في كثير من الأحيان يمر الإنسان بحالة من انعدام الوزن..
يحس أنه يملك كل شيء وبأنه لا يملك شيئاً..
يحس بأنه أكثر الناس سعادة وفي نفس الوقت أكثرهم حزناً وكآبة..
يلح في طلب الشيء وهو يملك كل شيء ويهب الشيء وهو
لا يملك شيئاً..
هذه الأحداث مجتمعة تجعل الإنسان يسير هائماً على وجهه..
لا يدري عم يبحث ولا أين يسير..
لقد كنت جالسة متقوقعة لأكثر من عام..
أبحث عن الأحداث عن الأخبار.. أبحث عن الأصدقاء..
في وقت تعلمت فيه أن أصادق الناس جميعاً ولكن ألا أحب الناس جميعاً..
وفجأة أنام وأصبح على أنصاف أحداث غير مكتملة
..
تماماً كأحلام الليل والمطلوب مني أن أبحث عن بقية لهذه الأحداث..
وأنا سجينة في غرفة ترك بابها مفتوحاً وقد أشعلت النيران في كل الدروب.
والمطلوب الخروج من هذا الواقع.
ليس بيدي شيء سوى انتظار ما يصلني من أخبار..
وأنا جالسة كعصفور في قفص وامرأة في صومعتها..
انتظر عابر سبيل ينقذني..
أوخبر يسعدنا أو الأقدار لتطفئ ما يحيط بغرفتي من نيران..
أقول لصديقتي التي لطالما أتعبها تعبي ونامت معي باكية..
تسألني: ولم اللهفة ولم العجلة. وأنت من تعلم من الانتظار ما لم يتعلمه بشر..
مسكينة صديقتي فهي تعلم ما أنا أعاني منه لكنها تحاول التخفيف عني..
وأنا التي تعودت منها هذا..
(النار ما تحرق إلا رجل واطيها)..
من المؤكد أن من كتبها إنسان لا صديق له؟
يا صديقتي الحياة مخارج
..
ذلك الرجل الذي كان بالأمس القدوة الصالحة؟!
اليوم أراه كسنبلة فارغة تتطاول في الهواء
..
وذاك جاري بالأمس وقد أصبح مراهقاً من جديد..
يتصيد أخطاء الآخرين في طفولتهم..
لينشرها على رؤوس العباد بعد بلوغهم..
وتلك المرأة التي لم يعد بينها وبين خالقها غير أيام تتلون بجلدها وتبث أعاصيرها باتجاه..
الرياح فهي التي أقسمت بالليل بما لم يألفه سمع نكثت عهدها مع شروق أول شعاع شمس..
وذاك الذي كان أخرس اللسان منذ طفولته أصبح اليوم حكيماً لا يرد له رأي..
وذلك الذي نسي ربه فأنساه دينه وتقواه فلم يبق من إسلامه شيء
..
وعجباً على الدنيا فقد أصبح حكيمنا اليوم من كان جاهلنا بالأمس..
فقد انقلب كأسه إلى حكم تفاجئ من يسمعها..
***
لقد كان الشهد مهملاً حتى أتاه النحل..
فكثر مشتهوه.. وازداد محبوه..
***
تنصحني طويلاً بالهدوء والانتظار..
وتطلب مني أن أعيش حياتي كما هي وإلا أفكر في بقية الأحداث
..لأنها لا بد أن تأتي لوحدها يوماً.. ما..
وكانت ترى إن في انتظاري فقط ما هو منتظر؟
نسيت بل غفلت..أن لكل حادث حديثا..
وأن إغماض العين لا يمنع الآخرين من النظر..
وأن إغلاق الأذنين لا يمنع الآخرين من السمع..
وأن انتظاري في سجني لحين انطفاء النيران..
لا يمنع رحيل أهلي وأحبائي..
وأن أشجاري والتي لها جذور في الأرض قوية..
لاتقوى على مقاومة الأعاصير إن تتالت..
وأن هذه الأيام لم تعد أيام الأحلام الدافئة..
والقلوب الحانية..
والمشاعر الصادقة..
لم يعد هناك سوى الآثار القديمة شواهد على الصدق..
ومحبة الأم شاهد على الحب..
والأفعال شاهد على النوايا..
لا أدري من أبقى باب السجن مفتوحاً..
إنه حتماً ليس السجان
..
فهو عبد مأمور..
تماماً كما الأيام.. كما الليل والنهار..
كما الشمس والقمر..
كما أنا وأنصاف الحقائق..
والغرفة والباب وتلك النيران..
ومشاكل الدنيا..
وذلك الطريق..
أقدار وأمر من لا أمر إلا له..
إن إلحاحي الذي تراه..
قد أصبح هروباً من الواقع الذي نعيشه..
أكثر مما هو بحث عن حقائق غير مكتملة
..
غير إني لا أشتكي..
فقد قال الراوي: (في الشكوى انحناء..)
بدأ الشيب يغزو شعري..
وبقائي داخل سجني يعني الفشل..
وإن لم يكن فنحن ندعي النصر..
والنصر يتطلب منا الكثير من التضحيات التي علينا تقديرها قبل تقديمها..
انه لزمان أصبح الناس فيه يتراقصون لسنابل القمح الفارغة..
المتعالية.. ويدوسون النائم بأقدامهم..
ينظرون إليك بما تملك من مال وعقار ومنصب..
ويتجاهلون علمك ومثلك وعصاميتك..
يتشبثون بحاضرهم.. وينسون ماضيهم..
يعلمون من أين يأتيهم رزقهم ويحتارون فيم ينفقونه..
ينعمون بالصحة وينسون واهبها..
نحن في وقت كثر فيه المنافقون..
فأصبح العاقل جاهلاً.. والجاهل حكيماً..
لا تطلبي مني أن أكون كهؤلاء..
دعيني ولا تلوميني...
بل اطلبي من السجان ألا يترك باب السجن مفتوحاً؟
حرف:
(العدل الناقص.... ظلم كامل)