كتب - حمد حميد الرشيدي:
(لوحة سليمان) هي رواية صدرت مؤخراً عن (الدار العربية للعلوم - ناشرون) ببيروت للكاتب السعودي - محمد عبد الله بن دايل العام المنصرم 2014م ببيروت.
وأعتقد أن هذه الرواية تنتمي إلى (أدب السيرة الذاتية) في كثير من الجوانب التي تناولتها.
يُؤكد ذلك اعتماد الكاتب - بشكل واضح - على تدوين أحداثها مؤرخة بالزمان ومحددة بالمكان، حيث نجد أن الكاتب لم يغفل أهمية هذين العنصرين من عناصر (الأدب الواقعي) أو ما يُعرف بـ (أدب السيرة الذاتية)، بل ظل متمسكاً في (الزمكان) طيلة امتداد صفحات هذه الرواية البالغة نحو 150 صفحة من الحجم المتوسط.
وما دام أن الأحداث والوقائع يتم تأريخها زماناً وتحديدها مكاناً, إذن فهي أقرب للواقعية التي تكون أكثر مناسبة لاحتواء السيرة الذاتية من غيرها من الألوان الأخرى للأدب.. عموماً.. جاءت الرواية بأحداثها ووقائعها وشخوصها وأزمنتها وأمكنتها خليطاً من الواقع والخيال، وإن كانت (الواقعية) تحتل المساحة الأكبر من صفحاتها، غير أن الكاتب تعمد (تطعيم) كثير من مشاهدها بالخيال والتحليق في فضاء (التخييل) واستثمار هذا العنصر التشويقي الذي يعتمد فلسفة الحدث الحقيقي المجرّد ليحيله من حقيقته الجادة الجامدة إلى صور حيوية، ذات قيم فنية أو جمالية.
وليس من المهم هنا - بالنسبة إلينا نحن كقراء على الأقل - مصداقية هذا الحدث أو ذاك من عدمه، أو مدى حقيقته، لكون التذوق الأدبي يهمه (الصدق الفني) للنص، وربما لا يهتم إطلاقاً بمدى واقعيته من عدمها.
ويبدو لقارئ الرواية أن كاتبها من ذلك النوع من الناس الذين يتأثرون كثيراً بما يقرؤونه أو يشاهدونه، وبما يدور حولهم من أحداث الحياة اليومية.
أي أن وجود مثل هذه الخاصية في شخصية الكاتب, وتأثيرها عليه كانت بمثابة (محفّز) أو (محرّض) نفسي داخلي مسبق في (اللا شعور) ظل يلح عليه فترة من الزمن لكتابة هذه الرواية.
وهذا يفسره لنا قول الكاتب في أحد المواضع من (الفصل الأول) للرواية:
(شغفي بالكتابة وقراءة الروايات جعلت الفكرة التي بادرتني في تلك اللحظة ترجمة في عرض وهو كتابة ما ذكره على شكل رواية بغض النظر عن صدق أو كذب القصة ولكن المادة جداً مناسبة)
ثم إن اعتماد الكاتب على شيء من المرجعيات أو المصادر العلمية التي استند إليها، والتي قام بتدوينها في الصفحة الأخيرة من الرواية تحت مسمى (المراجع) قد أضفى على عمله جانباً علمياً, جعله يتجاوز إطار تصنيفه بـ (أدب السيرة الذاتية) ليكون نوعاً من الإبداع متعدد الأجناس، الذي يجمع فيما بين الأدب والعلم والفن والتاريخ في وقت واحد، سواء كانت هذه المصادر (ورقية) مكتوبة مثل: كتب (قصص الأنبياء) وتفسير (ابن عباس) وتفسير الإمام (البغوي) وغيرها من كتب التراث الإسلامي, أو كانت (إلكترونية) مثل الموسوعات العلمية (الإنترنتية) أو (الويكيبيديا).
وهذا يؤكده قول الكاتب في المقدمة أو التمهيد الذي وضعه لعمله: (كان في مخيلتي أن القصة لن تحظى بالمصداقية عند طرحها لعدة أسباب، ومن هنا بدأت خطوة جادة في البحث عبر الشبكة العنكبوتية وعن جميع ما يخص النبي سليمان وبلقيس وسلالة النبي سليمان...)
وتتلخص قصة هذه الرواية - باختصار شديد - في عثور الشخصية الرئيسة أو المحورية في الرواية نفسها على (لوحة تشكيلية) لدى أحد الأشخاص (الأفارقة) لها طابع أثري وصناعي وإبداعي وديني خاص، وهي لوحة قديمة وعريقة جداً، يُقدّر عمرها بحوالي 3000 سنة، وتُقدر قيمتها بملايين الدولارات.
ويعتقد البعض أن هذه اللوحة كان قد أهداها سيدنا (سليمان) عليه السلام إلى الملكة (بلقيس).
ويورد الكاتب أثناء سرده لأحداث الرواية بالتفصيل أن مالك هذه اللوحة قد باعها لشخص ثري جداً، لكن هذا الشخص الثري الذي انتقلت إليه ملكية اللوحة عندما اشتراها من مالكها الأصلي قد اكتشف فيما بعد أنها كانت لوحة مسروقة، مما جعل عقد البيع الذي تم بين المالك والمشتري باطلاً شرعاً أو قانوناً.. وهذا - بدوره - ما جعل الأمر يتعقّد بحيث تتحوّل المسألة إلى قضية كبرى في أروقة المحاكم ولدى الجهات القضائية للفصل في موضوع هذه اللوحة.
خاتمة:
الرواية - بشكل عام - جميلة وفكرة قيامها على تعدد الأجناس الأدبية وتقاطعها مع العلم والأدب والفن والتاريخ، واتّسامها بالخلط بين هذه العوالم وتمازجها إنما هي فكرة طريفة، وغير مسبوقة، مع أنها لا تخلو - في الوقت نفسه - من كثير من الأخطاء المطبعية واللغوية التي فات على كاتبها استدراكها وتصحيحها قبل الطباعة.
هذا مع العلم أن الكاتب - نفسه - قد شدد على أهمية الجانب اللغوي في عمله هذا، كما أشار إليه في المقدمة بقوله:
(وكانت المعطيات إجابات مقتضبة مختصرة اضطر إلى إعادة ترميمها والإضافة عليها ومحاولة طرحها بأسلوب فصيح بعيداً عن العامية...).