لقد سررت كثيراً عندما وجهت الدعوة لي للمشاركة في تكريم الدكتور راشد بن عبدالعزيز المبارك عبر صفحات (الثقافية) بجريدة الجزيرة.
ويعود مبعث سروري واغتباطي بهذه الدعوة إلى يقيني التام بكفاءة هذا العالم الفذ واقتداره وأهليته بهذا التكريم الذي سيشارك فيه محبوه ومريدوه من أرباب الفكر والثقافة والعلم وصناع الكلمة وعشاق القلم ومحترفي المعرفة. كما يكمن سروري في امتناني العظيم للثقافية التي أتاحت لي، مشكورة، هذه الفرصة الثمينة للتعبير عن حبي وتقديري الكبيرين للدكتور راشد المبارك، وتشرفي بكتابة هذه الأسطر المتواضعة عما أعرفه عن شخصيته الفاضلة المعطاءة الرحبة النفس الطيبة القلب التي عهدتها دائماً ذات وفاء وكرم ونخوة وانتماء. ولا غرابة في ذلك، فالدكتور راشد هو سليل أسرة آل المبارك التي شهدت لها أقلام العدول من المؤرخين وكتاب السير والمفكرين بالعلم والفضل والمجد والحسب والنسب وذيوع الصيت. فهي أسرة كريمة من أسر واحة الأحساء التي اشتغلت لعدة قرون بعلوم الشرع واللغة والشعر والأدب وورثتها أجيالها أباً عن جد. ولا شك أن الدكتور راشد المبارك هو أحد ورثة مجد هذه الأسرة وعلمها وأدبها وصيتها.
إن كل من يعرف الدكتور راشد المبارك يتفق معي على أنه صاحب شخصية صادقة تظهر ما تضمر ولا تخاف في ربها لومة لائم ولا تنافق ولا ترائي بل ولم تتطرق إليها أساليب المجاملات الرخيصة الممجوجة. فهو كما هو دائماً قمة في خلقه واستقامته، وفكره الراجح المستنير، وحكمته الصائبة، وسريرته الصادقة، وتواضعه الجم، وعمله المخلص الدؤوب، وعطائه الدافق المدروس. فهو يحب الناس ويحبونه، ويألفهم ويألفونه، ويأنسون مجالسه، ويطربون لأطروحاته العلمية والفكرية المتميزة المتعمقة الأصيلة. لقد أسكن الدكتور راشد المبارك كل من عرفهم سويداء قلبه الكبير، وسكن هو أيضاً في قلوبهم، وتربع على عروش وجدانهم، وترسخ في عقولهم إنساناً باراً وفياً نزيهاً جاداً موضوعياً رحب الصدر شفاف النفس عالماً وأديباً وشاعراً مجيداً، وصاحب رؤية ناضجة، وفلسفة واقعية تحمل منظوراً ثاقباً عن الحياة والكون. ولا شك أن هذا المنظور قد أثر في طبيعة شخصية الدكتور راشد المبارك الذي أخذ على نفسه عهداً أن يتجرد من الذات، وأن يرتقي فوق المنافع الشخصية، وأن يعيش لغيره، وأن يمنح قلبه للناس كل الناس، وأن يؤثرهم على نفسه. ووفاءً منه لهذا العهد تجده لا يترك صديقاً إلا يبره ويسأل عنه ويتودد إليه، ولا مريضاً إلا يعوده ويواسيه، ولا مكروباً إلا يعينه على نوائب الدهر. فما طرق أحد باب الدكتور راشد المبارك إلا ونال حاجته، وعاد من حيث أتى معززاً مكرماً غير خائب أو محزون. إضافة إلى ذلك فهو يتألم لألم المظلومين والفقراء والبؤساء والمسحوقين، ولا يرتاح له بال إلا بعد رفع الظلم والبؤس عنهم.
كما تؤرقه وتقض مضاجعه قضايا أمته العربية والإسلامية، فيحترق كمداً لما تعانيه من مشكلات، وتسلط أعدائها عليها، واستبدادهم بمقدراتها، فلا تهدأ له نفس، ولا تنام له عين إلا بعد أن تتجاوز أمته محنتها. فهو لا يقف من قضايا أمته، كما يفعل البعض، موقف المتفرج إذا ادلهمت الأمور، بل يسرع بكل عزيمة واقتدار في حل معاناتها بقلمه وماله وجهده وصلاته التي سجلها له التاريخ التي من الصعب أن تحصى أو تعد في مقالة بهذا الحجم والغرض. ولا شك أن توسطه لرأب الصدع بين بعض دول المنطقة خير شاهد على ذلك وعلامة بارزة في مسار حياة سيرته الناصعة.
إن الدكتور راشد المبارك هو صاحب خبرة أكاديمية وإدارية جزلة، فقد كان عميداً لكلية الدراسات العليا بجامعة الملك سعود، وعضو مجلس تلك الجامعة، وعضو مجلسها الأعلى. كما رأس عدداً من اللجان داخل الجامعة وخارجها، واشترك في عضوية العديد من المجالس العليا في هذه البلاد ومنها عضويته في المجلس الأعلى للإعلام، وفي لجنة حقوق الإنسان الوطنية وغيرها من المجالس أو اللجان. كما شارك الدكتور المبارك في العديد من المؤتمرات العلمية المحلية والإقليمية والعالمية، وألقى فيها عدداً من المحاضرات القيمة المتخصصة. كما حفلت به نوادي الوطن الأدبية وصالوناتها الثقافية، وحظيت بأطروحاته قاعات الدرس والتعليم في الجامعات المحلية والعالمية. وتعد مؤلفات الدكتور المبارك أطراً مرجعية يعتز بها الدارسون الذين ينشدون منهجها الصارم السديد، وجديتها في الطرح، وأصالة منشئها ومبتغاها. ولا شك أن كتابه ( هذا الكون: ماذا نعرف عنه) يعتبر سفراً علمياً رائعاً ومثالاً لما أشرت إليه آنفاً، فهو كتاب عرض فيه الدكتور راشد وناقش عدداً من قضايا علوم الطبيعة والكون وفق أسلوبه العلمي الدقيق، ولغته العربية الناضجة، التي يفاخر بها اللغات ويتصدى لمن ينتهكها أو يقلل من شأنها، لهذا كان الكتاب ولا يز ال مرجعاً للقاصي والداني في علوم الكون، ومدرسة تعكس منظوراً فريداً في التأليف العربي،.وإضافة رائعة للمكتبة العربية في هذا المجال. ولا شك أن قلم الدكتور راشد المبارك البليغ، وتخصصه العلمي الدقيق في كيمياء الكم وميكانيكياتها المتنوعة، وخلفيته الرصينة الراسخة في أعماق علم الكون وفلسفته، وثقافته الموسوعية، قد أعطى كتاب (هذا الكون) التميز العلمي الذي يعد سمة لما يكتبه الدكتور راشد وديدن مساره العلمي الفكري المرموق. وقد نجح كاتب هذا المؤلف في رأب الصدع بين العلم المتخصص الدقيق الذي يهابه الناس، والثقافة العلمية العامة التي يعاني البنيان الفكري لأمتنا من نقص حاد فيها. فجاء الرأب في الكتاب مسدداً هذا النقص، وشاملاً في إحاطته، وعميقاً في أسلوب عرضه ومحتواه، وكاشفاً للغوامض في أمور لا يمكن كشفها بمثل هذه الإحاطة والدقة التي وردت في الكتاب إلا من قبل قامة علمية كقامة الدكتور راشد المبارك. كما أن خلفية الدكتور راشد المبارك الفلسفية المتعمقة، وشاعريته المتألقة، ومشاعره الإنسانية والوجدانية الكريمة، قد أكسبت هذا الكتاب ألق الأديب، وأدب الألق، وتأمل افيلسوف العالم، ووجدان الإنسان الشاعر المحب. كما نجح المؤلف في هذا الكتاب من توضيح ما أحدثته القضايا العلمية في حياة الناس، وطرق تفكيرهم، ومسار نموهم الفكري من ناحية، وتبيان مدى تأثر المفكرين بقوانين علم الطبيعة، وتوظيفها في تفسير قضايا المجتمع والسياسة والاقتصاد من ناحية أخرى.
وإنني أتفق مع ما ذكره الدكتور المبارك في كتابه (هذا الكون) من أن «مدارك البشر ومعارفهم هي مقربات الرؤية الكاشفة لأبعاد هذا الكون، وأن مجال الرؤية يتسع بهذه المقربات بقدر اتساع المعارف ونضج المدارك». وأعتقد أن اقتران الخيال بالفكر، والتذكر بالتصور، هو الزاد الحقيقي لمن أراد أن يستمتع بتجليات الكون المتوهجة، ودقائقه المتخصصة التي عرضت معانيها في هذا الكتاب ومفاهيمها دونما إخلال بدقتها، أو مساومة بصحتها. ولم يكن، أخي القارئ، هذا الكتاب هو الوحيد الذي يحمل مدرسة الدكتور راشد المبارك وفكره، وإنما هناك عدد آخر من المؤلفات التي لا تقل جودةً وإتقاناً عن كتاب (هذا الكون). ولعل كتابه الموسوم (قراءة في دفاتر مهجورة) وكتابه (فلسفة الكراهية: دعوة إلى المحبة) وكتابه النقدي لشعر (نزار قباني) خير شاهد على ما تحمله هذه المؤلفات من رؤى غنية وثرية ولا ننسى أن نضمن هذا المقال ديوان الدكتور راشد المبارك الموسوم (رسالة إلى ولادة) الذي يعد نمطاً متفرداً من أنماط الوجد والحب والعشق. ولا شك أن هذا الديوان رحلة في أعماق الدكتور راشد المبارك يدغدغ فيها عواطف قرائه، ويسحرهم بلغة الهوى، ويحلق بهم ليحط بهم الرحال في مكامن كشف الغطاء عن شفرات رموز شعره الذي مزجه بهواء الشام، ورحيق جنانه، وغصن كرمه النضير، وغديره النمير الذي مات في غيمة ضمنها الشاعر بيتاً من أبيات إحدى قصائد هذا الديوان الرائع.
وبعد كل ذلك لم يحرم الدكتور راشد المبارك رواد الثقافة السيارة من كتاباته عن قضايا أمته، مشاركاً إياهم فكره، ومهدياً قراءه أنفس أكاليل عطائه. فما كتبه في الصحف المحلية والإقليمية وبعض صحف العالم ما هي إلا دعوة للارتقاء بأمته، والإفصاح عما يفرحه أو يحزنه فيها، وعرض لوجهات نظره الجريئة في قضاياه الشائكة والشائقة، وتعبير عن رؤياه السديدة لحل أزماتها. إن ما كتبه الدكتور المبارك في الصحف السيارة هي، في رأيي، حافز للأمة على منافسة العالم المتقدم في مجال العلم، والفكر، والثقافة، والابتكار، والإبداع، والتأصيل، وتنمية الإنسان، وترسيخ مفاهيمه الصحيحة عن الحياة والكون، ومأسسة سبل تطوير الموارد البشرية، وتعزيز آفاق التفكير السليم، ونشر أبعاد الثقافة العلمية الناضجة.
إن الهم الكبير الذي يحمله الدكتور راشد المبارك، وينعكس على ما يكتبه أو يتحدث عنه، يجب أن يكون عزيزي القارئ، هو همك، وهمي أيضاً، بل وهم جميع المهتمين بالعلم والفكر بشكل عام والثقافة العلمية بشكل خاص. فمن البدهي أن تنحو الثقافة العلمية في عصر تقنيات الفضاء وغزوه، وطفرة المعلومات وثورتها، وتطور الفكر وعولمته، منحى علمياً تلتزم فيه هذه الثقافة بحالات وقواعد الضبط المنهجي من حيث رصد الحقائق، وتصنيفها، وتبويبها، وتحليلها، وتفسيرها، وتأطير أسئلتها الملحة، وتنميط مسارات تلاحقها الثقافي. ونتيجة لكون الثقافة العلمية في بعض البلاد العربية تقع خارج هذا السياق، نجدها تعاني هوة سحيقة في مجال العلاقة بين حالات وقواعد الضبط المنهجي وأسس التأطير لواقع أسئلة الثقافة العلمية الملحة من ناحية، وأنماط تلاقحها الثقافي والتخطيط الشامل لعناصرها من ناحية أخرى. فيطغى على مسار الثقافة العلمية في بلادنا ثقافة الصورة، وثقافة الصحيفة اليومية وهي ثقافة ذات طبيعة وقتية شبيهة بطبيعة الأوعية السيارة التي يزول تأثيرها على مسار الفكر واتجاهات الثقافة بمجرد زوال أسباب نشأة القضية الثقافية التي تحملها صفحاتها. وأعني بذلك صفحات بعض ا لجرائد والمجلات التي تحمل مضامين ثقافية خدجاً عجلى يمحوها الزمان حالما يتم نشرها.
والمؤسف حقاً أن الثقافة السيارة ثقافة تركز بشكل أساس على الأدب، والشعر، والنثر والتيارات النقدية، وتغيب ثقافة العالم التجريبي، والطبيب، والمهندس، والمخطط، والجغرافي، والمؤرخ، والآثاري، والمبتكر، المبدع، وتحجب عن قصد, وعن غير قصد ثقافة الكهرومغناطيسيات وآلية الكم، والمعجلات النووية، وثورة النظم والتقنيات، وطفرة المعلومات، وهندسة المورثات، ورسم خرائط الجينات، واستشعار العالم عن بعد، وحوسبة بياناته الجغرافية. كما تغيب الصحف ثقافة الإلكترونات، وثقافة أنوية الذرات، وما يقترن بها من الهادرونات، والأوتار الدقيقة لكواركات هذه الذرات التي تعتبر جميعها قضايا ساخنة للتنظير العلمي المعاصر والتطبيقات الحديثة. وأخص بذلك الجهد المبذول اليوم للوصول إلى نظرية الحقل الموحد في الفيزياء التي من المؤمل أن تربط قوى الكون المختلفة، وتشرح طبيعة المكون الوتري الدقيق لهذا الكون خلال المراحل التي سبقت انفجاره العظيم. إن الثقافة العلمية إذاً هي عزيزي القارئ مطلب وطني يجب أن يستوطن الأرض، ويتربع على عروش قلوب قاطنيها، ليكسبهم العزة، والتمكين، والمجد، والاعتزاز، بمنجزهم البشري المثاقفي. ويعد الدكتور راشد المبارك، أخي القارئ، من العلماء القلائل على مستوى عالمنا العربي الذين ينافحون من أجل مأسسة هذه الثقافة العلمية، وذيوعها في الأوساط العامة، وتعزيز وجودها الفكري على مستوى التجربة والوجدان. فهاجس المنظومة العلمية والفكرية لدى الدكتور راشد المبارك، هو هذا البعد الثقافي المغيب الذي أشرت إليه آنفاً. فجمعه بين العلم والأدب، وتوفيقه بين الفكر والثقافة، ومزاوجته بين القدرات الحوارية الفائقة التي يملكها وطرق التحاجج الموضوعي المتزن الذي يمسك بزمامه عوامل تجعل منه الشخصية المناسبة لمساعدة الأمة على تجاوز أزمة ثقافتها العلمية. كما يساعد على ذلك حضوره المميز والمتميز على كافة الأصعدة، فهو لم يكن في يوم من الأيام منعزلاً أو منزوياً عن الناس، والمجتمع، والعالم، بل هو كما هو دائماً مع الناس يسمعهم ما عنده، ويسمع ما عندهم، ويحاورهم، ويناقشهم، بتواضع المصلح، وحزم العالم المتمكن القدير، وروح الأب للصغير، والصديق للكبير. ومن هنا انبثقت فكرة ندوته الموسومة (ندوة الأحد) التي يستضيفها الدكتور راشد أسبوعياً منذ ربع قرن من الزمان. وهي ندوة ذاع صيتها في الأصقاع حتى أصبحت علامة بارزة على دروب العلم، والفكر، والثقافة محلاً وخارجياً. فهي بكل أمانة جامعة مفتوحة للعلم الشرعي، والأدب، والطب، والعلوم، والاجتماع، والسياسة، والإعلام، والاقتصاد، والفن، والهندسة، وعلوم الكون، وتقنيات الفضاء، والفلسفة، والتنظير، وقضايا العالم المعاصر بتياراته وقضاياه وأطيافه المتنوعة. كما أنها مركز للتدريب على الحوار البناء، واستيعاب الآخر، ومقارعة الحجة بالحجة، وترسيخ منهج الاختلاف وآداب الخلاف بالحكمة، والموعظة الحسنة، وبالأنسب من منطق الاحتجاج، وفلسفة البيان. ويعود السبب في بلوغ الندوة هذه المكانة المرموقة إلى مضيفها وعميدها الدكتور راشد المبارك الذي أعطاها، نتيجة للجهد الذي يبذله من أجلها، وحضوره المتميز فيها، ألقاً خاصاً، ونكهة فريدة، وسياسة قوامها نبذ الخلاف، والتوفيق بين حالات الاختلاف ما أمكن، أو إبقائه في إطار تنوعه وتضييق الخناق على أطر تضاده. ولذلك حافظت هذه الندوة على روحها، وارتقت بروادها من المحلية إلى العالمية عبر الزمن، وحققت أهدافها التي من أهمها: نشر الوعي الثقافي والفكري والعلمي، وتقديم المعرفة في وعاء رقراق المعين وشائق الأسلوب، ومد الجسور بين العلوم الشرعية والطبيعية والإنسانية، وتبادل الخبرات بين أصحاب هذه العلوم، وتقريب وجهات النظر بين ما تباين من الأفهام واختلف من المشارب والمقاصد والغايات، ومأسستها للحوار وتقبل النقد والرأي الآخر. ونظراً لأهمية هذه الندوة يرتادها مختلف أطياف المجتمع من الأمراء والأعيان والوجهاء والمثقفين والعلماء والمفكرين والمشايخ وطلبة العلم من داخل البلاد وخارجها. كما اهتمت بها بعض القنوات العربية المرموقة التي أخذت على عاتقها تسجيل بعض فعالياتها، وبثها ليراها كل مهتم بالفكر والعلم والثقافة في مختلف أصقاع الدنيا. وتضم الندوة مكتبة غنية بالأشرطة التي تحوي آلاف الساعات من المحاضرات والحوارات القيمة التي من المؤمل أن تجد طريقها إلى النور بإذن الله عبر الوسائط الإلكترونية المختلفة، ووسائل النشر التقليدية، ومواقع الإنترنت ووصلاتها المتنوعة. ولعله من المفيد أن تحظى الندوة بموقع إلكتروني خاص بها حتى يتمكن المهتمون عبر خطوط هواتفهم من متابعة فعالياتها حية، وعميدها الدكتور راشد المبارك، وروادها الأجلاء عدد من الشعراء، وكتبت فيها القصائد التي تعد، في رأيي، من عيون الشعر العربي الحديث في المديح والثناء.
ومن أمثلة هذه القصائد وهي كثيرة، قصيدة بعنوان (فاجمعي الأمر) للشاعر المجيد الموهوب، والصديق الفاضل، والزميل القدير، حيدر الغدير التي يقول فيها في ديوانه الموسوم (من يطفئ الشمس) واصفاً حسن هذه الندوة.
لأنك الحسن في فضل وفي غيد
وأنك النبل في عز وفي رغد
أدمنت عشقك في حلي ومرتحلي
يا حلوة الملتقى يا (ندوة الأحد)
يداك تمتد تدعوني تعانقني
شوقاً فتسبقها نحو العناق يدي
ويتابع الدكتور الغدير هذه القصيدة التي أجتزئ منها ما جاء في حق عميدها الدكتور راشد المبارك ما يلي من أبيات:
ونبل راشدها وهو الحفي بها
يقتادها نحو آفاق من الرشد
سما بها فسمت وانهل صيبها
أصفى من المزن في نيسان والبرد
كأنها وهو يوليها عوارفه
سرادق بالمروءات الكبار ند
كما وصف الدكتور الغدير حال الندوة حين تتعقد، وحال ضيوفها أو روادها الأجلاء فقال في بعض أبيات هذه القصيدة التي اخترت منها ما يلي:
المنتدوها نجوم زانهن حجى
وزانهن جلال النبل والصيد
فإن أردت الهدى فيهم ظفرت به
وإن أردت الأذى والإثم لم تجد
ينفض سامرهم والشوق يملكهم
ويومئ اليوم مثل الأمس نحو غد
يأتونها في خطى عجلى فإن ذهبوا
ساروا إلى دورهم في خطو متئد
عزيزي القارئ إن رحلتي معكم في أعماق الدكتور راشد المبارك، وندوته الفاضلة هي غيض من فيض وإن ما ذكرته في هذا المقال ما هو إلا جهد المقل وعذري فيه أن ما لا يؤخذ كله لا يترك جله. وأملي أن تكونوا قد استمتعتم بالرحلة معي في أعماق الدكتور راشد المبارك الذي مذ عرفته أكثر من ربع قرن وهو لم تغيره السنون وتقلبات الزمان ومباهج السمعة التي يحتلها محلياً وإقليمياً وعالمياً. فهو ظل كما عرفته مذ أن لقيته أول مرة إنساناً كريماً، وعالماً متميزاً من الطراز الأول، وأستاذاً جامعياً بارعاً ملك وجدان طلابه وقلوب زملائه، واستحوذ على عقولهم وأقلامهم التي ستظل تشهد له بالفضل والإحسان. إن الذكريات الطيبة التي أحملها للدكتور راشد المبارك التي يتردد صداها في جنبات الأماكن التي جمعتني مسيرة الزمان فيها به بتوفيق وتقدير من الله، وإنسانيته الفذة المفطورة على حب العلم والخير والإيثار والكرم والود والوفاء والنخوة والإباء هي الزاد لعلاقتي به وقربي منه وازدياد محبتي وإكباري وتقديري له في الماضي والحاضر والمستقبل. وفق الله الدكتور راشد المبارك لكل خير، وأدام عزه ومده بالصحة والعافية، وأطال في عمره، وأقر أعيننا وأعين أسرته وأبنائه به، وأقر عينيه بنا وبهم أجمعين، ووسع رزقه، وأثابه خير الثواب، وجعله ذخراً، وزاده قوةً وتمكيناً، ونفع به وبعلمه الإسلام والمسلمين، إن الله على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
د. يحيى بن محمد شيخ أبو الخير - أستاذ الجيوموفولوجيا والأساليب الكمية قسم الجغرافيا