المدينة المنورة - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد فضيلة رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة المدينة المنورة الدكتور علي بن سليمان العبيد أن انتشار المدارس النموذجية، ووجود البرامج والتجهيزات الإلكترونية دور بارز في جعل العملية التعليمية سهلة وميسرة في نبوغ الطلاب وتميزهم.
وقال الدكتور علي العبيد في حواره مع «الجزيرة»: إن نشوء الجمعيات الخيرية وتوسع دائرة خدمات مؤسسات المجتمع المدني يُعد ظاهرة صحية لأي مجتمع، مشيراً إلى أن ما تعيشه بعض الجمعيات يتطلب أهمية إعادة النظر في السياسات الإجرائية لها سواء في الأنظمة الإدارية أو المالية وغيرها.
وكشف الدكتور العبيد أن جمعية المدينة المنورة تبنت طرح برنامج الاستفادة من الخدمات الإلكترونية والأنظمة الحاسوبية في تحصيل مبالغ مالية لصالح جمعيات تحفيظ القرآن الكريم.
كما تناول الحوار مع فضيلته عدداً من المحاور الرئيسة لمناشط جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالمدينة المنورة.. وفيما يلي نص الحوار:
* ما عدد الملتحقين بالجمعية؟
- عدد الدارسين والدارسات بمنطقة المدينة المنورة (50.030) طالباً وطالبة، وعدد الذين أتموا حفظ كتاب الله تعالى بالجمعية بالمدينة المنورة هو (4633) حافظاً وحافظة ولله الحمد.
* ما أبرز ما عملته الجمعية من خطوات لتطوير الأداء وطرق الحفظ والتدريس؟
- تولي الجمعية أمر تطوير الأداء التعليمي عنايةً خاصة من خلال ما تنفذه من لقاءات وبرامج ودورات هدفها بحث جوانب التطوير الإداري والتعليمي في الجمعية، ومن ذلك: عقد دورات تأهيلية سنوية لا تقل فترتها عن ثلاثة أشهر (دورات إعداد المعلمين) و (دورات إعداد المعلمات) لتخريج دفعات جديدة من المعلمين والمعلمات لتلبية الطلب المتزايد لافتتاح الحلقات القرآنية، وذلك من خلال مركز الدورات بمبنى الإدارة العامة للجمعية بالنسبة للمعلمين، ومن خلال معهد إعداد المعلمات والذي خُصص له مبنى نموذجي، وإقامة الدورات التعليمية والتربوية المتخصصة الموجهة للمعلمين، وذلك لتنمية مهاراتهم وقدراتهم وإكسابهم مهارات جديدة في تعليم القرآن الكريم على أيدي مدربين مهرة جمعوا بين الخبرة العلمية والعملية، والمشاركة في الملتقيات والبرامج الرامية إلى تطوير الأداء التعليمي، وتنفيذ برامج رقابية من خلال قسم التوجيه لمتابعة الأداء التعليمي للمدرس، وعقد المسابقات القرآنية والاختبارات السنوية، وتخصيص فصول نموذجية للطلاب المتقنين وفق برامج خاصة لها مع تخصيص حوافز مادية ومعنوية للمعلمين والمعلمات والدارسين والدارسات في هذه الفصول.
* ما الفرق بين طرق التحفيظ القديمة والحالية، وهل هناك تأثير على استيعاب الطلاب؟
- كان التعليم محصوراً في الكتاتيب وحلقات المساجد التي كانت تلقن القرآن الكريم وبعض العلوم الشرعية واللغة العربية بطرق مبسطة هي نتاج تلك المجتمعات البسيطة في تعاملاتها وإمكاناتها معتمدةً على عنصر التلقين المباشر والكتابة على الألواح الخشبية, تطور ذلك مع القفزات الكبرى التي حظيت بها جميع نواحي الحياة ومنها العملية التعليمية فكان انتشار المدارس النموذجية وتوفر المصاحف المطبوعة بأحجام مختلفة في حللٍ قشيبة.. كما كان لوجود البرامج والتجهيزات الإلكترونية دور بارز في جعل العملية التعليمية سهلةً وميسرة ساهمت في نبوغ الطلاب وتميزهم ليحققوا معدلات متميزة من الأداء في المسابقات القرآنية المختلفة.
* ما الوقت الملائم للتحفيظ في المسجد للطلاب والمدرسين؟
- يعدُّ التحفيظ في المساجد مما يجتمع فيه شرف المكان وعظمة العمل والمتمثل بتلاوة القرآن العظيم كلام الله سبحانه وتعالى في بيت من بيوت الله، وتُعد فترة ما بعد العصر أكثر الأوقات ملاءمةً للتحفيظ وبخاصة بعد أن يأخذ الطالب ومدرسه وقتاً كافياً للراحة والقيلولة بعد عودة الطلاب من مدارس التعليم العام، والذي يتميز باعتدال درجة الحرارة ومناسبة الفترة زمنياً إذ تمتد لمدة ساعة، وقد تزيد عن الساعة ونصف الساعة في بعض الأماكن، وفي أزمنة دون أزمنة بحسب فصل الصيف والشتاء، لكن ينبغي عندما يكون الوقت طويلاً أن يتخلل فترة التحفيظ فترة استراحة حتى لا يمل الطالب وينفر من الحلقة، وعند الحاجة تمتد بعض الحلقات بطلاب آخرين لفترة ما بين صلاتي المغرب والعشاء.. ولكن عند النظر من زاوية أخرى نجد في الحقيقة أن أنسب وقت لقراءة القرآن الكريم وحفظه هي فترة ما بعد صلاة الفجر، وذلك لصفاء الجسم وراحة البدن مصداقاً لقول الحق سبحانه وتعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}.
* كيف ترون معدل الإقبال السنوي على حلق التحفيظ بالمملكة؟
- إنّ من فضل الله سبحانه وتعالى على هذه البلاد المباركة أن هيأ لها قادة خير وصلاح اتخذوا القرآن دستور حياة ومنهج خير ورشد وجعلوا خدمته والعناية به سمةً لهذا الكيان المبارك، فكانت العنايةُ متنوعة وكان العطاء عظيماً، كل هذا وغيرِه أوجد وعياً في أوساط المجتمع بما للقرآن الكريم من دور عظيم في تربية النفوس وتهذيبها وسعادتها في الدنيا والآخرة، وكان من نتاج ذلك ما يراه الجميع من إقبالٍ متميز على حلقات ومدارس تحفيظ القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية.
* هل معدّل الإقبال من الفتيات أعلى من الذكور؟ ولماذا؟
- مما يُلاحظ وجود ارتفاع وزيادة في أعداد الطالبات مقارنةً بأعداد الطلاب في حلقات مدارس تحفيظ القرآن الكريم، وهو وإن كان معدلاً طبيعياً في ظل وجود فترات زمنية من الوقت تسعى المرأة لاستثمارها بما يعود عليها بالنفع والفائدة، إلا أن التحاقها بمدارس تحفيظ القرآن الكريم يُعد كذلك مؤشر خيرٍ، وذلك لما تمثله المرأة من دور بارز في المجتمع حيثما كانت وأينما حلّت أماً ومربيةً ومعلمةً وموظفةً، مما يعود على الأسرة والمجتمع تربيةً وسلوكاً وسعادةً، كيف لا وربة المنزل تنهل من هذا المعين الصافي فتسعَد وتُسعِد.
* كيف يمكن سد العجز المالي في الجمعيات؟
- مما لا شك فيه أن نشوء الجمعيات الخيرية وتوسع دائرة خدمات مؤسسات المجتمع المدني يُعد ظاهرة صحية لأي مجتمع، ومن ذلك ما تشهده بلادنا المباركة من توسع كبير في عدد الجمعيات بشكل عام والجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بشكل خاص والتي تربو على (160) جمعية في المملكة تؤدي هذه الرسالة العظيمة وفق ما يتوفر لها من إمكانات مالية وبشرية، وإن الناظر في ما تعيشه بعض الجمعيات يرى أهمية إعادة النظر في السياسات الإجرائية في الجمعيات سواءً في أنظمة التوظيف المتخصص للكوادر المالية المتميزة أو البرامج والمشاريع التنفيذية الخاصة بتنمية الموارد والتي تقدمها عدد من بيوت الخبرة، ومن خلال دراسة البيئات التي تعمل فيها كل جمعية واستشراف الفرص الاستثمارية فيها والسعي لمحاكاة الشركات في الجوانب الاستثمارية وإيجاد لجان تطوعية فاعلة لتنمية الموارد مع الاستفادة مما تقدمه الجهات المانحة.
* تأهيل المدرسين والمشرفين على التحفيظ بات أمراً ضرورياً، فما خطتكم في ذلك؟
- يُعد معلم القرآن الكريم حجر الزاوية في العملية التعليمية والتربوية والذي من أجله أقيمت هذه الجمعيات المباركة من هنا تأتي أهمية العناية به وتأهيله لتحقيق أهم معايير الأداء للجمعية، وقد حرصت الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة المدينة المنورة ومنذ وقت مبكر على العناية بالمعلم بدءاً من المقابلة الشخصية والحرص أن يكون المتقدم للتدريس صاحب خبرات علمية وعملية مناسبة ، مروراً إلى الدورة الإلزامية لكل معلمي الجمعية وهي: (دورة إعداد المعلمين) وصولاً إلى الدورات شبه الدورية لمعلمي الجمعية لتزويد المعلم بما يحتاج إليه من علوم ومعارف ومهارات، وهناك برنامج متابعة دقيق من خلال قسم التوجيه والزيارات المستمرة للحلقات من قبل موجهين تعليميين ومراقبين إداريين لضبط العملية التعليمية، كما يتم تزويد المعلم بكل جديد في هذا الجانب من خلال التعاميم الداخلية ورسائل الجوال.
* التحفيز للالتحاق بالحلق القرآنية أمر ضروري، ولكن ضعف الإمكانات يحول دون ذلك.. ما رأيكم؟
- لا يخفى على الجميع أهمية التحفيز بشقيه المعنوي والمادي في دفع دفة المسيرة التعليمية بالنسبة للطالب والمعلٍّم وزيادة العطاء والإنتاجية.. وربطه بضعف الإمكانات هو من وجهة نظري ضعف في التخطيط إذ إن المستعرض للجوانب المتعددة من الحوافز يرى فيها التنوع الكبير الذي يتناسب في كثيرٍ من جزئياته مع وضع جميع الجهات عند استغلاله الاستغلال الأمثل ، إذ إن القرآن الكريم وارتباطه بحياة الفرد المسلم يُعد أكبر حافز معنوي لطالبه يحتاج إلى إبرازه وعرضه وتقديمه بقوالب دعوية وإعلامية متميزة ، كما يأتي دور الحوافز المادية كمطلب مهم لزيادة الإنتاجية وتصحيح مسار الهمة لدى الطلاب والطالبات بإعطائهم دفعة قوية نحو المواظبة والتميز في الحلقات، ويمكن عمل آلية مناسبة للاستغلال الأمثل للموارد المخصصة لذلك وتفعيل دور الحي والقطاع الخاص والجهات المانحة في دعم مثل هذه الجوانب المباركة.
* سعودة حلقات التحفيظ والبحث عن مدرسين سعوديين هل ما زال مشكلة؟
- دأبت الجمعية منذ فترة طويلة على استقطاب المعلم السعودي وبذلت ما تستطيع من خلال زيادة مكافآت المعلم السعودي بما يقارب ضعف ما يحصل عليه المعلم المقيم وتخفيف اشتراط حفظ القرآن الكريم كاملاً إلى حفظ عشرة أجزاء، مع تقديم قبولهم في الدورات التأهيلية السنوية على غيرهم.. كما أقامت الجمعية دورات خاصة لهم وخففت الشروط إلى أدنى الكمال ومع ذلك تبقى هناك حاجة للمزيد من الدعم لهذا الجانب ونحن سائرون للتغلب على هذه المشكلة بمشيئة الله تعالى.
* هناك من يصر على اتهام الحلق القرآنية بتفريخ متشددين.. كيف تردون على هذا الاتهام؟
- هذا اتهام باطل ، فكثير من أبناء هذا الوطن المبارك ممن يتولون أعلى المراتب هم من خريجي هذه الجمعيات المباركة وقد امتازوا بالوسطية والاعتدال.. ومن يتهم الحلقات فهو في الحقيقة يتهجم على ما يقدم للطالب في هذه الحلقات المتمثل في لب عملها وهو تعليم القرآن العظيم، ذلكم الدستور العظيم الذي قامت عليه السموات والأرض ونشأت عليه هذه الدولة المباركة ونهل من معينه الصافي ولاة أمرها.
* أُنشئ مؤخراً ما يُسمى بالصندوق الخيري للجمعيات؟.. ما رؤيتكم حيال تطويره؟.. ووضع بعض المشروعات الأخرى التي تعود بالنفع والفائدة على الجمعيات؟
- تبنت الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة المدينة المنورة طرح برنامج الاستفادة من الخدمات الإلكترونية والأنظمة الحاسوبية في تحصيل مبالغ مالية لصالح جمعيات تحفيظ القرآن بدءاً بتفعيل برنامج الصدقة الإلكترونية وصولاً إلى محاولة الاستفادة من نظام سداد للمدفوعات.. وقد عرضت الجمعية رؤيتها التطويرية من خلال تنفيذ عدد من اللقاءات وورش العمل التي استضافتها الجمعية في المدينة.
ونرى أهمية طرح مثل هذه المبادرات المتميزة وإعادة تفعيل ملتقى الجمعيات والتبادل المعرفي المتخصص بين جمعياتنا وبناء المشاريع والبرامج المشتركة لتشابه الأداء والبرامج والتوسع في مجال النشر والعمل الإعلامي.