المؤلف: محمد الدعمي
الناشر: مؤسسة شمس؛ القاهرة؛2014
من مقدمة المؤلف: «لم يكن غرضي من تأليف هذه الدراسة مجرد التعريف بثلاثة من أديان الأقليات الثانوية المغمورة الموجودة في إقليم الشرق الأوسط بشيء من التفصيل، بقدر ما كان هذا جزءًا من جهد لإلقاء الضوء على بقايا راسبة من أنظمة دينية وعبادات غائرة في القِدم؛ بل ومنسية نسبيًا؛ كانت قد اعتنقتها أقوام وسلالات لم تترك الكثير من الشواخص للأجيال التالية سوى بقايا من معتقدات روحية وطقوس لم تزل حيَّة اليوم، ليس كأجزاء من الأديان الأصلية كما كانت معتنقة في قديم الأزمنة، ولكن كأجزاء ضُمت لعدد من الأديان «التوفيقية» أو التركيبية من النوع الذي سيتم بحثه عبر الفصول القادمة.
ليس بهدف الوصف المجرَّد فقط، ولكن كذلك بهدف إلقاء الضوء على دلالاتها بالنسبة لقضايا اجتماعية وسياسية معاصرة ترتبط بأزمات الشرق الأوسط الذي، للأسف، يغرقه العنف الطائفي والضغائن الدينية، حارمة شعوبه من إيجاد موطئ قدم لها في مسيرة ركب التقدم إلى أمام على نحوٍ موازٍ للتقدم الذي تحرزه شعوب العالم الأخرى. تبدو الصراعات الداخلية في هذا الإقليم الملتهب؛ خاصة الدينية والطائفية منها؛ كأنها تتناسل وتتوالد على نحو تسلسلي وتراكمي بلا نهاية منظورة، عاكسة عبر تفاعلاتها وآثارها المأساوية نمطًا توسعيًا من النمو والتشعب المطرد عبر الإقليم اليوم.
إن المعيار الأساس الذي اعتمدتُه لانتقاء ديانات (أهل الحق والمندائية واليزيدية) إنما هو - بغض النظر عن احتوائها على عناصر تعود إلى الديانات الرئيسة؛ الإسلام والمسيحية واليهودية أنها أديان لا تقبل التصنيف في سلال عامة رئيسة، فالأخيرة هي أديان تم حسمها في التوحيدية والسامية. هنا لا نتعامل مع طوائف ولا مع تشعبات منبعثة من الديانات الرئيسة؛ لأن ما يعقد موضوع التصنيف أنها تجمع عناصر من مختلف الديانات التاريخية القديمة؛ الأمر الذي يفاقم من صعوبة حل معضلة الأصول والتصنيف.
بينما تتماهى أديان الأغلبيات السُكَّانية من خلال إحالة عقيدة التوحيد إليها، فإن أهل الحق والمندائيين واليزيديين إنما يتشبثون بذات العقيدة، ولكن من منظورات أخرى، منها منظورات قد تبدو للآخرين مقلوبة رأسًا على عقب، منظورات تتطلب المباشرة من زاوية أخرى، زاوية تتناغم مع رؤى مختلفة وفلسفات كونية.
ولكن على الرغم من أن خطة هذا البحث لا تهدف إلى بحث جميع هذه الديانات فإنها تضطر لأن تقسِّمها، تأسيسًا على أصولها، على صنفين:
1- الأديان التي لا صلة لها ولم تتأثر بالأديان الرئيسة الثلاثة، أي اليهودية والمسيحية والإسلام، وهي الأديان التي نسلِّط الضوء عليها في هذا البحث، مثل أديان أهل الحق والمندائيين واليزيديين.
2- الأديان التي تفرعت عن الأديان الرئيسة الثلاثة، أو حملت آثارها، كأديان الدروز والبابية والبهائية والأزلية وشهود يهودا والسامريين، من بين سواها من التقاليد الروحية.