في الضحى غافل رئيسه في العمل, وانسل كاللص.. سار على رؤوس أصابعه حتى غادر بوابة المبنى الكبير, وحين بلغ سيارته انقذف خلف المقود على عجل، وسار حتى بلغ كشكا صغيرا نابتا على ضفاف الطريق.
ابتاع قدحا من القهوة المرة، ثم تقاذفته الطرقات حتى استوى واقفا على شاطئ البحر الذي بدا مقفرا من صخبه المعتاد.. أفرغ في جوفه آخر جرعة من قهوته.. مسح الشاطئ بنظرات طويلة متأملة.
ارتطمت موجة بأحجار الشاطئ.. تناثر الرذاذ أشلاء بلور لامعة.. وعاد يستذكر حجارته الجاثمة بين فكيه.. قذف بكثير منها فوق رمل الشاطئ حين شعر أنها بالغة القسوة.. ثم أعاد ترتيب البقية في ذهنه ليدمي بها غرورها حين يلتقيان.
(2) عطر المكان
أدار المفتاح في ثقب الباب.. ركل الباب حتى ارتطم بطرف الجدار.. عبر الممر الضيق مندفعا حتى بلغ الصالة الواسعة.. وحين لم يجدها.. ارتقى السلالم قفزا حتى وصل إلى غرفته. شاهد خيوطا من دخان تنسل من باب الغرفة.. وقف بالباب صامتا.. وفي ركن الغرفة كانت واقفة ترشق السرير بالعطر.. وتنثر البخور ليهنأ بقيلولة معطرة.. وحين رأته واقفا تبسمت كصبح ندي.. ارتعش..
غامت عيناه.. وانسابت فوق خديه جداول صغيرة جرفت معها كل الحجارة.. وانطفأت بها كل الحرائق.. وفاح في المكان دخان كثيف له رائحة عود فاتن.
- محمد سعيد الراشدي