التأمل هو: تدقيق النظر في الكائنات بغرض الاتعاظ، والتذكر يكون في خلق الله ومخلوقاته، كما أن التأمل في كتابه مطلوب بل هو واجب يقول الإمام ابن القيم: أما التأمل في القرآن فهو تحديق ناظر القلب إلى معانيه وجمع الفكر على تدبره وتعقله فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن وإطالة التأمل فيه وجمع الفكر على معاني آياته،كما قال سبحانه
{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (29 سورة ص)، {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (30 سورة الأنبياء).
كما أمرنا أن نتأمل نبات الأرض في قوله سبحانه {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} (27 سورة السجدة)
ونحن اليوم أوسع بصرا وأبعد نظرا أي حسياً حيث وجدت القنوات الفضائية التي من خلالها ننظر إلى مخلوقات الله في الأقطار المعمورة فهل تأملنا أو تدبرنا؟! وكما أن الله قد أمرنا في تأمل السموات والأرض ونباتها فقد أمرنا أن نتأمل في هلاك الأمم الغابرة السابقة في قوله سبحانه {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ } (26 سورة السجدة) ونحن في عصر ذهبت فيه أمم وخلفهم آخرون، وهلك أناس وأتى بعدهم آخرون أُسقطت دول وحصلت حروب وفتن نسمع ونرى في الشبكة العنكبوتية أو القنوات الفضائية، فهل تأملنا في تلك الأمم كيف كان مصيرها؟! كانوا في أمن واستقرار ورغد عيش، وهاهم اليوم في محنة وكرب منهم من فاضت روحه ومنهم من غادر وطنه, كما أمرنا أن نتأمل في أصل خلقنا في خلق الإنسان هل تفكرنا عن نشأتنا الأولى وكيف خلق أبونا آدم وكيف كانت منه حواء؟!ثم هل تفكرت في أصلك عندما كنت نطفة ثم علقة ثم مضغة؟! يقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (5 الحج). هل تأملنا خاصة في زمن المرئيات كيف يلدُ ذلك المخلوق وكيف ينشأ في بطن أمه عبر التصوير التلفزيوني أم كيف هي مراحل خلقنا؟ وهذا إمامكم عليه الصلاة والسلام كان هو المتفكر المتأمل المتدبر يقول حبر الأمة ابن عباس: بتُ عند خالتي ميمونة فتحدث النبي مع أهله «زوجه ميمونة» ساعة ثم رقد فلما كان ثلث الليل الآخر قعد ونظر إلى السماء وقال: {ِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (آل عمران 190) ثم قام وتوضأ وصلى إحدى عشرة ركعة ثم أذن بلال فصلى ركعتين ثم خرج وصى بالناس) رواه البخاري ومسلم*.
اليوم نحن نشاهد ولا نتفكر ولا نتدبر نشاهد مقطعا وينتهي علمنا عند ضحكة أو عجب واستغراب,كان لقمان الحكيم يطيل الجلوس وحده فكان يمر به مولاه فيقول له: إنك يا لقمان تديم الجلوس وحدك فلو جلست مع الناس كان الأنس لك فيقول لقمان: (إن طول الوحدة أفهم للفكر وطول الفكر دليلُ على طريق الجنة) وسألت أم الدرداء رحمه الله ما كان أفضل عبادة أبو الدرداء؟! فقالت: (التفكر والاعتبار) وعن الحسن رحمه الله قال: تفكر ساعة خيرٌ من قيام ليلة,وعن محمد بن كعب القرظي قال: (لئن أقرأ في ليلتي حتى أصبح إذا زلزلت والقارعة لا أزيد عليهما وأتردد فيهما وأتفكر أحب إلي من أن أهذ ليلتي هذا أو أنثر نثرا آي القرآن) وهذا إمام المتفكرين عليه الصلاة والسلام قام ليلة (إن تعذبهم فإنهم عبادك) وقال أبى نواس:
تأمل في نبات الأرض
وانظر إلى آثار ما صنع المليك..
عيون من لجين شاخصات
بأحداق هي الذهب السبيك..
على قضب الزبرجد شاهدات
بأن الله ليس له شريك..
قال تعالى: {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} (101 سورة يونس).
يقول ابن القيم: (أصل الخير والشر من قبل التفكر فإن الفكر مبدأ الإرادة والطلب في الزهد والترك والحب والبغض وأنفع الفكر الفكر في مصالح المعاد وفي طرق اجتذابها وفي دفع مفاسد المعاد وطرق اجتنابها ويليها مصالح الدنيا وطرق تحصيلها) وهذه أربعة أفكار هي أجل الأفكار وهم العقلاء الذين يفكرون في المعاد فهم يفكرون في المكاسب الحقيقية وما بعد هذه الحياة القصيرة هؤلاء هم أهل الفكر الصحيح، وأما أولئك الذين فكرهم في مصالح الدنيا وطرق تحصيلها بالطرق المشروعة فلا لوم عليهم وأما إن نسوا أن يتفكروا في الآخرة ومكاسبها فقد ضلوا ضلالاً بعيداً, والحق أن الكثير منا قد أشغلوا فكرهم بالدنيا وبذلوا أوقاتهم وخططوا من أجل دريهمات قد خسروا وإن ربحوا وفشلوا وإن نجحوا!.
وفوائد التأمل:
1 - التأمل الأنفع للعبد في معاشه ومعاده.
2 - التأمل خير معين على التقوى والموعظة.
3 - التأمل قيمة عقلية كبرى تجعل صاحبها في مأمن من تقلب الأيام وصروف الزمان.
4 - التأمل يؤدي بالمسلم أن يكون إيمانه عن اقتناع ويخرجه من دائرة العامة إلى دائرة الخاصة.
5 - التأمل دليل البصر.
6 - التأمل رأس رجحان العقل.
- المدير العام المساعد لفرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة القصيم