اشتدت المناقشات وتعددت الآراء خلال الأيام الماضية حول أعداد العاطلين في المملكة، وطالعتنا الصحف بإحصاءات متعددة منها ما يُخيفنا من نسب البطالة ومعدلاتها المتزايدة، ومنها ما يحاول أن يعمل على بث روح الأمل في نفوسنا بأن أعداد العاطلين في تناقص، ولكن المتأمل لهذه الإحصاءات لا يجد ثمةَ تعارضًا كبيراً أو بوناً شاسعًا في التقديرات إذا ما وضعنا في الاعتبار تلك التصنيفات التي تندرج تحتها أعداد العاطلين، فمهما كان التقدير أو التصنيف فإن أقل التقديرات لأعداد العاطلين تظل شبحًا مخيفاً يتهدد أبناء الوطن، حيث تشير التقديرات الإحصائية الرسمية لمصلحة الإحصاءات العامة بأن عدد العاطلين في المملكة يصل إلى حوالي ستمائة وتسعة وعشرين ألف مواطن، وهنا نتساءل ونقول ألا يمثّل ذلك العدد الضخم واقعاً مخيفاً وخطيراً؟.
وإذا اتفقنا أن ذلك العدد يمثّل واقعاً مخيفاً فكيف يكون الحال عندما تشير وزارة العمل عن طريق برنامج «حافز» بأن عدد الباحثين -ممن تصفهم بأنهم جادّون في البحث عن العمل- قد بلغ مليوناً وتسعمائة ألف شخص، وأن نسبة البطالة وفقاً لتقديرات هذا البرنامج تصل إلى ستة وثلاثين في المائة؟ ألا يستحق هذا الواقع الخطير أن يثير كوامن الشجون حول مشكلة البطالة التي يُعاني منها شباب الوطن وفتَياته؟.. لقد أصبح أمر البطالة جدّ خطير ولا يحتمل من الجهات المسؤولة والمختصة أنصاف الحلول أو المسكنات والمهدئات، أو الوقوف عند الاختلافات حول تقديرات أعداد العاطلين لأن الأمر يتعلَّق بالوطن، وما يُمكن أن يتعرّض له من مخاطر -لا سمح الله- إنْ لم تجد البطالة ما تستحقه من اهتمام، وما هي جديرةٌ به من أدوات المواجهة الحاسمة.
فقد تزايدت أعداد العاطلين، وبصفة خاصة بين فتيات الوطن في ظلّ ما هو ملاحظ من ضعفِ في حجم الوظائف النسوية مقارنةً بوظائف الرجال؛ على الرغم مما تشير إليه وتنبّه عليه الإحصاءات بأن بطالة النساء تفوق بطالة الرجال بثلاثة أضعافٍ تقريبا؛ ومما يزيد من حدة المشكلة ويوضح لنا ضرورة المواجهة الحاسمة الناجزة أنه في الوقت الذي يبحث فيه المواطنون المتخصصون -الذين حصلُوا على الشهادات الجامعية- عن وظائف ولا يجدونها فإنهم يشاهدون انتشارَ غير المواطنين في الوظائف المتاحة؛ حيث بلغت نسبة غير السعوديين كما يقدّرها الباحثون بحوالي اثنين وأربعين في المائة، وهي نسبة مرتفعة جدًّا؛ تزيد من المعاناة النفسية لدى كلّ من يبحث عن عمل، لِما يتركه ذلك من وقعٍ أليم على نفوس المتعطلين.
وقد يقول قائل إن هذا الواقع تحكمه حاجة سوق العمل إلى تخصصات معينة مثل الطب والهندسة والصيدلة وغيرها، غير أنه من المدهش والعجيب أنه إذا كُنَّا على دِراية بذلك منذ أمدٍ بعيد، وعلى وعْي تام بحاجتنا إلى هذه التخصصات فأين كانت الخطط التي نسمع عنها بين الحين والآخر لتلبية حاجة سوق العمل من الكفاءات المتخصصة الوطنية؟ وأين تلك الجهود التنسيقية المشتركة بين وزارة العمل والخدمة المدنية وبين وزارتين ظلَّتا -على مدى عقود مضت- مسؤولتين عن تربية وتعليم وإعداد أبناء المملكة لمستقبلٍ واعدٍ مشرق لا يُعانون فيه من بطالة، لأنه سيكون مليئاً بفرص
العمل التي ستتلقفهم فور تخرجهم، في ظل ما أنفقته الدولة من دخلها ومواردها من أرقامٍ فلكية في سبيل إعدادهم وتهيئتهم للمستقبل، ومع ذلك فإن واقع البطالة المخيف يشير إلى أن التوافق المطلوب بين مخرجات التعليم في المملكة وبين متطلبات سوق العمل فيها لايزال دون الأمل المطلوب الذي يسمح بإعداد أبناء الوطن إعداداً يؤهلهم لنيل الوظائف التي تتطور فرصها وتتنوع وتتزايد عاماً بعد آخر.
ومما يضاعف من خطورة المشكلة أن نتائج الجهود لسعودة الوظائف المتاحة لم تستطع أن تضع حدّاً حاسماً للبطالة؛
ولعله من نافلة القول إن الواقع في سوق العمل لدينا يشير -وبكل أسف- إلى أن مشاركة القطاع الخاص في إيجاد الحلول الحاسمة لمشكلة البطالة لاتزال دون المستوى المطلوب لأسباب عديدة، يعرفها كل باحثٍ عن فرصة وظيفية لدى مؤسسة من مؤسسات القطاع الخاص، وتعلمُها وتُدركها أيضاً الجهات المسؤولة عن إِعداد القوى العاملة المتخصصة، ومعهم المسؤولون عن توظيف الخريجين والخريجات في مختلف التخصصات، مما يضاعف من المسؤوليات والأعباء الملقاةَ على وزارات وأجهزة الدولة لتبقى وتظل هي الأكثر مسؤوليةً عن توفير الوظائف في ظل تقاعس القطاع الخاص عن القيام بدوره الوطني الذي ينبغي أن يقوم به في هذا الميدان.
إن مشكلة وأزمة البطالة في بلادنا في حاجة إلى حلول حاسمة تضع آليات عملية ناجزة لتطبيق استراتيجية التوظيف التي وضعتها وزارة العمل لمواجهة هذه المشكلة التي لا نعرف لها نهاية حتى الآن، فنحن في أمسّ الحاجة لتوفير أعداد هائلة من الوظائف تتناسب مع أعداد الخريجين والخريجات الذين تدفع بهم المؤسسات التعليمية إلى سوق العمل في كلّ عام علاوةً على الأعداد المتراكمة منهم على مدى سنوات ماضية ولم تجد فرصة مناسبة للعمل تضع حلاًّ حاسما لمعاناتهم، حتى تفاقمت المشكلة، وأصبحت تمثل بؤرة خطر حقيقي وشبحًا مخيفًا، يمكن أن يتهدد حياة الحاصلين على مؤهلات علمية، ولم يجدوا فرصة للعمل تدرُّ عليهم دخلاً يجعلهم يفكرون في إقامة حياة أسرية سعيدة كانوا يحلمون بها أيام الدراسة، وها هي الأيام تمرّ تِلو الأيام دون أن يتحقق حلمهم أو يراودهم طيف الأمل لتحقيق أحلامهم.
إن البطالة لها آثارها المخيفة التي لا تخفى على أحد، فهي ترتبط بمصير أبناء هذا الوطن الذي يسعى أعداؤه جاهدين -بمكرهم ودهائهم- للإيقاع بضعاف النفوس ليكونوا وقوداً لمؤامراتهم الدنيئة التي تستهدف أمن الوطن وكيانه واستقراره، وهذا يتطلَّب منَا أن نجعل قضية البطالة رهن المواجهة الحاسمة في إطار رؤية متكاملة تعمل على سدّ كافة الثغرات أمام الحاقدين والحاسدين لهذا الوطن وأبنائه.
وفي إطار الرؤية المتكاملة لسدّ الثغرات تأتي أهمية معالجة البطالة في الوسط النسائي لتكون في قمة المواجهة، لخطورة تفشي البطالة في وسط الفتيات، وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية على الأسرة السعودية، فعلى الرغم من المحاولات التي قامت بها أجهزة الدولة لتخفيف المشكلة إلا أن البون لا يزال شاسعاً بين ما تحقق وبين ما يمكن تحقيقه، وبخاصة بعد أن امتلأ ميدان المعالجة بالعديد من الرؤى والمقترحات التي تداولتها الصحافة واستهدفت توفير فرص العمل في القطاع النسائي، وبخاصة في المجال التعليمي الذي يتناسب وطبيعة المرأة، إلاَّ أن مصير تلك المقترحات لا يزال مجهولًا، وأقصد منها بصفة خاصة التقاعد المبكر للمعلمات ومَن في حكمهن، وكذلك نظام العمل بنصف الوقت للمعلمات، ولا تخفى الآثار التربوية والمجتمعية لمثل هذه الحلول، إضافةً إلى فرص العمل التي سيتم توفيرها لفتيات الوطن في حال الأخذ بتلك المقترحات بما يحدُّ من مشكلة البطالة قبل أن تتفاقم آثارها السيئة على أبناء الوطن في ظل عدم استطاعة الأجهزة المختصة حتى الآن أن توجد الحلول الحاسمة لمعاناتهم.
إن أبناء هذا الوطن يتطلعون إلى القلب الحاني الكبير لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- لتمتد مكرماته وأياديه البيضاء وتوجيهاته الكريمة السديدة بالحلول الحاسمة والمواجهة الحقيقية الشاملة لمشكلة البطالة في المملكة، لتبدأ مرحلة جديدة في مواجهة هذا الخطر من أجل مصلحة الوطن والمواطن.
حفظ الله بلادنا وقيادتنا وأمننا واستقرارنا،،،
- وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام، سابقًا