بداية أبارك لمعالي الدكتور عزام الدخيل ثقة ولي الأمر بتسليمه وزارة التعليم بعد ضم التعليم العالي.
وأسأل الله أن يعينه ويوفقه ويسدد بالخيرات خطاه، وأعرض على معاليه وجهة نظري كتربوي سابق.
حول تطوير التعليم العام.
كان أسلوب أجدادنا في التعليم متميزاً وفريداً، فقد كانوا يبدؤون بتعليم الطفل مبادئ القراءة والكتابة والإملاء عن طريق القاعدة البغدادية المعروفة ويتوازى معه تعليم قراءة وحفظ القرآن الكريم وكذلك الأربعين النووية في الحديث.. فإذا أتقن القراءة والكتابة وأبدع فيهما دفع له شيخه (المعلم) كتاباً ليقرأه بدون تحديد مدة معينة، فكل طالب وقدراته، فإذا أكمله رجع إلى شيخه (معلمه) وناقشه فيه (أدى الاختبار) وهكذا يستمر في إعطائه الكتب ويتدرج من الأسهل للأصعب، فإذا رآه شيخه أتقن وتعلم ووجده قادراً على البحث والقراءة والاستنباط، أجازه (أعطاه شهادة) بعدها يواصل تعليمه عند مشايخ آخرين أو يتوقف عند شيخه فقط.
معالي الوزير..
ما أحوجنا إلى هذا النبراس القديم والمتميز لنرجع إليه ولنتخذه أسلوباً فعالاً ومميزاً لتعليم أطفالنا، وأظن أن هناك الكثير ممن يشاركني الرأي. فهذا الأسلوب يحتاج إلى شيء من التحديث ليواكب عصرنا.
إن التعليم العام منذ افتتاح أول مدرسة نظامية عام 1356هـ في عهد الموحد الملك عبدالعزيز رحمه الله لم يتغير في أسلوبه الشيء الكثير أبداً. فالتغير طال المباني والطاولات والسبورات والأدوات المدرسية وبعض الأجهزة الحديثة التي لا يستخدم منها إلا جزئياً وهي طريقة التلقين التي تنتهي المعلومة بنهاية الاختبار وتنسى وتقذف ربما في الشارع أو عند أبواب المدارس مثلها مثل الكتاب المدرسي. فقذف الطلاب كتبهم أمام المدارس وفي الشوارع أكبر دليل على «فشل طريقتنا الحالية في التعليم» ومن باب أولى أنهم قذفوا كثيراً مما في عقولهم وذاكرتهم كما قذفوا الكتب.
وهنا نستنتج أن الطالب لا يستفيد من معظم المناهج والكتب التي فرضت عليه وهو لا يريدها ولا يحتاجها.
فماذا يستفيد الشاب من معظم المناهج التي يجدها عن طريق الإنترنت والشاشات وغيرها من وسائل الإعلام وذلك متى احتاج إليها.
إن الأهم أن يتعلم الطالب والطالبة ما يفيده في حياته مستقبلاً من ممارساته اليومية ومن حقوق وواجبات وضرورات مهمة فتعلمه أخطار الكهرباء وكيف يتعامل مع الأجهزة التي يستخدمها في حياته. والتعامل مع بعض الأدوات البسيطة أو الإسعافات الأولية وأهم منها الحفاظ على نفسه وغيرها فالأمن الوطني وخطورة التطرف والغلو والإرهاب ومحاسن الوسطية، وكذلك نظام المرور واحترام الطريق وإعطاؤه حقه عليه من الحفاظ على الأنفس والممتلكات وكذلك خطورة المخدرات والانحراف الأخلاقي، إن هذا من الأهمية بمكان ومن الضروريات لحياة المستقبل.
إنني أرى أن الاكتفاء بتعليم الطالب القراءة والكتابة بامتياز وبعض المواد المهمة مثل القرآن الكريم والحديث والسيرة النبوية وقواعد اللغة العربية، وهذه يستنبط منها ومن خلال تعلمها مواد أخرى مثل التوحيد والتجويد والتفسير والفقه والإعراب والأدب وخلق المسلم وغيرها الكثير، ثم بعدها تأتي مهارات مثل الرياضيات ومواد العلوم واللغة الإنجليزية (المواد الاجتماعية في منهج واحد) حول تاريخ الوطن والجغرافيا ليعزز الانتماء له. ويأتي معها تعلم حقوقه وواجباته والأخطار من حوله واحترام قيمة الإنسان وتعزيز الانتماء للوطن.
فيكون الطالب عنده خمسة مناهج إجبارية هي القرآن والدين (مادة) والعلوم العربية (مادة) والعلوم الاجتماعية (مادة) والعلوم والرياضيات (مادة) واللغة الإنجليزية (مادة)، وتكون هذه المواد بطرق بسيطة ومنهج مختصر ينير الدرب ويفتح آذهان الطلاب على هذه المواد، فما الفائدة من التوسع في هذه المواد وهو سيبدأ بها من جديد حين دخوله للجامعة.. ومواد اختيارية أخرى تمزج بين التعليم والترفيه مثل التدريب المهني والرياضة والفنون والمرور وغيرها.
وبهذا يستطيع الطالب أن يتعرف على هذه العلوم بصورة مبسطة ليتسنى له اتخاذ القرار بعد إكمال المرحلة الثانوية في اختيار الكلية المناسبة والتخصص الذي يرغبه أو يتحول إلى كلية تقنية أو إدارية وغيرها.
وإنني متأكد بأن التعليم لن يحقق أهدافه ما دام أبناؤنا يذهبون للمدرسة وهم كارهون لها. فانظروا فرحة الطلاب بخروجهم من المدرسة وكذلك الإجازات، ولاحظوا كيف تضيق صدورهم كل ليلة يوم الأحد أو بداية العام الدراسي.
إن الأمم المتقدمة علمياً وتربوياً يلاحظ فيها حب الطلاب للمدارس ورغبتهم بالبقاء فيها فترة أطول، واسألوا من درسوا في بعض هذه البلدان.
وكذلك يجب ألا ننسى أهمية وسائل الإيضاح ومصادر التعلم من فيديو وإنترنت وعروض وثائقية وعلمية تعليمية والباوربوينت وغيرها، فهذا أثره فعال ومهم ويكسر التقليدية في التعليم الكلاسيكي. ويجب أن يكون المعلم له فصله الخاص به والطلاب يأتون إليه، ويكون هذا الفصل خاصاً بالمعلم وحده، ومعداً إعداداً جيداً بكل ما تحتاجه مادته من مصادر للتعلم ووسائل للإيضاح فينتقل الطالب بين الفصول (المعلمين) ويزول عنه الروتين والسجن في غرف الكثير منها كئيبة وضيقة وغير مكيفة، وقد لا يجد المعلم مكاناً له وذلك في المباني المستأجرة، أما المباني الحكومية فالعدد قد يزيد عن أربعين طالباً في غرفة صماء جوفاء ما عدا السبورة والتي قد تكون هزيلة.
وكذلك يجب أن لا ننسى أهمية أن التعلم لا يكون مجدياً إذا كان جافاً خالياً من وسائل الترفيه، ومنها مادة التربية الرياضية التي تعطى حصة واحدة في الأسبوع ما عدا المرحلة الابتدائية حصتان.
ولقد حدثني صاحبي عن ابنه الذي يدرس في المرحلة الابتدائية أنه إذا أراد أن يقدم لابنه هدية، فإنه يسمح له بالغياب عن المدرسة، ولكن لو عرض هذه الهدية عليه في يوم يكون عليه حصة (تربية رياضية) فإن ابنه يرفض!
وكذلك الأهم في العملية التربوية وهو المحور (المعلم) الذي يجب إعداده وتأهيله جيداً وتزويده بالوسائل اللازمة ومراعاة ظروفه وتقديره وإعطائه مزيداً من الحوافز التي تشجعه على أداء عمله باتقان، بعدها يتم محاسبة المقصر.
ثم مدير المدرسة الآن هو يعمل كاتباً وحارساً وعاملاً ومراسلاً ومديراً، إنني أرى أنه من الواجب دعمه بالسكرتارية والوكلاء ليتفرغ للعملية التربوية تماماً ونطالبه حينها بالإبداع والتميز. وخلاصة رأيي أن التعليم لن يحقق أهدافه المرجوة إلا لقاعدتين مهمتين هما:
الأولى: (جعل المدرسة مكاناً لجذب الطالب وليس لتنفيره) وذلك بالعناية بالمبنى المدرسي وإعداده جيداً ليجمع التعليم والترفيه معاً. وتأهيل وإعداد المعلم والمدير والمرشد وتقديم الحوافز لهم.
الثانية: (أن يكون المنهج ملبياً لحاجات الطالب المستقبلية) وذلك بالتخفيف من عدد المواد وتبسيطها والاكتفاء بالمهم والضروري منها، وإضافة ما يحتاجه الطالب مستقبلاً في حياته لخدمة نفسه ومجتمعه والوقاية من الأخطار التي تهدده ومجتمعه.
فيا معالي الوزير وأنت تتبوأ هذه الوزارة الحيوية والتي تعتبر أهم الوزارات لأنها تبني الإنسان الذي هو مستقبل هذا الوطن، هاأنذا أضع اقتراحي بين يديك وهو نتاج خبرة طويلة في التربية والتعليم، فربما تجدون فيه مع ما يردكم من اقتراحات حول تطوير التعليم ما يفيد هذا النشء ومستقبل الوطن، ولكم منا صادق الدعوات بأن يسدد الله خطاكم ويعينكم ويوفقكم للخير دائماً.