إعداد - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ«الجزيرة»:
في كلمة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- الأخيرة، تم تدشين واقع جديد للقطاع الخاص كشريك في التنمية الاقتصادية.
فالقطاع الخاص في كلِّ الدول هو ثاني اثنين بعد القطاع الحكومي، ولكن الآن اكتسب واقعاً جديداً بمسمى شريك للقطاع الحكومي.
والاقتصاد الخليجي عموماً، يمر الآن بمرحلة هبوط أسعار النفط، وتشير بعض المؤشرات، إلى أن هذا الهبوط قد يستمر طويلاً، أو ربما يصبح النمط الجديد هو النفط الرخيص، لذلك، فإن الحكومة السعودية تطلق آفاق مرحلة جديدة للتنويع الاقتصادي الراسخ بتدشين مرحلة القطاع الخاص «الشريك».
والمرحلة التي يمر بها الاقتصاد الوطني الآن، تتيح للقطاع الخاص القيام بدور المحرك الأساسي للتنمية، الأمر الذي يضع عليه حقوقاً وواجبات تؤهله لأن يشارك في صناعة النمو الاقتصادي.. ومن واجبه أن يسهم بالاستثمار في الإنسان السعودي وزيادة إنتاج هذا القطاع المهم في وضع مصالح الوطن على سلم أولوياته. والمرحلة المتقدمة التي أنجرها القطاع الخاص السعودي على طريق المشاركة الاقتصادية، تؤهله لأن ينطلق الآن في مبادرات حقيقية لجعل التنويع الاقتصادي أساسًا واقعياً قوياً.
مساهمة القطاع الخاص في التنمية الوطنية
في عام 2014م حقق الناتح المحلي الإجمالي للقطاع الخاص حوالي 960.6 مليار ريال، في مقابل 745.5 مليار ريال في عام 2010م، أي أنه أحرز نمواً بنسبة 28.9 في المائة خلال أربعة سنوات فقط، وبلغت قيمة ناتج القطاع الخاص ما يزيد عن ضعفي قيمته للقطاع الحكومي الذي بلغ في 2014م حوالي 414.6 مليار ريال، أما مقارنة بالقطاع النفطي بالأسعار الثابتة، فقد بلغ ناتج القطاع الخاص حوالي 92.4 في المائة.
وبشكل مطلق، يسهم القطاع الخاص الآن بنسبة 40 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة، مقابل حوالي 42.7 في المائة للقطاع النفطي، والمدقق في الأرقام، يلحظ مدى التقارب بين مساهمتي القطاع الخاص (39.5 في المائة) وبين مساهمة القطاع النفطي (42.7 في المائة) وبالتالي، فإنه رغم معرفتنا أن للقطاع النفطي دوراً مهماً في تعزيز مساهمة القطاع الخاص نفسه، إلا أن القطاع الخاص بات يلعب دورًا حيويًا في التنمية الاقتصادية الوطنية عموما.
معدلات نمو القطاع الخاص
الأمر الأعلى أهمية ليس فقط مساهمة القطاع الخاص في الناتج، ولكن بتتبع معدلات نموه يتضح أن ناتج القطاع الخاص هو الأعلى نمواً على الإطلاق ما بين القطاعات الثلاثة الرئيسة في الاقتصاد الوطني (القطاع النفطي، والخاص والحكومي) خلال الخمس سنوات الأخيرة.
ففي السنوات التي تراجع فيها القطاع النفطي، تزايدت معدلات نمو القطاع الخاص، مثلما حدث في عام 2010م، حيث حقق القطاع الخاص نموا بنسبة 9.02 في المائة بالأسعار الثابتة، مقابل معدل نمو سلبي للقطاع النفطي، كذلك الحال في عام 2014م، عندما تراجع معدل نمو القطاع النفطي إلى 1.72 في المائة، فقد تماسك القطاع الخاص ليحقق معدل نمو بواقع 5.7 في المائة، لذلك، فإن القطاع الخاص يعتبر هو صمام الأمان للاقتصاد الوطني، وخصوصًا في فترات تراجع نمو القطاع النفطي.
مساهمة القطاع الخاص في الإيرادات الحكومية
خلال الفترة (1980-2013م) تطورت الإيرادات غير النفطية من 28.8 مليار ريال في 1980م إلى 113.1 مليار ريال في 2013م مقابل تطوّر الإيرادات النفطية من 317 مليار ريال في 1980م إلى 1017 مليار ريال في 2013م. وبالرغم من أنه بالقيم المطلقة أن الزيادة في الإيرادات النفطية كانت هي الأعلى، إلا أن معدل نمو الإيرادات غير النفطية جاء أعلى منه للإيرادات النفطية..
وجدير بالذكر أن غالبية الإيرادات غير النفطية المتحققة هي إيرادات مصدرها القطاع الخاص.
القطاع الخاص يقود مجهودات التنويع الاقتصادي
تطورات مساهمة ومعدلات نمو القطاع الخاص خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تُوضِّح أن جهود التنويع الاقتصادي قد حققت نجاحات ملموسة، وازدادت وتيرة هذه النجاحات خلال السنوات العشر الأخيرة.
ومن الواضح، أن رائد مسيرة القطاعات غير النفطية هو القطاع الخاص، الذي أحرز صعوداً كبيرًا وواضحًا في مؤشراته، وينسب له ما يزيد عن 90 في المائة من قيادة هذا القطاع غير النفطي، بل تشير الاحصاءات إلى أن معدل نمو الصادرات غير النفطية (12.0 في المائة) تتجاوز معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ككل (3.8 في المائة).
وهذه الصادرات تعتبر جهدًا خالصًا للقطاع الخاص، وخصوصًا بمعرفة مدى التطوّر في الإنتاج الصناعي التحويلي، الذي مؤشرات إنتاجه تفوق كثيرًا مؤشرات صادراته، نتيجة تغطية احتياجات السوق المحلي.
أي أن التنويع نجح نجاحًا ملموسًا، فيوجد الآن بالمملكة قطاع زراعي حتى رغم مشكلات المياه، ويوجد قطاع سياحي رائد، سواء سياحة الحج والعمرة أو سياحة قطاع الأعمال، كما يوجد قطاع صناعي تحويلي امتد إلى كافة الصناعات تقريبا، فضلاً عن القطاع المالي والتأمين والعقارات الذي أصبح رائدًا، بجانب قطاع الخدمات الشخصية والاجتماعية والخدمات الحكومية.
تطلعات وآمال مرتبطة بالقطاع الخاص
إذا كان تشجيع وتحفيز دور القطاع الخاص في الماضي لأسباب مهمة، فإنها تزداد أهمية وتعتبر ضرورية خلال الفترة الحالية، وخصوصًا بعد تراجع الأسعار العالمية للنفط.. أيضًا بالرغم من إنجازات القطاع الخاص في الفترة الماضية، إلا أنه مؤهل الآن لتقديم المزيد من الإنجازات، التي من أهمها ما يلي:
o الأخذ بالمزيد من المبادرات في ربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل من خلال المساهمة في إعداد البرامج التدريبية والتربوية لتأهيل الشباب والشابات السعوديين وحفزهم على الاستثمار المباشر والمستمر في البحث العلمي والدراسات.
o إعطاء الأولوية في العمالة والتوظيف للسعوديين والإسهام في تدريبهم وتأهيلهم.
o توجيه مبادراته للاستثمار في المجالات التنموية الحقيقية، وخصوصًا المشروعات التنموية الكبرى.
o توجيه استثمارات القطاع الخاص إلى المرافق الاقتصادية وخصوصًا الحيوية التي قد تتَّصف ببطء معدلات الاسترداد.
- المصدر مصلحة الاحصاءات العامة، مؤسسة النقد العربي السعودي، 2015م.