هل أنا خاطئة عندما قررت أن أربط حياتي برجل كهل..؟ برغم نظرات الاستنكار والدهشة من الجميع لموافقتي المتسرعة.. كهاوٍ تسلق الجبال ليرمي بنفسه من عليائها ظنا منه بأنه سيتعلق (بالحبال) لتحميه من الارتطام على الأرض، فيبقى هائما في الهواء سابحا مع الريح.. تخذله ظنونه فيسقط هاويا متناثرا أشلاء.
قلب والدتي الغض ينعصر ألما.. شعورها القاتل بسرقة جوهرتها الثمينة كاد أن يطغي على حواسها، تمنت لو تصدر منها صرخة اعتراض وكتم لصوت ابنتها التي قررت بشكل متسرع طفولي، لكن خوفها من زوجها أخرسها ووضع الغطاء على بخار غضبها فكتمه ومنعه من التسرب ونشر رذاذه بينهم.
بينما تلوح الابتسامة على شفتي والدي الذي وضعها أمام الأمر الواقع بعدما خلل الموضوع مع أعز أصدقائه وأقربهم إلى قلبه.. أمرني بالقبول والرضا، لا يعلم أني أرسم مستقبلا حافلا لتحقيق رغباتي..
فأنا موقنة أني لن أمسك بطرف الخيط طالما إني أعيش في هذا المنزل الذي يضم أسرة متحفظة، متدينة، ملتزمة.. تمشي على صراط مستقيم لا تتعداه ولا تريد أن تبعد عنه قيد أنمله..
للذكر فيه حق في الكلمة، أما الأنثى فمسحوقة حقوقها سحقا، كغيمة سوداء حياتها تحتقن بكتل ثلج رمادية لا لون فيها ولا حياة، ترغم على هدر أمطارها في أرض جرداء خالية من البذور، كهذا الرجل الكهل الذي يفرضه علي والدي، تلك الورقة الجافة الآيلة للسقوط، التي لا حياة فيها ولا روح.
أومئ برأسي موافقة أمام الجميع في تبلد وعقلي المخدر بما ستهبه لي هذه الزيجة يرسم لي طريقا معبدا سأغدو إليه.
بعد أن أتعدى هذه الهضبة المليئة بالشوك، وأتجاوز حفرة النار التي رميت فيها شقيقاتي.. لتحترق كل آمالهن.
هناك زاوية كامنة في ذلك العقل الأنثوي الذي أتميز به، تدل عليه تلك الآية الكريمة بقدسية (إن كيدهن عظيم) تهوى نفسي الهروب من واقعي المر، أمنيها برغد العيش والحياة اليسيرة، بل الحرية والانطلاق، مكوثي بجوار هذا الرجل الكبير السن يعتبر ملجأ لي..
من خلاله سأنطلق إلى حيث أشاء وأحب وأهوى، هو المأوى وهو الكنز الدفين هو الذي سأهرب من خلاله، لأنطلق وأعوم في بحر الحياة البارد اللطيف وأنغمس في ملذات الدنيا.. سأرتقي عتبات الزمن على أكتاف هذا الرجل وسأقعد وأنزل قدمي أضرب بهم على صدره في دلال وعبث.. ستضحك لي الحياة، وبدوري سأضحك على شيبته.
- مريم الحسن