جابر شاب أسمر اللون مفتول العضلات مرن الجسم، لا تصلح الأعياد إلا به، ولا تقوم المناسبات إلا بوجوده، ولا يسمى الناس الرقص رقصا إلا إذا صدر منه، حين يرقص، تتراقص خيوط الشمس، وأذرعة السحب، وأغصان الأشجار.
حين يرقص ترتفع أصوات الطيور بالشقشقة، وتصهل الخيول، وحين يرقص يتحول الغبار المتطاير من تحت رجليه إلى بخور يستنشقه المتفرجون بنشوة، فتدب فيهم رغبة الرقص على الواقف، وتتحول أجزاؤهم العليا وهي تتهادى في الهواء إلى سيوف عرضة.
جابر هو السيف والعرضة والعزاوي، هو الفرح والرقص والنشوة، كان جابر إذا رقص لا يتوقف ولا يتعب، إلا إذا تعب الليل من الظلام، فيتفقان معا على التوقف، وحين يتوقف جابر والليل، يتوقف الناس، ويعودون لبيوتهم، يرددون الوالش منتشين.
وحين يعود جابر إلى بيته، يجد طفلتاه قد نامتا، وبقيت أمهما تنتظره، يسأل إن كان هناك طعام، فترد زوجته: لا حتى البنات نمن جائعات، وأنت تتمرقص مع الناس، ينام، وتنام، ويقوم في الصباح منطلقاً إلى السوق ليشتري فطوراً، وعلى الفطور تملأ الضحكات فضاء المنزل وجابر يصف لهم جمال ليلة البارحة.
جابر ذو الثلاثين ربيعاً كان كل ما يملكه: قلبا أبيض، وروحا متفائلة مرحة، وحب الناس له، وزوجته وطفلتيه.. وذلك القادم في الطريق في بطن أمه، وغرفتين متهالكتين بمنافعهما، وغير ذلك بضع رؤوس من الضأن، كلما احتاج باع رأسا منها.
ظل جابر محباً لزوجته روضة، ولا يتحمل زعلها، وكانت إذا ما غضبت منه فاجأها بـ(مسرّ - أو قطاعة) هدية، فتشرق ضحكتها على البيت سعادة ومحبة، ويوم أن ولدت المولود الثالث، رقص جابر كثيرا لروضة وهي تضحك، وذهب إلى السوق واشترى خمسة عقود فل، له ولزوجته ولطفلتيه وللضيف الجديد، وأصر أن يلبّس روضة عقد الفل بيده، ولبّسها فعلاً، أمام أمه وأمها وأخواته.
ضحكت وبكت روضة في نفس الوقت، فكان فمها يضحك وعيناها تبكي، كانت سعادتهم كبيرة، لأنها بسيطة وغير متكلفة، كانت أبسط الأشياء تمنحهم سعادة الدنيا كلها، وفي اليوم السابع قرر أصدقاء جابر ومحبوه إقامة احتفال (ختان) لابن جابر، وتجمع الأصدقاء ثم توالى حضور الناس.
وحينما بدأ الضارب يضرب، ظهر جابر متشحاً وزرته المخططة وسميجه النيلي، وممتشقاً جنبيته الشهيرة، فانتشى التراب، وبرقت الجنابي، وزمجرت الزلفة مرحبة بسيد الحفلة، ورقص جابر، حتى أنهك الليل، وزغردت روضة حتى سكن الليل، وانصرف الناس والأصدقاء، وأكمل جابر سهرة الرقص على زغاريد روضة وضحكات البنات.
- أحمد بن حسين الأعجم