عُرفت الحِلاقة في الأزمنة القديمة على أنها لقص شعر الرأس، وتخفيف شعر الشارب، وتهذيب شعر الذقن؛ فالذي عاش أزمنة آبائنا، وأجدادنا شاهد حلاَّقيهم وهم يُمارسون الحِلاقة في حوانيت بُنيت من الحجر، والطين، وسُقِفت من خشب الأثل، وعسبان النخل في الأزقة التي يكثر فيها المتسوّقون.. وفيه حلاَّقون يحملون شنطهم على رؤوسهم، أو ظهورهم، أو أكتافهم؛ وهي تحتوي على أدوات الحِلاقة التي من أكثرها استخداماً: المقصات، والأمواس، والمكائن، والمرايا، والفرش، والكولونيا، والفوط، والصابون، والقطن.. وأكثر قصّات شبابهم: التواليت، والقذلة، والخنافس.
كما أن أعمال الحلاّقين في الحوانيت، والشنط لا تقتصر على الحِلاقة، إذ يُوجد حجّامون يعرضون أدوات حجاماتهم التي من أكثرها استخداماً: المحاجم، والأمواس، والأوعية؛ وهي وضع المحاجم خلف الرأس، والرقبة، والظهر، ومن ثم تشطيب أماكنها بأمواسٍ؛ لإزالة الدم الفاسد.. وختّانون؛ لتختين الأطفال بوضع الطفل على كرسي من الخشب، وإدخال فِلقة ذكره في فتحة حلقة حديد؛ لإزالة الفِلقة بموس، ومن ثم ربط طرف العضو الذكري بقطعة قماش... وخلاَّعو أضراس بخيط قماش، أو مقلاع حديد، أو أصابع اليد، وبعد خلعها يضعون مسحوق القرنفل، وقطعة قطن؛ لإيقاف نزيف الدم، وتخفيف آلام خلعه إلى أن حدثت نقلة في بلادنا أكثر تطوراً في الحِلاقة، حيث اقتصرت أعمال الحلاَّقين على حِلاقة الرأس، وتخفيف الشارب، وتهذيب الذقن، وتحوّلت الحِجامة، والختانة، وخلع الأضراس إلى المستشفيات، والمستوصفات، والمراكز المتخصصة.
وحَرِص الحلاَّقون على تطوير محلات حلاقتهم في شوارع المدن، والمحافظات، والمراكز على أن تكون صالونات ذات أبواب، وأرضيات، وحيطان فخمة؛ لإغراء الزبائن من الشباب على الدخول إليها مع الذين ينتظرون دورهم؛ لأخذ أماكنهم على كرسي الحلاقة الأوتوماتيكي الذي أحاطت به المرايا؛ لمشاهدة وجوههم، ورؤوسهم، ورقابهم، ووضِع على أرففها العليا معقمات تعقيم الأدوات، وكريمات تنعيم الوجه، وأصباغ تلوين الشعر.. وفي الأرفف السفلى مقصات تقصير شعر الرأس، وتخفيف شعر الشارب، وتهذيب شعر الذقن.. وفي الأرفف الجانبيَّة فرشات تنظيف، وأمشاط تسريح، وملاقِط إزالة الشعر.. وغيرها من أدوات الحلاقة التي تنوّعت مُسمياتها، وتعدّدت استخداماتها، وكثرت ماركاتها.. وحَرِص الحلاَّقون على وجودها في أرفف صوالينهم في استخدامها في رؤوس، وشوارب، وأذقان زبائنهم وهم في استرخاء على كراسي وثيرة؛ لإجراء آخر صرخة من صرخات موضة الشعر التي عليها إقبال من شبابنا الذين يدفعون أموالاً باهظة لأيديها الوافدة التي تُرهق جيوب آبائهم؛ لكي يظهروا أمام أقرانهم آخر مُوضات العصر في قصات، وتهذيبات، وتخفيفات الشعر.
هذا، وخدعتهم مظاهر ديكورات بعض صالونات الحِلاقة، وكثرة أدواتها، وتنوّع ماركاتها، وتعدّد مُعقماتها التي أضرارها أكثر من فوائدها؛ فالمكائن، والمقصات، والملاقط تُستخدم من زبون لآخر.. والكريمات، والمعقمات، والمقصات، والأصباغ غير معروفة الصنع.. وأيدي، وأفواه، وأُنوف الحلاقين لا تقل خطورة من أدواتهم التي ينقصها القضاء على الميكروبات العالقة بها، حيث يستخدمون الكولونيا، والنار، والصابون وغيرها من معقمات لا تقضي على وجودها في أدواتهم، وتُحدث أمراضاً معدية تنتقل من دم الجروح بوقته من الرأس، والوجه، والرقبة.
كما أن أنوف، وأفواه، وأيدي الحلاَّقين لا تقل أضراراً من نقل الأمراض من رذاذ عطاس، وأبخرة أنفاس، ومُلامسة أيدي الحلاقين وزبائنهم المصابين؛ فالنار، والكولونيا، والصابون لا تقضي على الميكروبات العالقة في الأدوات، إذ تحتاج لأجهزة تعقيم أشعة «فوق البفنسجيَّة» التي تُعد من أفضل وسائل التعقيم التي يحرص على وجودها، واستخدامها الحلاَّقون الملتزمون بوسائل سلامة زبائنهم من العدوى، وهي لا تُوجد إلاَّ في صوالين قِلّة أكثرهم لا يلتزمون بمدة بقاء آلاتهم داخلها؛ لتقضي أشعتها على الميكروبات العالقة بها.
لذا نأمل من المسؤولين في أمانات، وبلديات المدن، والمحافظات، والمراكز إلزام أصحاب صالونات الحِلاقة على إبراز لافتات عروض أسعارهم داخل صالوناتهم؛ لإطلاع زبائنهم عليها، وعدم استخدام المُعقمات الرديئة التي لا تقضي على الميكروبات العالقة في أدواتهم من المريض إلى السليم، واستخدام أدوات تعقيم أكثر تطوّراً، وأماناً إذا حسُن استخدامها وهي صناديق أجهزة تعقيم أشعة فوق بنفسجيَّة، واستخدام قفازات أيدٍ، وكمامات أفواه وأنوف، وأغطية رؤوس، والأفضل لزبائن صالونات الحلاقة أن يحضروا شنطاً تحتوي على الأدوات، والمطهرات، والكريمات، والأدوات الخاصة بهم، وهذا يُساعد على عدم نقل الأمراض المعدية إليهم من الآخرين.. فالحلاَّقون وأدواتهم لا يقلّون أهميَّة من أطباء، وأدوات الجِراحة في غرف العمليات في المستشفيات.
بريدة - نادي القصيم الأدبي