عاصم بن سعود السياط
منذ اليوم الأول الذي استلم فيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية وهو يؤكد في كل كلمة له على مضامين سامية وأهداف نبيلة مستقاة من الشريعة الإسلامية أولاً ثم النظام الأساسي للحكم ثانياً والذي يعد رأس أنظمة الدولة بعد دستورها المتمثل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن هذا الأساس الشرعي والقانوني المتين ينطلق الملك في كل ما يقول، ومَن لديه خلفية قانونية ويستقرئ ما بين أسطر كلمات الملك يعلم علم اليقين حقيقة ما أقول، وقد ابتدأ ذلك بأول كلمة ألقاها بعد توليه مقاليد الحكم حينما أكد على أننا لن نحيد عن النهج القويم الذي سارت عليه الدولة منذ تأسيسها وأن دستورنا هو كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا تأكيد منه على المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم التي أبانت أن الكتاب والسنة هما دستور الدولة، وهنا يقطع الملك الطريق أمام كل الأقلام والانتقادات التي تُوجه إلى الدولة ونظامها الدستوري حيال هذا الأمر.
وفي كلمة خادم الحرمين الشريفين الأخيرة التي وجهها إلى عموم المواطنين والمواطنات في يوم الثلاثاء بتاريخ 19-5-1436 هـ أكد مرة أخرى على هذا المنهج تأكيداً واضحاً جلياً لا لبس يشوبه، حيث استهل كلمته بالقول إن الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- وأبناءه من بعده قد أسسوا هذه البلاد وأقاموا دعائم هذه الدولة وحققوا وحدتها على هدى من التمسك بالشرع الحنيف واتباع سنة خير المرسلين صلى الله عليه وسلم، وهذا تأكيد من الملك على هوية الدولة الإسلامية التي أوضحتها المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم كما أسلفت والتي نصت على أن المملكة العربية السعودية دولة إسلامية ذات سيادة تامة دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والمتفحص لنصوص النظام الأساسي للحكم يتضح له بجلاء هوية الدولة الإسلامية وروح النظام السياسي السعودي القائم على الشرع الحنيف في أكثر من مادة، فإلى جانب المادة الأولى جاءت المادة الثالثة من ذات النظام موضحةً أن كلمة (لا إله إلا الله) تتوسط علم الدولة وتحتها سيف مسلول ولا ينكس العلم أبداً، ولا إله إلا الله هي كلمة التوحيد ومفتاح الإسلام وأعظم فريضة وهي من الدين بمنزلة الرأس من الجسد كما قال الفقهاء، كما قد جاءت المادة الخامسة من النظام ذاته لتؤكد على أن الأصلح للحكم من أبناء الملك عبدالعزيز وأبناء الأبناء يُبايع للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم في المادة السادسة تم النص على أن المواطنين يبايعون الملك على كتاب الله وسنة رسوله، وفي المادة السابعة تم التأكيد على أن الحكم في المملكة العربية السعودية يستمد سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهما الحاكمان على جميع أنظمة الدولة، أما المادة الثامنة فقد أكدت على أن الحكم يقوم على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية. وخلاصة القول إن النظام الأساسي للحكم -كبقية الأنظمة- زاخر بالنصوص التي تؤكد على الهوية الدينية للدولة من خلال التأكيد في كل مرة على عبارة (وفق الشريعة الإسلامية) أو (في إطار الشريعة الإسلامية) أو أي عبارة أخرى تؤدي لذات المعنى، والملك سلمان لديه إيمان عميق واعتزاز لا ينتهي بهذه الهوية الفريدة وهو ما يتضح من جميع كلماته وخطبه التي ألقاها.
كما أكد في كلمته على أن المملكة حرصت منذ إنشائها على القيام بواجبها ومسؤولياتها بما يخدم الإسلام ويحقق تطلعات المسلمين بدوام الراحة والطمأنينة لهم في أداء مناسبك الحج والعمرة بكل يسر وسهولة، وهذا القول هو تأكيد منه على المادة الرابعة والعشرون من النظام الأساسي للحكم التي أشارت إلى قيام الدولة بإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما وتوفير الأمن والرعاية لقاصديهما بما يمكّنهم من أدء الحج والعمرة والزيارة بيسر وطمأنينة، وقد نص بكلمته حول هذا الشأن بأنه (واجب) وأنه مسؤولية عظمى وهذه إشارة إلى استشعار القيادة لأهمية هذا الأمر وأن وجود الحرمين الشريفين في المملكة العربية السعودية يعطيها بُعداً وثقلاً إسلامياً مما يوقع على الدولة واجب توفير كل سبل الراحة والطمأنينة واستتباب الأمن كي يتمكن المسلمون من القدوم إلى الحرمين الشريفين بلا أي قلق ومنغصات، واستناداً لهذا ولوجود هذا البعد الإسلامي للمملكة العربية السعودية دون غيرها من الدول لوجود الحرمين الشريفين فإن المملكة قد تنبهت منذ نشأتها لهذا الأمر مما جعل له تأثير على كثير من سياسات الدولة وأنظمتها وما النظام الأساسي للحكم الذي نحن بصدد الحديث عنه إلا شاهد على هذا فنجد في الكثير من نصوصه إشارات إلى العالم العربي والإسلامي ولدور المملكة المحوري فيهما، أي أن النظام الأساسي للحكم لم ينظم شؤون الداخل السعودي فقط وإنما أوضح في غير نص دور المملكة في التضامن العربي والإسلامي وواجباتها حيال هذا.
ثم أكد الملك سلمان مرة أخرى أنه وضع نصب عينيه مواصلة العمل على الأسس الثابتة التي قامت عليها الدولة من التمسك بالشريعة الإسلامية الغراء، وهذا التأكيد منه مرة أخرى على هذا المنهج وفي ذات الكلمة يدل دلالة واضحة قاطعة على أن التمسك بالشريعة الإسلامية الغراء هو مبدأ أصيل لدى الملك والقيادة لا يمكن الحياد عنه قيد أنملة، وهذا استناداً إلى المادة الثالثة والعشرين من النظام الأساسي للحكم التي نصت على أن الدولة تحمي عقيدة الإسلام وتطبق شريعته.
ثم أكد على الحفاظ على وحدة البلاد وتثبيت أمنها واستقرارها، وهذا التأكيد من الملك على هذا الجانب يجد له أساساً قوياً في النظام الأساسي للحكم الذي لم يغفل عن الأمن في أكثر من مادة، ففي المادة السادسة والثلاثين من النظام تم التأكيد على واجب الدولة بتوفير الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على إقليمها، وقبل ذلك جاءت المادة الثالثة والثلاثين لتشير إلى واجب الدولة بإنشاء القوات المسلحة وتجهيزها من أجل الدفاع عن العقيدة والحرمين والشريفين والمجتمع والوطن، والأمن هو الشغل الشاغل لكل دولة وهو أساس التقدم والازدهار الاجتماعي والثقافي والاقتصادي وأي دولة بلا أمن ستكون مشلولة دون شك ولن تتقدم إلى الأمام ولو خطوة واحدة، فالأمن أعظم النعم وأساس التطور والازدهار.
أكد أيضاً على السعي المتواصل نحو التنمية الشاملة المتكاملة والمتوازنة بين مناطق المملكة كافة والعدالة لجميع المواطنين ولا فرق بين مواطن وآخر ولا بين منطقة وأخرى، وهذا ما أكدت عليه المادة الثامنة من النظام الأساسي للحكم التي أشارت إلى أن الحكم في المملكة العربية السعودية يقوم على أساس العدل والمساواة وفق أحكام الشريعة، والعدل هو أساس الملك وما حكم حاكم بالعدل إلا أفلح وبالعدل يستقيم كل شيء ويتحقق الأمن والاستقرار في الدولة، وقد جاءت العديد من الآيات والأحاديث التي تؤكد على هذا المعنى العظيم، فالله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}.
ثم أشار إلى أنه نبه وزير الداخلية على التأكيد على أمراء المناطق باستقبال المواطنين والاستماع لهم، وهذا منهج فريد دأبت الدولة منذ تأسيسها على السير عليه حتى هذا اليوم وهو ما يُعرف بسياسة الباب المفتوح الذي ابتدأه الملك المؤسس رحمه الله إذ يعلم كل قارئ للتاريخ أن مجلسه كان مفتوحاً للمواطنين وقد جاء النظام الأساسي للحكم وأكد على أهمية هذا من خلال إيراده مادة تنص على هذا المبدأ وهي المادة الثالثة والأربعون القائلة إن مجلس الملك ومجلس ولي العهد مفتوحان لكل مواطن ولكل من له شكوى أو مظلمة، وفي الواقع لا يخفى أن لكل أمير منطقة يوم محدد في الأسبوع يستقبل فيه جميع المواطنين.
كما أكد على حرصه على التصدي لأسباب الاختلاف ودواعي الفرقة والقضاء على كل ما من شأنه تصنيف المجتمع مما يضر بالوحدة الوطنية، وهذا إيمان من الملك على ضرورة تقوية أواصر الوحدة الوطنية ولم شمل المواطنين بمختلف أطيافهم لأن الملك يدرك أن الجبهة الداخلية أقوى سلاح تتسلح به أي دولة، وهذا القول الذي أكد عليه الملك يجد أساسه المتين في النظام الأساسي للحكم في أكثر من مادة، ففي المادة الحادية عشرة جاء النص قائلاً إن المجتمع السعودي يقوم على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله وتعاونهم على البر والتقوى والتكافل فيما بينهم وعدم تفرقهم، ثم في المادة التي تليها مباشرة وهي المادة الثانية عشرة جاء القول إن تعزيز الوحدة الوطنية واجب وتنمع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام، ولا شك بأن أحوج ما تحتاجه الدول عموماً ودول المنطقة خصوصاً في ظل عواصف المحن وهبّات الفتن التي اجتاحت الدول العربية تعزيز الوحدة الوطنية والاعتصام والتلاحم بين المواطنين وبين أنفسهم وبين المواطنين وقياداتهم، وفي ظني أن الأمر لا يحتاج لمزيد بيان فها هي الدول التي انفرط فيها عقد الاعتصام والتلاحم وتقطعت أواصر وحدتها الوطنية ما زالت تسير في نفق مظلم إلى المستقبل المجهول!
لقد أدرك الملك أن الإعلام هو سلاح العصر، فأكد في كلمته على الإعلام ودوره الكبير في إيصال الحقائق وعدم إثارة الفرقة والتنافر وأن الواجب على الإعلام أن يساهم في تعزيز الوحدة الوطنية، وهذا المفهوم لم يغفل النظام الأساسي للحكم عنه، إذ أكدت المادة التاسعة والثلاثون على وسائل الإعلام وضرورة الالتزام بالكلمة الطيبة والمساهمة بتثقيف الأمة ودعم وحدتها وحظر كل ما يؤدي للفتنة والانقسام أو يمس بأمن الدولة، وفي هذه المادة جاء النص بقوله (تلتزم وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة...) وقول المنظّم: (وجميع وسائل التعبير) يشير إلى أن المقصود بلا شك كل الوسائل الإعلامية بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة كالتويتر وغيرها مع أن النظام الأساسي للحكم قد صدر قبل أكثر من عشرين سنة أي قبل ظهور هذه الوسائل الحديثة، إلا أنها دقة في التعبير وبُعد في النظر والتدبير تُحسب وبلا شك للمنظم.
بعد هذا أكد الملك سلمان على أن التطوير سمة لازمة للدولة منذ عهد المؤسس وسوف يستمر، وهذا ما جاءت به المادة الثانية والعشرون من النظام الأساسي للحكم التي نصت على أنه يتم تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفق خطة علمية عادلة، ولا شك أن تحقيق التنمية وتطوير الدولة هو هاجس كل حاكم وهدفه السامي وغايته القطعية، إذ يحلم كل حاكم أن تكون دولته على رأس كل الدول تنموياً واقتصادياً واجتماعياً وتبذل لتحقيق ذلك كل الجهود وتسخر كل الإمكانات، ولأجل هذا فقد أكد الملك في كلمته أنه أكد على جميع المسؤولين وبخاصة مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بمضاعفة الجهود للتيسير على المواطنين وتحقيق سبل الحياة الكريمة، وقال إنني أخاطب جميع الوزراء والمسؤولين في كافة المواقع إننا جميعاً في خدمة المواطن ولا مجال للتهاون في هذا، وفي هذا السياق فقد جاءت المادة السابعة والخمسون في بندها الثاني مؤكدةً أن الوزراء مسؤولين بالتضامن أمام الملك عن تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة والسياسة العامة للدولة، وفي المادة التي تليها مباشرة وهي المادة الثامنة والخمسون تم التأكيد على أن الوزراء ورؤساء المصالح المستقلة مسؤولين أمام رئيس مجلس الوزراء عن الوزارات والمصالح التي يرأسونها، وهذه أمانة عظيمة ملقاة على عواتقهم يجب استشعارها دائماً ولا عذر بعد هذا لأي مقصر خصوصاً وأن الملك قد أعطاهم الصلاحيات اللازمة وذلل لهم كل الصعاب، وأما تأكيده على القضاء على الفساد وحفظ المال العام ومحاسبة المقصرين فقد تطرق له النظام الأساسي للحكم في مادتين، فالمادة التاسعة والسبعون تؤكد على القيام بالرقابة على الإيرادات والمصروفات وعلى كافة أموال الدولة والتأكد من حسن استعمال الأموال والمحافظة عليها ورفع تقرير سنوي لرئيس مجلس الوزراء عن هذا، أما المادة الثمانون فقد أقرت التحقيق في المخالفات المالية ورفع تقرير سنوي عن ذلك لرئيس مجلس الوزراء، ومعلوم أن الدولة قامت مؤخراً بإنشاء جهاز متكامل بمسمى هيئة مكافحة الفساد لتحقيق ما ورد أعلاه.
ونظراً للظروف الخطيرة التي تحيط بنا من كل جانب فقد أكد الملك سلمان على الأمن مرة أخرى وأوضح أنه نعمة عظيمة وأنه أساس رخاء الشعوب واستقرارها، وقد أشار إلى أن المواطن السعودي أظهر استشعاراً كبيراً للمسؤولية وهذه رسالة منه غير مباشرة مفادها أن الأمن لا يتحقق من قبل السلطات المختصة فقط بل إن المواطن أيضاً يقع على عاتقه دور كبير في سبيل تحقيق هذا فالأمن مسؤولية الجميع، والنظام الأساسي للحكم بمادته الرابعة والثلاثين أشار لهذه الإشارة التي أشار إليها الملك بالقول إن على كل مواطن الدفاع عن العقيدة الإسلامية والمجتمع والوطن.
ولأن الاقتصاد شريان الحياة فقد عرّج الملك على الجانب الاقتصادي وأشار إلى أن ارتفاع أسعار البترول خلال السنوات الماضية كان له أثر إيجابي على اقتصاد الدولة من خلال المشاريع التنموية التي تحققت، والنظام الأساسي للحكم أدرج باباً كاملاً بمسمى المبادئ الاقتصادية وجاء في المادة الرابعة عشرة منه على أن الدولة تستغل الثروات وتحميها وتنميها لتحقيق مصلحة الدولة وأمنها واقتصادها، وهذا ما أشار إليه الملك في كلمته، ثم أبان أن الدولة سوف تعمل على بناء اقتصاد قوي تتوافر من خلاله فرص العمل في القطاعين العام والخاص وهذا القول يجد أساسه كذلك في النظام الأساسي للحكم بمادته الثامنة والعشرين التي أكدت أن الدولة تُيسّر مجالات العمل لكل قادر عليه وتسن الأنظمة التي تحمي العامل وصاحب العمل، ولا شك أن ملف البطالة إحدى الملفات التي تعاني منها كل الدول وهي مشكلة ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية، والمتأمل في النظام السعودي يجد أن المملكة أولت هذا الملف عناية فائقة ولا أدل على ذلك من وضع هذه المادة في النظام الأساسي للحكم الذي يعد أسمى القوانين، بمعنى أن حق العمل هو حق مكفول للمواطنين بالنظام الأساسي للحكم، وتأكيده على هذه المسألة في كلمته دلالة على اهتمامه الشخصي بهذا الملف، وقد طمأن الملك إخوانه وأبناءه المواطنين بأن انخفاض أسعار البترول حتى وإن كان له تأثير على دخل المملكة إلا أننا مستمرون بمسيرة البناء والنماء وسنسعى للحد من هذا التأثير إن شاء الله تعالى، وفي هذا السياق فإن النظام الأساسي للحكم أبان في المادة الرابعة عشرة أن جميع الثروات التي أودعها الله في باطن الأرض أو في ظاهرها أو في المياه الإقليمية أو في النطاق البري والبحري الذي يمتد إليه اختصاص الدولة وجميع موارد تلك الثروات هي ملك للدولة وفقاً لما تبينه الأنظمة.
ثم انتقل الملك إلى مجال الخدمات وابتدأها بالتأكيد على الارتقاء بالخدمات الصحية لكل المواطنين، والاعتناء بالصحة حق مكفول بموجب النظام الأساسي للحكم في أكثر من موضع ومنه انطلق في كلمته فقد جاء بالمادة السابعة والعشرين أن الدولة تكفل حق المواطن وأسرته في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة، ثم في المادة الحادية والثلاثين تم النص على أن الدولة تُعنى بالصحة العامة وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن، ولقد أدرك أهمية الرعاية الصحية للمواطنين فكانت أولى الخدمات التي ابتدأ الحديث عنها بكلمته. ولأن الإسكان هو الهم الذي يؤرق المواطنين وحرصاً منه على توفير الحياة الكريمة وإيماناً من الدولة بأهمية توثيق أواصر الأسرة وتوفير الظروف المناسبة لهم لتنمية ملكاتهم وقدراتهم بحسب المادة العاشرة من النظام الأساسي للحكم ولأن توفير السكن الملائم هو أحد الأعمدة الأساسية لتحقيق ما تقدم فقد جاء التأكيد الملكي بكلمته على أنه عازم على وضع حلول عملية عاجلة لتوفير السكن الملائم للمواطن.
أما في مجال التعليم فقد آمن الملك سلمان أن التعليم هو أساس تطور المجتمعات، وكانت أول آية نزلت من القرآن الكريم قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو معلم الأمة، ولأن التعليم محور نهضة الأمم والحضارات فقد أكد على تطوير التعليم وتعزيز أسسه بما يكفل توافق المخرجات مع سوق العمل، والتعليم من الحقوق المكفولة كذلك في النظام الأساسي للحكم ومن هنا انطلق الملك أيضاً، إذ جاءت المادة الثلاثون بقولها إن الدولة توفر التعليم وتلتزم بمكافحة الأمية، وفي المادة التاسعة والعشرين جاء النص مؤكداً على أن الدولة ترعى العلوم والآداب والثقافة وتُعنى بتشجيع البحث العلمي وتُسهم في الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية، ولم ينس أبناءه وبناته الطلاب إذ وجه لهم في كلمته رسالة سامية مفادها أن الدولة سخرت لكم كل الإمكانات لتنهلوا من العلم في أرقى الجامعات في الداخل والخارج، وقيام الدولة بتوفير هذا للطلاب والطالبات يجد أساسه كذلك في النظام الأساسي للحكم الذي جاء بمادته العاشرة أن الدولة توفر الظروف المناسبة لجميع أفرادها لتنمية ملكاتهم وقدراتهم، وهذا ما قصده الملك في كلمته، ومما يدعو للفخر في الحديث عن سياق التعليم هو ما جاء بنص المادة الثالثة عشرة من النظام الأساسي للحكم التي أكدت أن التعليم في المملكة العربية السعودية يهدف إلى غرس العقيدة الإسلامية في نفوس النشء، وهذا تأكيد على الهوية الإسلامية للدولة وتمسكها بشريعة الله.
بعد ذلك أكد على دور رجال الأعمال في التنمية والبناء وأنهم جزء من نسيج الوطن وذكّرهم بواجبهم في الإسهام بالمبادرات بأنواعها، وهذا ما أكد عليه النظام الأساسي للحكم كذلك في المادة السابعة عشرة التي نصت على أن الملكية ورأس المال والعمل مقومات أساسية في الكيان الاقتصادي والاجتماعي للمملكة وهي حقوق خاصة تؤدي وظيفة اجتماعية وفق الشريعة الإسلامية، ولا ريب أن الوفاء لهذا الوطن المعطاء يتطلب أن يعي كل رجل أعمال هذا الدور المحوري له في بناء الوطن وأن يبادر بتحقيق ما قاله الملك في كلمته.
ثم توجه بكلمته لأبنائه البواسل في قطاعات القوات العسكرية بقوله أنتم محل القلب من الجسد وأنتم حماة الوطن ودرعه وأكد على أنه بصدد تعزيز قدراتهم، وهذا ما جاءت به المادة الثالثة والثلاثون من النظام الأساسي للحكم التي أوضحت أن الدولة تُنشئ القوات المسلحة وتجهزها من أجل الدفاع عن العقيدة والحرمين الشريفين والمجتمع والوطن، والقوات المسلحة هي حصن البلاد ودرعها المتين، والاهتمام بها وتطويرها منتهى العقل وغاية الحكمة خصوصاً في ظل الظروف الصعبة التي تحيط بالمملكة، ولا شك أن الملك سلمان مدرك تماماً لذلك وهو ما دعاه للتأكيد عليه.
وفي مجال السياسة الخارجية أكد أن سياسة المملكة الخارجية ملتزمة على الدوام بتعاليم الدين الحنيف الداعية للمحبة والسلام، وهذا مبدأ أصيل ومنهج ثابت للمملكة العربية السعودية لم ولن تحيد عنه أبداً ويؤكده جميع ملوك المملكة منذ عهد المؤسس -رحمه الله- إلى عهد الملك سلمان وفقه الله، فكل تصرفات الدولة وأعمالها وقرارتها مؤطرة بالشريعة الإسلامية وهذا تحقيق للمبدأ القانوني الأصيل (مبدأ المشروعية) وقد جاءت المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم لتؤكد أن المملكة العربية السعودية دولة إسلامية ذات سيادة تامة، وعليه فكل تعاملاتها وتصرفاتها ستكون ملتزمة بتعاليم الدين الحنيف، كما أكد على أن المملكة مستمرة بالالتزام بجملة من المبادئ أهمها الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية بما في ذلك مبدأ السيادة، وتحقيقاً لمبدأ السيادة الذي جاء النص عليه بالمادة الأولى من النظام الأساسي للحكم فإن المملكة لا تقبل كذلك أي محاولة للتدخل بشؤونها الداخلية، ولم ينس الملك العربي الأصيل الهم العربي التاريخي والقضية الأزلية لكل عربي ومسلم ألا وهي قضية فلسطين التي أكد الملك على أنها في مقدمة أولوياته وسيدافع عنها في كافة المحافل الدولية وبشتى الوسائل وكل هذا يأتي في إطار المادة الخامسة والعشرين من النظام الأساسي للحكم التي تؤكد على حرص المملكة على تحقيق آمال الأمة العربية والإسلامية، ثم أكد أنه سائر إلى تحقيق التضامن العربي والإسلامي وتوحيد الصفوف لمواجهة المخاطر والتحديات المحدقة بهما، وهذا استناداً للمادة الخامسة والعشرين من النظام الأساسي للحكم التي أكدت أن الدولة تحرص على تحقيق آمال الأمة العربية والإسلامية في التضامن وتوحيد الكلمة، وعلى تقوية علاقاتها بالدول الصديقة، والثقل السياسي للمملكة ودورها الفعّال في لم الشمل العربي والإسلامي أمر لا يخفى، وجهود المملكة في رأب الصداعات وجمع الأطراف المختلفة أكثر من أن تُحصى حتى أصبحت المملكة محور العالم العربي والإسلامي والشقيقة الكبرى لتلك الدول، بل ساهمت المملكة بإنشاء عدد من الهيئات والمنظمات لتحقيق هذه الأهداف السامية كرابطة العالم الإسلامي وغيرها.
يدرك الملك التأثير الكبير للمملكة في كافة القضايا وبمختلف الأصعدة، وقد صاحب هذا الإدراك قناعة لديه أن الأمن والاستقرار في العالم مطلب ملح لتحقيق غد واعد يحقق طموحات الأجيال، لذا أكد على أن المملكة ستظل تعمل على إرساء مبدأ العدالة والسلام وحل الخلافات بالطرق السلمية بدون استخدام القوة والعنف، ولأن المملكة قبلة العالم الإسلامي ومحضن الحرمين الشريفين وينظر لها العالم على أنها تمثّل الإسلام فقد وجه بكلمته رسائل واضحة لكل من يشكك بسماحة الدين الحنيف وأوضح أن الإرهاب لا دين له، وتأكيداً لهذا أكد على استمرار الدولة بمكافحة هذه الآفة البغيضة عبر اجتثاث جذورها ومسبباتها.
ولأن المملكة جزء لا يتجزأ من هذا العالم فقد أكد على المساهمة بفاعلية في كل قضايا العالم الملحة من خلال وضع الحلول، ومن أهم تلك القضايا التي أشار إليها قضايا البيئة، والبيئة موضوع حساس وشائك وله تأثيرات على حياة المواطنين وصحتهم العامة وأمنهم الغذائي وقد أولاها الدين الحنيف اهتماماً بالغاً واتفقت كل النظم القانونية على تعزيزها ومكافحة تلوثها وتجريم تدميرها، ولم يكن النظام الأساسي للحكم عن هذا ببعيد فقد أورد ذلك في ثناياه بالمادة الثانية والثلاثين بقوله: تعمل الدولة على المحافظة على البيئة وحمايتها وتطويرها ومنع التلوث عنها.
ثم اختتم كلمته بتأكيده على شعوره بثقل الأمانة وعظم المسؤولية داعياً الله سبحانه وتعالى أن يمده بعونه وأن يوفقه لنصرة ديننا الذي هو عصمة أمرنا ومصدر عزنا، وتأكيده على شعوره بثقل الأمانة وعظم المسؤولية أمر يدعو للغبطة والفخر فالحاكم المسلم الذي يؤكد على أن المُلك أمانة ومسؤولية عظيمة ويدعو الله سبحانه أن يوفقه فلن يُرجى منه إلا كل خير وعز وتمكين لأنه وضع رضا الله وطاعته أمام عينيه ومن راقب الله وابتغى رضوانه فإن الله ناصره ولن يخيّبه، وهذه العقيدة الدينية والنبرة الإيمانية التي تزخر بها كلمات الملك سلمان في كل محفل هي دأب الملك ومنهجه وهي التربية التي ترعرع عليها منذ نشأته في كنف والده الملك المؤسس رحمه الله وهو دأب جميع ملوك الدولة أيضاً، ثم إن دعاء الملك في خاتمة كلمته بأن يوفقه الله لنصرة الدين ليست كلمة عابرة وإنما هي منهج الدولة وسياسة ملوكها وهو أساس متين ومبدأ أصيل تفردت به المملكة عبر تاريخها بكثير من الشواهد التي لا تُعد ولا تحصى، وحينما صدر النظام الأساسي للحكم فقد عزّز هذا النهج وأكد عليه ووضعه كمادة في النظام بل هي أول مادة في باب الحقوق والواجبات وهي المادة الثالثة والعشرون التي نصت على أنه يجب على الدولة أن تحمي عقيدة الإسلام وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقوم بواجب الدعوة إلى الله.
وبعد هذا العرض لكلمة الملك سلمان يثبت خادم الحرمين الشريفين للعالم أجمع أن المملكة العربية السعودية دولة شرعية قانونية، وأن سياسته في الحكم وإدارته لشؤون الدولة إنما تنطلق من دستور الدولة المتمثل في الشريعة الإسلامية الغرّاء، يليها النظام الأساسي للحكم ثم بقية الأنظمة، وإذا علمنا أن الدولة الدستورية هي التي تخضع لدستورها في جميع سياساتها وأعمالها وتصرفاتها وقراراتها وحين ممارستها للسلطة، فإننا قد رأينا بعد هذا التحليل القانوني لكلمة الملك أن المملكة العربية السعودية دولة دستورية باليقين القاطع.