وقع ما كنا نخشاه ونتهيبه، ورحل عنا رجل أحببناه وتجمعنا حوله لإنسانية وجدانه ولطيب معشره وطلاوة حديثه وحاتمية كرمه ورجاحة عقله ولأصالة فكره ولحصافة رأيه ولشجاعة مواقفه.
رحل عنا الدكتور راشد بن عبدالعزيز المبارك فانفرط عقد يصعب نظم حباته الفسيفسائية من بعده. فلا ندري كيف جمع وألف وناغم بين تلك الألوان البشرية المختلفة متباينة الفكر والمذهب والمنهج مؤسسا لندوة الأحد التي رعاها بفكره وجهده وماله، فكان وقودها المحرك وشعلتها المضيئة ومنارتها الهادية.
ندوة بعد أن وضعت بصماتها المميزة على الحراك الثقافي السعودي والعربي أثناء حياته، سيكون لها مهمة واهتمامات تختلف عن الفترة التي سبقت ترجل فارسها -وهو الذي أوصى أن لا تتوقف مسيرتها- علها تخفف عنا فاجعة رحيله وحزننا الشديد الباقي عليه.
اهتمامات تعيد قراءة ما تركه لنا من تراث أدبي وعلمي نستكشف فيه ما غفلنا عنه وما لم نستوعبه في حينه ونتيحه للعامة بعد أن استأثرت به نخبة المثقفين.
اهتمامات تدفع فاتورة ما أولانا وحبانا به وما منحنا له-رحمه الله- من اهتمام وتضحيات استقطع لها من عمره وماله الكثير.
سنتوقف كثيراً عند رؤيته لهذا الكون ونعيد قراءة أوراقه المهجورة ونبحث عن أوراق منسية، ونؤصل لمصطلحاته العلمية، ونتأمل حيرته من تهافت الفلاسفة وتصنيفه لهم في منزلة (السالكين) لا (الواصلين) وتثمينه للعقل، والكشف عن إجاباته لأسئلة أرهقت تفكيره، والتمتع بصور جمالية زاهية الألوان كان قد رسمها في شعره علنا نجيب على سؤال: من كان راشد المبارك؟!
ليرحمك الله أخي راشد ويسكنك فسيح جناته ويجزيك عنا خير الجزاء ويبارك في ابنائك وبناتك وزوجتك ويلهمهم وإيانا صبراً جميلاً على فراقك.. وإن حزننا عليك لشديد.
د. معتصم إبراهيم خليل - جامعة الملك سعود