الجزيرة - محمد السنيد:
انطلقت صباح أمس الأول الجلسة التاسعة للمؤتمر العالمي الثاني عن تاريخ الملك عبدالعزيز في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حيث ترأس الجلسة سعادة الدكتور عبدالرحمن بن سليمان النملة والتي تحدث خلالها د. سعد بن سعيد القرني عميد تاريخ العلوم العربية والإسلامية بورقة بحثية بعنوان: (الإعلام البترولي في المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبدالعزيز: دراسة تاريخية)؛ حيث تحدث عن أهمية البترول وأنه يعد سلعة إستراتيجية ومصدر رئيس للطاقة، فهو المحرك الرئيس لاقتصاديات دول العالم.
ويعتبر اكتشاف البترول في المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبدالعزيز نقطة تحول مهمة في تاريخها الاقتصادي الحديث، بل وفي التاريخ الحديث عموماً، لما لهذا التحول من أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية ثم تطرق إلى أهمية الإعلام البترولي الذي نتناوله بالدراسة في هذا البحث، حيث لعب ومازال دوراً كبيراً في توجيه الرأي العام من خلال تسليط الأضواء على أهمية العوائد البترولية للمملكة من جهة، وأهمية دورها في استتباب الاستقرار للأسواق البترولية العالمية من جهة أخرى، فالإعلام البترولي هو نوع من الإعلام المتخصص يستهدف صناعة البترول التي تعد من أهم الصناعات الحيوية في العالم، ويرتبط بميدان أسهم في تطور البشرية ورقيها وتقدمها، وساعد على النهوض بالأمم والمجتمعات ثم أضاف على الرغم من الأهمية الكبيرة للإعلام البترولي، والدور الكبير المنشود منه، إلا أنه لم يأخذ حظه من البحث والدراسة في الدول التي تنتج هذه السلعة الحيوية وتصدرها، ولا سيما الدول العربية، وعلى رأسها المملكة.
وقد واجه الباحث في هذا المضمار عدة صعوبات نذكر من أهمها عدم توافر المصادر والمراجع المتخصصة في الإعلام البترولي في المكتبات العربية وغيرها، فكل ما استطاع الباحث العثور عليه بعض المقالات في مجال الإعلام المتخصص بشؤون البترول.
وقد تناول البحث مجموعة من المحاور ذات الصلة المباشرة بالإعلام البترولي في المملكة في عهد الملك عبدالعزيز، وبالخصوص الجذور البترولية، ومفهوم الإعلام البترولي، وما يرتبط بها من مؤثرات ونتائج. كما تمنى الباحث أن يكون هذا البحث لبنة في التأسيس لمجال الإعلام البترولي المتخصص، وأن يسهم في تعزيز الدراسات والبحوث التي تركز على الإعلام البترولي بوصفه صناعة موجهة، ويفتح طريقا أمام الباحثين للبحث في مثل هذه المجالات ذات الشأن البترولي.
كما تحدث في ذات الجلسة أ. يونس حسين وكان عنوان بحثه (عناية الملك عبدالعزيز بالحسبة)حيث تحدث عن مفهوم الحسبة ومشروعيتها في القرآن الكريم والسنة النبوية، وعناية الملك عبدالعزيز بأمور الحسبة والدعوة والدعاة، وعنايته التامة بشؤون الحسبة في الحجاز، حيث بعث المحتسبين والدعاة والمرشدين، وجهوده الجبارة في إحياء مكانة العلماء ثم ذكر اعتماد منهج البحث في هذه الورقة على الاطلاع على الكتب والمراجع المتوافرة في المكتبة، وذلك اعتمادًا على كتب التاريخ والوثائق والمجلات العلمية في هذا المجال.
كما شارك أ. جبران بن سلمان سحاري وتضمن عنوان البحث (الأدب والإعلام والاتصال في عهد الملك عبدالعزيز)، حيث تناول هذا البحث التعريف بالوحدة الوطنية وهي: أن يجتمع الناس في مكان واحدٍ على رأي واحدٍ ووفاقٍ لرابطٍ يجمعهم في ذلك المكان الذي يسمى (الوطن).
وعرض نماذج من عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- تؤكد اهتمامه بالمجال الأدبي والإعلامي والاتصالي بوضوح، واهتمامه بالجانب الأدبي لترسيخ الوحدة الوطنية، وتكريم الأدباء والشعراء مع اهتمامه بنقد الشعر وتقويمه وطباعته ونشره. وعرض بعض الأنماط الاتصالية في عهد الملك عبدالعزيز وتطورها بعده. كذلك تلخيص دور الأنماط الاتصالية في تحقيق الوحدة الوطنية.
وعرض لأهم سمات وخصائص الخطاب الإعلامي الداعم للوحدة الوطنية أيضًا ثم ذكر دور الملك عبدالعزيز في الاهتمام بمجال الخطاب الإعلامي الذي يسعى لتحقيق ودعم الوحدة الوطنية مع عرض بعض النصوص في ذلك. وبيان علاقة الأدب والإعلام بقضايا وموضوعات الوحدة الوطنية.
وفي وقائع الجلسة الرابعة عشرة التي انطلقت بعد الظهر والتي ترأسها سعادة الأستاذ الدكتور محمد بن عبدالمحسن التويجري والتي شارك فيها أ. د محمد أمين أستاذ دكتور في جامعة مولاي سليمان -المملكة المغربية- بورقة بحثية بعنوان (الملك عبدالعزيز والحركة الوطنية السورية من خلال الوثائق الفرنسية(1930-1935م) والذي تحدث في هذا البحث عن بعض التقارير والمراسلات التي تمت بين إدارة الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان ووزارة الخارجية الفرنسية في باريس، فيما بين عامي 1930 و1935م، في موضوع العلاقات التي كانت قائمة بين الملك عبدالعزيز ورجال الحركة الوطنية السورية.
وتعكس هذه الوثائق مدى انشغال الملك عبدالعزيز وعنايته بقضايا الأمة العربية خلال مرحلة الهيمنة الاستعمارية الأوروبية، حيث تُبرز جوانب مضيئة من دبلوماسيته وسياسته الخارجية تجاه القضية السورية. وقد أولت إدارة الاحتلال الفرنسي عناية خاصة بتلك الروابط، فرصدت تحركات وأنشطة مبعوثي الملك عبدالعزيز وممثليه في سوريا واتصالاتهم بالوطنيين السوريين.
كما أنها تتبعت، من خلال بعض التقارير والبرقيات التي أرسلتها القنصلية الفرنسية في جدة، تنقلات الوطنيين السوريين وسفرهم إلى المملكة العربية السعودية ولقائهم بالملك عبدالعزيز.
ولم تكن تلك التقارير والبرقيات مجرد أوعية جمعت المعلومات والأخبار المتفرقة، بل تضمنت تحاليل ونقاشات حاول فيها أصحابها فهم خلفيات وأبعاد ما كان يجري من اتصالات، ونقل صورة كل ذلك إلى الإدارة المركزية في باريس.
ومما لاشك فيه أن ذلك الرصد أسهم في رسم السياسة الفرنسية المعتمدة حيال المعارضة السورية، التي أصبحت أكثر نشاطا وأحسن تنظيماً، في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين.
كما شارك في إثراء محاور الجلسة الرابعة عشرة أ. د. محمد جولرز (أستاذ ورئيس قسم الدراسات الغرب آسيوية بجامعة عليكره الإسلامية في الهند) وقد كان البحث بعنوان (إحياء المعتقدات الدينية في المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبدالعزيز وأثرها على حركة الحرية في الهند).
ويتلخص هذا البحث العلاقات التاريخية بين الهند والسعودية وتتخطى الاعتبارات الإستراتيجية والاقتصادية، ثم ذكر الباحث أنه عندما وحد الملك عبدالعزيز آل سعود الجزيرة العربية عام 1932م وأسس المملكة العربية السعودية،كانت الهند من أوائل الدول التي أقامت علاقات مع الدولة السعودية الثالثة.
كما قامت الهند بتمويل نجد بإعانات مالية ضخمة وذلك خلال الثلاثينات من القرن التاسع عشر الميلادي. أظهرت الأحداث التاريخية أثر المعتقدات العربية الإسلامية على العالم الإسلامي الهندي، حيث كانت الحركة السلفية جزءًا من صراع الحرية الهندي والذي كان يُشكل تهديدًا حقيقيًا للسيادة البريطانية في الهند في القرن التاسع عشر الميلادي.
وقد تولى قيادة هذه الحركة سيد أحمد بريلوي (1786-1831م)، الذي تأثركثيرا ًبمذهب المصلح الإسلامي الشيخ محمد بن عبدالوهاب وبمواعظ ولي دلهي الشاه ولي الله في القرن الثامن عشر الميلادي (1703-1762)، حيث كان الشاه ولي الله منغمساً أثناء إقامته في الحجاز في دراسة المذهب الحنبلي الذي كان شائعاً هناك آنذاك، كما عاصر ولي دلهي الشاه ولي الله قبيله الشيخ محمد بن عبدالوهاب حيث تتلمذا على أيدي العلماء ذاتهم في مدن الإسلام المقدسة.
ثم أكد أن حركة سيد كانت بمثابة التتويج العملي لفكر الشاه ولي الله الديني السياسي، والتي كانت في الأساس حركة ولي الله؛ إذ أن قائدها سيد أحمد بريلوي كان تلميذًا للعالِم الرباني والخليفة الشاه عبدالعزيز الذي انضم لجماعته عام 1807م.
ولا حاجة لقول إن المذهب الحنبلي هو الذي وضع الأساس العقائدي لقوات الاستقلال والعدالة الاجتماعية والإصلاح في الهند، حيث ترك أثراً بالغًا في عقول الكثير من المسلمين الذين تبنِّوا منهجه في محاربة الظلم والاضطهاد الواقع عليهم من السلطة البريطانية.
وجدير بالذكر أن الحركة العسكرية على صادق بور والتي كانت بقيادة سيد أحمد بريلوي والمولى عنايات علي وولايات علي لاحقاً حتى مطلع عام 1857م هدفت إلى تأسيس حكومة إسلامية نقية قائمة على المنهج السلفي ومن ثم تهيئة المسلمين لتحرير الهند من الحكم البريطاني أو الحركة الفرائضية لضمان حقوق الأراضي للفلاحين. كما تجدر الإشارة إلى عدد من الشخصيات البارزة مثل تيتو مير الذي حارب ضد الاستعمار البريطاني في غرب البنغال ومدرسة صادق بور لتحرير الهند من الحكم البريطاني خلال القرن التاسع عشر الميلادي. وبعد سقوط الخلافة في عام 1924م على يد مصطفى كمال، دعم الهنود المسلمين ابن سعود للاستيلاء على الحجاز ضد محاولة بريطانيا لتنصيب الشريف حسين خليفةً للإسلام.
وكان الخلفاء في الحقيقة هم المقاتلون في سبيل الحرية بالرغم من تدهور حركة الخلافة نظرياً، إلا أنها كانت في الأساس حركة سياسية؛ إذ أثبتت الأحداث التالية ذلك. وقد أحدث النضال ضد الاستعمار في كلٍ من العالم العربي والهند رابطةً جديدةً من الوحدة واليقظة، إذ إن هذا النضال ضد الأعداء المعروفين كان سبباً في التقريب بين هاتين الأمتين والذي يستحق دراسته بالتفصيل ثم ختم البحث بأهمية تلك التقارير والمراسلات عموماً المكانة التي كانت للملك عبدالعزيز خلال تلك المرحلة الحرجة من تاريخ الشرق العربي، ومدى توجس فرنسا من أبعاد سياسته تجاه القضايا العربية والإسلامية، وخوفها من تقديمه أي دعم للوطنيين أو أن يكون وقوفه إلى جنبهم مصدر إلهام لهم لتحقيق استقلال وحرية بلادهم.
تحدث كذلك د. أرويعي محمد علي قناوي من جامعة بنغازي -ليبيا- وشارك بورقة عنوانها (الملك عبدالعزيز بن سعود وجهاد الشعب الليبي ضد الاحتلال الإيطالي 1329 -1370هـ - 1911 -1951م) حيث عد الملك عبدالعزيز بن سعود علماً من أعلام التاريخ الإنساني بما تركه من قيم وإنجازات حضارية محلياً وعربياً ودولياً فعلى الصعيد العربي وقف الملك عبدالعزيز إلى جانب الليبيين عندما تعرضت بلادهم للاحتلال الإيطالي سنة 1911، وقد تمثلت مواقفه تلك في إبداء استعداده للدفاع عن التراب الليبي بالرجال والسلاح والمال، واستقبل الزعماء الليبيين الفارين من بطش الاحتلال الإيطالي فأكرم وفادتهم واتخذ منهم مستشارين وموظفين وقادة عسكريين ودافع عن القضية الليبية في لقاءاته واجتماعاته بالزعماء العرب ورؤساء الدول الأجنبية وأصدر توجيهاته إلى مندوبيه في المنظمات الإقليمية والدولية بنصرة الشعب الليبي المظلوم وكانت لمواقفه الشريفة أثرها في حصول الشعب الليبي على استقلاله.
وكان الختام مع أ. نورة بنت إبراهيم الحويطي وتطرقت في بحثها المقدم بعنوان (مفاوضات قيام جامعة الدول العربية وموقف الملك عبدالعزيز منها) والتي أوضحت فيه أن الملك عبدالعزيز هو صاحب الفكرة الأولى لقيام الوحدة العربية.
كانت أهداف الملك عبدالعزيز من إنشاء أي تجمع عربي تختلف عن أهداف الزعماء الآخرين من الحكام العرب, حيث كان يهدف إلى إنشاء وحدة عربية تقوم على أسس إسلامية, وليس على مفهوم القومية العربية الصرفة, التي كانت شائعة في تلك الفترة,كما أن الملك عبدالعزيز يختلف عن الآخرين بأنه لم يكن يريد أي منفعة خاصة لنفسه أو بلده من وراء إنشاء تلك الوحدة, بل كان يهدف إلى الحفاظ على كيان الأمة العربية, وعقيدتها واستقلالها. فقد دعاهم إلى أن يتحدوا في هذا الوقت, خاصة أن الأمة الإسلامية تواجه سلسلة من التغيرات السياسية الهامة.
فالمملكة العربية السعودية كانت وما تزال حريصة على تأييد أي تجمع عربي يهدف إلى رقي الأمة والمحافظة على الهوية العربية والإسلامية في إطار العقيدة والأخوة وتنمية التعاون بين الدول العربية والحفاظ على استقلالها وسعت إلى وضع فكرة الجامعة العربية موضع التنفيذ لكن على أسس متينة ومبادئ راسخة.