في إسطوانةٍ تدور ولا تتوقف أبداً.. نسمعها ويزعجنا صداها، ولكن لا نراها.. أو لا نقتنع بحقيقتها.. «الحرب على الإرهاب».
شعار من لاشعار له.. انتبهنا لأخطار الإرهاب، ولكن نسينا أنه نتيجة عوامل اختلطت ببعضها فأفرزته، والحرب عليه وحده ربما تقضي عليه على الأرض لكنها لن تنهي نسله، ولن تلغي احتمالية ظهوره من جديد.
في كل مكان هناك دوافع للتطرف، أقول في كل مكان إلا مارحم ربي.. والتطرف هو دافع الإرهاب الأول والأكبر والثابت.
في المدرسة، والعمل، وفي الشارع، وحتى في وسائل الإعلام والمجالس.. في كل مكان هناك فرصة للتطرف الفكري والشذوذ عن الفطرة السوية، وانتهاج الإرهاب طريقة لفرض الفكر وتحقيق الرؤية المتطرفة.
إن مشاريع الإصلاح والتغيير الاجتماعي هي الأساس لمواجهة التطرف أو سد الطريق أمام انتشاره، ومتى ما استشعر العالم أهمية أن يكون شعار هذه المشاريع «مواجهة التطرف» بدلاً من «رفاهية المواطن « فحينها يؤسس مشروع محاربة الارهاب الفعلي.
لكن النزول إلى الأرض والمواجهة العسكرية فقط أمام التنظيمات الارهابية لن تجدي نفعاً لردع خطرهم في المستقبل.
ولدت التنظيمات الإرهابية بطابعها المتطرف أيديولوجياً من رحم التخلف والجهل والتطرف لمبادئ التشدد الديني..
لم يكن جميع مقاتلي هذه التنظيمات طلاب دراسات عليا، ولم يكونوا أساتذة جامعيين أو موظفي مراتب مرتفعة.. لم يكونوا إلا جُهالا استُغلوا، أو عاطلين يئسوا، أو أصحاب مواقف منتقمين بالإضافة إلى بعض طلاب الدراسات العليا وأساتذتهم.. لذا فإن دول العالم معنيون بإعادة النظر في أوضاع المواطنين أمثالهم ممن لم يذهبوا للقتال ولم يتطرفوا للفكر المتشدد.. فنعلم الجاهل، ونوظف العاطل، ونضمن الحقوق الخاصة ونرد المظالم لأصحابها ونحسن المعيشة ونضمن للمواطن مستقبل السلم الاجتماعي والاقتصادي الخاص به.
إن الحروب العسكرية التي يخوضها العالم ضد الإرهاب ذات فائدة استراتيجية ضيقة وذات مدى زمني يمكن أن ينتهي بأي وقت.. لكن الحروب الفكرية والاجتماعية هي ذات التأثير الدائم وإن كان القضاء تماماً على التطرف فيها غير ممكن.. لكن حسر توسعه ودرء أكثر أخطاره أفضل من الانتظار حتى نخسر كل شيء.