الموت طريقٌ مسلوكٌ، وبابٌ لا بُدَّ من عبوره من الفانية إلى حياة البرزخ، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} وكفي بالموت واعظاً لأولي العقول.
وقد تلقيتُ نبأَ وفاة الرجل الفاضل عبد العزيز بن عبد المحسن الحماد - رحمه الله - فأسفتُ لفقده، وحزنتُ لوفاته؛ لما عرفتُ فيه من شيمٍ فاضلة، ودماثةٍ في الخلق، ودعابةٍ تمتزجُ مع جميل حديثه لمجالِسه، كيف لا يكون كذلك وقد تربى في كنف والدين صالحين، فوالده رجلٌ صالحٌ عابدٌ، ووالدته المرأة الصالحة حصة بنت عبد الله الموسى - رحمهم الله جميعا - وقد عاش حياته صالحاً زاهداً غيرَ مهتمٍّ بالمظاهر البرَّاقة، مقتصراً على الكفاية، وكانت تربطه بوالدي - رحمه الله - رابطة قَرَابةٍ ومحبَّةٍ، وهما كذلك أخوان من رضاع، وإذا اجتمعا في مجلسٍ فإنَّه لا يُملُّ؛ لما يتبادلانه من أطراف الحديث الممتع، ولما مات والدي تأثر بوفاته، وبدا عليه الحزن على فقده عندما رآه قبل الصلاة عليه في جامع الراجحي، حيث لم يكن يعلم بوفاته إلا حينها.
ولقد عرفتُه - رحمه الله - محبَّاً للعلم وأهله، متتبعاً مجالسه، يحضر ما تيسَّر له من المحاضرات العلميَّة والندوات التثقيفيَّة، ويزورُ المكتبات العامَّة؛ للقراءة والاطلاع على ما فيها من كتبٍ، وكان يزور مكتبة الرياض السعوديَّة برئاسة البحوث العلميَّة والإفتاء، والتقيتُ به فيها عدة مرَّات، وذلك عندما كنتُ أعمل فيها في الفترة المسائيَّة، كما كان يحرص على الصلاةِ في الجوامع التي يُصلى فيها على الجنائز؛ طلباً للأجر، وكنتُ أراه أحياناً يصلِّي في جامع الراجحي بحي الجزيرة بالرياض.
ولقد تمتَّعَ بطيبِ الأخلاق، فالبشاشةُ لا تكاد تفارق محيَّاه، كما كان يبادر جليسه بلطف الكلام وحسنه، لم أسمعه يوماً يتكلَّم في أحد بسوء، وأحسبُ أنَّه رزق سماحة النفس وسلامةَ القلب، فلا مكانَ فيه للضغينة والغلِّ، وهذا الأمر يعجز عنه كثيرٌ من الناس، وفضيلةٌ يتميز بها قليلٌ من الرجال.
أصيب الرجل الصالح والزاهد المحبُّ عبد العزيز بن عبد المحسن الحماد في آخر حياته بجلطةٍ أُدخل على أثرها مستشفى الملك سلمان، ثم خرج منه إلى بيته، في حالةٍ لا يستطيع معها الكلام، ولم يزل على السرير الأبيض حتى توفاه الله صبيحة السبت 4/3/1436هـ، وصُلِّي على جنازته بعد صلاة عصر ذلك اليوم في جامع الملك خالد في حيِّ أم الحمام بالرياض، ودفن في مقبرة أم الحمام، وشيَّعه إلى المقبرة مع إحدى عشرة جنازة اخرى، وخلقٌ كثير.
وختاماً أسأل الله تعالى أنْ يجعل ما أصابه من مرضٍ في آخر حياته تطهيراً له، ورفعةً لدرجته في الجنَّة، وأنْ يغفر له ويعفو عنه، وأنْ يجمعنا به ووالدينا ومن نحبُّ في جنَّات النعيم، أمين.
عمر بن عبد الله المشاري - خطيب جامع بلدة الداخلة (سدير)