكدا ان الشفافية مطلب لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله - على حل مشاكل المواطنين والمقيمين على وجه من السرعة وبما يرضي الجميع ويخدمهم.
وإذا كان المجلس الذي يعقد منتصف النهار يكرس من أجل حل قضايا المواطنين والمقيمين الخاصة وبشكل مباشر وبحضورهم شخصيا، فإن المجلس المسائي يكرس لحل مشاكل المنطقة عامة وهي بالتأكيد قضايا المواطنين العامة ومصالحهم تناقش ويبحث لها عن الحلول لكن دون حضورهم ودون أن يشعروا بل بحضور المسئولين وجهات الاختصاص والوجهاء، وهو بلا شك عمل له مردوده الايجابي على صعيد المصلحة العامة، وهو أيضاً جهد كبير يبذل من أجل راحة المواطن والمقيم، يضاف إلى الجهد الذي يبذله سموه والعاملون بالإمارة خلال فترة الدوام الرسمي الذي يكرس من أجل تطوير المنطقة وتقدمها وازدهارها ومن أجل الارتقاء بأوضاع المواطنين والمقيمين إلى الأفضل.