الجزيرة - محمد السنيد:
بمناسبة عقد المؤتمر العالمي الثاني عن تاريخ الملك عبدالعزيز الذي سيعقد اليوم في رحاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.. يسر (الجزيرة) أن تستعرض بعضاً من مآثر المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه -.
حيث تحدث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله - في عدد من المناسبات الوطنية عن جوانب عرفها في المليك المؤسس حيث يقول:
«.. لم يكن المغفور له الملك عبد العزيز أباً لأبنائه فقط بل كان أباً لكل فرد من أفراد شعبه، وذلك بحسن معاملته وعطفه.
كان يراقب الله في جميع تصرفاته وأعماله، ويلجأ إليه في الملمات والكروب، ويسأله النصر والعون والتأييد.
كان شديد الغيرة لمحارم الله، وهيناً ليناً عند مقابلة الضعفاء، إلى جانب ذلك كان مؤمناً صادق الحس دائماً، شديد المراس، كما اشتهر بالعزم وعدم التردد، وخصوصاً في القضايا المصيرية.
كما تحدث صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء عن والده الملك عبدالعزيز -رحمه الله- قائلاً: (وأشرقت الجزيرة بوحدة أسطورية وملحمة أجبرت العالم على إجلالها، ملحمة أنجبت لهذا الوطن رجالاً رعوا وحدته وصانوا حدوده وبنوا مجده وعند إعلان وحدة المملكة وقيامها كان الاتجاه إلى حاجة الإنسان وحاجة الوطن له).
كما تحدث صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية عن المؤسس قائلاً: كم نحن سعداء والوطن قيادة وشعباً يحتفون بذكرى تأسيس هذا الكيان العظيم على يد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل - يرحمه الله - والكل يعيش في هذا العهد الزاهر نهضة تنموية شاملة في مختلف المجالات الاقتصادية، والسياسية، والأمنية، والاجتماعية، والتعليمية، والصحية، والثقافية، والإعلامية، وكافة مناحي الحياة وذلك بفضل الله وتوفيقه ثم بفضل المحافظة على المرتكزات الأساسية التي قامت عليها وحدة وتوحد هذه البلاد المباركة والتي تمثلت في تحكيم شريعة الإسلام في كافة شؤون الدولة منذ عهد المؤسس ـ يرحمه الله ـ وإلى عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين ـ أعزه الله ـ.
أما صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع، رئيس الديوان الملكي، عضو مجلس الوزراء المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين فقد كان له حديث عن الملك المؤسس قال فيه: كان الملك عبدالعزيز - رحمه الله- منذ الصغر الفتى المطيع لوالديه، انتظم عند الشيخ الخرجي للتعلّم ومحاكاة الرجال وهذا ما دفعه ليكون قريباً من والده، على علم بما يجري من أحداث، فكان أحد الثلاثة الذين انتدبهم والده لمفاوضة محمد بن رشيد، ولما وقع الجلاء على أسرته من الرياض ورأى ما حدث، وتحمّل شظف العيش بقوة وثبات ولم يكن الولد المدلل الذي يزعجه تبدل الحال وإنما كان مثالاً للصبر والطاعة مقدراً ظرف هذه المرحلة فكان عوناً لأبيه يتحمّل المسؤولية في غيابه.
وقد تم رصد تلك الأحاديث عن سيرة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- في كتاب «المؤسس في عيون أبنائه وأحفاده» الطبعة الثانية
وفيما يلي نص الأحاديث..
تحدث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله، بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة، في مناسبة افتتاح مؤتمر المملكة في مائة عام قائلاً:
«ونحن إذ نحتفل بعبد العزيز نحتفل به رمزاً لبناء وتوحيد هذه المملكة العربية التي هي أصل العرب في هذه الجزيرة العربية وهي مهبط الوحي ولذلك نرى أن الاحتفاء هذا ليس احتفاءً برجل فقط بل احتفاء بوحدة عربية وبدولة إسلامية في هذه البقعة الطاهرة المباركة».
الملك عبد العزيز استلهم نور الهداية
ولخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، رؤية أخرى حول استعادة الملك عبدالعزيز للعاصمة الرياض واستلهامه، رحمه الله، بنور الهداية حيث قال في مقال كتب بمجلة (أمانة مدينة الرياض): «لقد استلهم الملك عبد العزيز، رحمه الله، نور الهداية وإشراقات المجد من دولة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. وسار على نهجها في توحيد وبناء المملكة العربية السعودية، ثم حمل الأمانة من بعده باقتدار أبناؤه الملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد و(الملك عبدالله)..».
أب لكل فرد
وفي هذا الجزء يتحدث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عن جوانب عرفها في المليك المؤسس حيث يقول:
«.. لم يكن المغفور له الملك عبد العزيز أباً لأبنائه فقط بل كان أباً لكل فرد من أفراد شعبه، وذلك بحسن معاملته وعطفه.
كان يراقب الله في جميع تصرفاته وأعماله، ويلجأ إليه في الملمات والكروب، ويسأله النصر والعون والتأييد.
كان شديد الغـيرة لمحارم الله، وهينا لينا عند مقابلة الضعفاء، إلى جانب ذلك كان مؤمناً صادق الحس دائما، شديد المراس، كما اشتهر بالعزم وعدم التردد، وخصوصا في القضايا المصيرية.
وقد تمكن من إبقاء مملكته مستقلة عن نفوذ الدول الكبرى في وقت كانت أغلب البلدان تخضع فيه للاستعمار».
المؤسس والأمن
وكتب الملك سلمان حفظه الله في العدد الخامس من نشرة المئوية في 5 شوال 1419هـ عن جهود والده المؤسس في تأسيس مجتمع موحد يسوده الرخاء والاستقرار متمسك بالشريعة الإسلامية.
وقال: إن الإسلام أكبر نعمة أنعمها الله على الأمة، واستحضار هذه الحقيقة في كل عمل مخلص هو قمة الوعي بها، ومن ثم الدفاع عن مقوماتها. ولقد أدرك الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود - رحمه الله - عظمة هذه النعمة الإلهية، وعمل على تمثلها في نفسه، فجعل الإسلام نبراساً له في كل أعماله، وحقـق أهدافه السامية المتمثلة في التمسك بالعقيدة وتطبيق الشريعة الإسلامية والدفاع عنها ونشر الأمن وتأسيس مجتمع موحد يسوده الرخاء والاستقرار.
ولقد كان استرداد الملك عبد العزيز للرياض في الخامس من شهر شوال عام 1319هـ/ 1902م اللبنة الأولى في تأسيس المملكة العربية السعودية، في حين تعود جذور هذا التأسيس إلى مئتين واثنين وستين عاماً عندما تم اللقاء التاريخي بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله - عام 1157هـ/ 1744م فقامت بذلك الدولة السعودية الأولى على أساس الالتزام بمبادئ العقيدة الإسلامية، ثم جاءت الدولة السعودية الثانية التي سارت على الأسس والمبادئ ذاتها.
وعندما بدأ الملك عبد العزيز في مشروع البناء الحضاري لدولة قوية الأركان، كان يضع نصب عينيه السير على منهج آبائه، فـأسس دولة حديثة قوية، استطاعت أن تنشر الأمن في أرجائها المترامية الأطراف، وأن تحفظ حقوق الرعية، بفضل التمسك بكتاب الله - عز وجل - وبسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وامتد عطاؤها إلى معظم أرجاء العالمين العربي والإسلامي، وكان لها أثر بارز في السياسة الدولية بوجه عام، بسبب مواقفها العادلة والثابتة، وسعيها إلى السلام العالمي المبني على تحقيق العدل بين شعوب العالم. وجاءت عهود بنيه من بعده الملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد والملك عبدالله.
وفي الخامس من شهر شوال عام 1419هـ / 22 يناير 1999 شهد التاريخ مرور مائة عام على دخول الملك عبد العزيز - رحمه الله - الرياض وانطلاق تأسيس المملكة العربية السعودية، عبر جهود متواصلة من الكفاح والبناء، نقلت هذا الوطن وأبناءه من حال إلى حال. وصنعت بتوفيق - الله تعالى - وحدة حقيقية على أساس الإسلام، ملأت القلوب إيماناً وولاء، وجسدت معاني التلاحم التاريخي بين الشعب وقيادته في مسيرة تاريخية.
إن استحضار أحداث ذلك اليوم في نفوس أبناء المملكة عون على شكر الله على نعمه، وتذكير بأن هذه البلاد - التي قامت فيها الدعوة والدولة معا - لا تزال وفية لعهد أجيال التأسيس والتوحيد، مستمدة منهجها في الحياة من كتاب الله وسنة نبيه.
كلمة التوحيد هي الأساس
كما أوضح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أن كلمة التوحيد هي الأساس الذي قامت عليه هذه البلاد واتخذته شعاراً لها ومنهجاً لحياتها وأساساً لنظامها.
وقال: لقد أكد ذلك الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود حين دخل مدينة الرياض في الخامس من شوال سنة 1319هـ استمراراً للمنهج الذي سار عليه آباؤه وأجداده المستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأكد الملك سلمان حفظه الله خلال تقديمه لدليل مشاركات الجهات الحكومية بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية الذي أصدرته الأمانة العامة للاحتفال المئوي أكد أن فكرة الاحتفال جاءت تأكيداً لاستمرار المنهج القويم الذي سارت عليه المملكة والمبادئ السامية التي قامت عليها، رصداً لبعض الجهود المباركة التي قام بها المؤسس الملك عبد العزيز - رحمه الله - في سبيل توحيد المملكة عرفاناً لفضله ووفاء بحقه وتسجيلاً لإبراز المكاسب والإنجازات الوطنية التي تحققت في عهده وعهد أبنائه خلال المائة عام، والتعريف بها للأجيال القادمة.
المؤسس والتمسك بكتاب الله
وفي كلمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بمناسبة رعايته الحفل الختامي للمسابقة المحلية على جائزته، حفظه الله، لحفظ القرآن الكريم للبنين والبنات يوم 25 من ذي القعدة 1419هـ تحدث حفظه الله عن تمسك الملك عبد العزيز رحمه الله بكتاب الله وسنة رسوله في جمع الشمل وتوحيد هذه البلاد.
وقال: إن هذه الدولة التي قامت على الدعوة لكتاب الله وسنة رسوله هي الأجدر والأولى أن تحافظ على كتاب الله وسنة رسوله، ولقد يسر الله عز وجل لهذه الدولة مصلحاً كبيراً ألا وهو شيخنا الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وآزره وشد عضده الإمام محمد بن سعود فقامت هذه الدولة عام 1157هـ ولا تزال مستمرة والحمد لله وعندما قام الملك عبد العزيز رحمه الله وجمع الشمل ووحد البلاد بتوفيق من الله عز وجل وبسط الأمن فيها إنما أقامها في سبيل إيمانه بالله واعتماد كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين وما سار عليه سلف الأمة الصالح منهجاً ونظاماً يحتكم إليه في الأمور وجعل جل غايته إعلاء كلمة الله وتحكيم كتاب الله الكريم والدعوة إليه وإننا نحمد الله أن هذا المنهج هو السائد وما زالت حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني حفظهم الله تولى جل عنايتها واهتمامها لكتاب الله سواء بإنشاء مجمع لطباعته ونشره وتوزيعه أو إنشاء المدارس وجمعيا ت تحفيظ القرآن الكريم لغرض إقامة المجتمع المسلم للتحصن بكتاب الله الكريم وأخلاقه وآدابه وتعاليمه.
شباب الملك عبدالعزيز
وفي افتتاح ندوة «الجوانب الإنسانية والاجتماعية في تاريخ الملك عبدالعزيز - رحمه لله -»والتي افتتحها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وتدشينه لكرسي الأمير سلمان بن عبدالعزيز للدراسات التاريخية والحضارية للجزيرة العربية التي نظمتها جامعة الملك سعود بمقرها بالرياض بالتعاون مع دارة الملك عبدالعزيز يوم السبت 12 ربيع الأول 1433هـ الموافق 4 فبراير 2012م.
قال حفظه الله:... أمام شبابنا السعودي اليوم في جميع أنحاء البلاد نماذج في تاريخهم الوطني تبرز ما قام به أجدادهم وآباؤهم من إخلاص وأعمال وجهود أسهمت في توحيد البلاد وبنائها مع المؤسس الوالد الملك عبدالعزيز -رحمه الله -.
وفي شباب الملك عبدالعزيز دروس ومواقف تستحق التأمل والاقتداء؛ فلقد كان عبدالعزيز الشاب مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وباراً بوالديه حريصاً على أسرته وعلى مواطنيه، وملتزماً بمبادئ الدولة التي تأسست في الدرعية في منتصف القرن الثاني عشر الهجري على أساس الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة، وامتدت لتشمل ما نحن فيه اليوم ولله الحمد في المملكة العربية السعودية التي نص نظامها الأساسي للحكم على أنها دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنهما الحاكمان على جميع أنظمة الدولة، وأن الحكم فيها يقوم على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية.
كان طموحه وهدفه مُنصبّاً على استعادة تأسيس البلاد وتوحيدها ونشر الأمن والاستقرار فيها على أساس أجداده منذ وقت مبكر في حياته، وشارك وعمره لم يتجاوز الخمسة عشر عاما بأمر من والده في مفاوضات مهمة وحاسمة مع الذين كانوا يحاصرون الرياض.
ورغم أنه غادر الرياض مكرهاً مع أسرته في بداية شبابه لم يغفل عن بلاده ومواطنيه وتاريخ أسرته العريق، واعتمد على الله، ثم على رجاله المخلصين للعودة وجمع شتات الوطن والمواطنين تحت راية العدل والاستقرار.
قال حافظ وهبة: سمعت من بعض أصدقائي الكويتيين الذين عاصروا عبدالعزيز ورافقوه في طفولته أنه كان يفوقهم نشاطاً وذكاءً، وأنه كان يتزعمهم في الألعاب المألوفة لمن كان في سنه، وأنه كان يميل إلى سماع تاريخ أجداده من بعض الشيوخ المسنين.
وروى محمد بن بليهد أنه عندما كان فتيان الحي يتهيئون لتقسيم أنفسهم للعب كان كلهم ينادون: من أنا معه؟ بينما كان عبدالعزيز يقول: من معي؟ وفي هذا دلالة واضحة على الفطرة القيادية لديه في شبابه.
وعندما قرر الشاب عبدالعزيز استعادة الحكم في بلاده لم يكن تفكيره ينزع إلى المجازفة أو عدم التخطيط، بل فكر كثيراً وخطط وأدرك أهمية الحكمة والصبر في اتخاذ قرار مهم مثل هذا، بمشاركة المخلصين من أبناء وطنه معه والتشاور معهم.
فلقد حاول للمرة الأولى ولم ينجح، ورغم ذلك حاول للمرة الثانية ونجح في دخول الرياض والبدء في تأسيس المملكة العربية السعودية، وهدفه الأساس تأسيس دولة قائمة على العقيدة الإسلامية، كما كانت عليه الدولة السعودية والدولة الإسلامية الأولى وهذا ما نعيش فيه اليوم ولله الحمد.
تأملوا عباراته وهو يصف تلك الأحداث بقوله: فكرنا مع ربعنا فيما نعمل فاتفق الرأي على دخول الرياض فلربما حصلت لنا فرصة في قلعة (المصمك) نأخذها دون مواجهات تضر بالآخرين.
هذا هو منهج الشاب عبدالعزيز الممتلئ بالإيمان والحرص على الآخرين والصبر، وقصته لاسترداد الرياض هي قصة الشاب الذي تحمل مسؤوليته، وأجهد نفسه ومن معه من الرجال المخلصين للوصول إلى الهدف الأسمى وهو تأسيس هذه الدولة المباركة القائمة على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ومن منهجه المعروف العفو عن الآخرين حتى مع أشد خصومه الذين أصبحوا بسبب ذلك من أخلص رجالاته بسبب إنسانيته وهدفه السامي الذي يتجاوز حدوده الشخصية ليشمل الدولة ذات المبادئ الإسلامية ومصلحة المجتمع.
عرفت أنا وإخواني ونحن شباب أن والدنا المؤسس الملك عبدالعزيز كان يحرص على الشباب وقضاء أوقاتهم فيما ينفع وأداء الصلوات في أوقاتها حيث كان يحبس الواحد منا الذي يتأخر عن الصلاة معه في المسجد أو عن الدراسة في غرفة صغيرة داخل قصر المربع، تربينا على يد عبدالعزيز ونحن شباب على الالتزام بالدين، وحسن التعامل، والعمل بجد والصبر والإخلاص.
وللملك عبدالعزيز مواقف كثيرة شجع فيها الشباب من أبناء وطنه وحثهم على العمل وعدم الكسل. فقد أشار خير الدين الزركلي إلى أن أحد الشباب تقدم إلى الملك عبدالعزيز طالباً أن يعطيه بعض النقود مع بقية الفقراء والمساكين ولاحظ الملك أنه شاب قوي ونشط فسأله الملك: فيك مرض؟ فقال له الشاب: لا، فقال له: أنت شديد وشاب، اذهب إلى الأمير منصور وأدخل في الجيش.
أراد عبدالعزيز لهذا الشاب أن يتحمل مسؤوليته وليس عدم مساعدته، فعبدالعزيز عرف بإحسانه للجميع من المحتاجين من أبناء وطنه دون استثناء.
وخاطب الملك عبدالعزيز الشباب في وقته وهو يلتقي بهم ويحثهم على العمل المخلص، والابتعاد عن الأفكار الدخيلة. وفي أحد لقاءاته مع خريجي المعهد السعودي في مكة المكرمة ركز الملك عبدالعزيز على أهمية الشباب وعملهم، ونصحهم كثيراً لخشيته عليهم، وقال كما ورد في صحيفة أم القرى: أيها الأبناء إنكم أول ثمرة من غرسنا الذي غرسناه بالمعهد، فاعرفوا قدر ما تلقيتم فيه من العلم واعلموا أن العلم بلا عمل كشجرة بلا ثمر، وأن العلم كما يكون عوناً لصاحبه يكون عوناً عليه.
وحرص الملك عبدالعزيز على تذكير الشباب بأساس هذه البلاد حيث قال كما ورد في صحيفة أم القرى: «لقد ملكت هذه البلاد التي هي تحت سلطتي بالله ثم بالشيمة العربية وكل فرد من شعبي هو جندي وشرطي، وأنا أسير وإياهم كفرد واحد لا أفضل نفسي عليهم ولا أتبع في حكمهم غير ما هو صالح لهم حسبما جاء في كتاب الله وسنة رسوله».
هذه رؤية عبدالعزيز للشباب في حياته، رؤية مبنية على الثقة والتشجيع والتعاون، بل رؤية مبنية على فهم مبادئ الوطن ومصلحته. وشبابنا اليوم هم امتداد لأجدادهم ولآبائهم ولعبدالعزيز في حبهم لدينهم وبلادهم ووحدتهم وحرصهم على حسن المواطنة.
فأنتم أيها الشباب مثل أجدادكم وآبائكم الذين نفخر بهم والذين بنوا وأسسوا وشاركوا في تعزيز هذا الوطن، عليكم مسؤولية المحافظة على وطنكم ومبادئه بالعمل والصبر والتمسك بمكتسباته وتاريخه, وعدم التأثر بما يتناوله البعض من التشكيك ومحاولة التفرقة بين أبناء هذا الوطن وخاصة شبابه عبر الوسائل المختلفة.
نحن نفخر بكم أيها الشباب بنين وبنات كما نفخر بأجدادكم وآبائكم الذين أنتم امتداد لهم وعمق لهذا الوطن وتاريخ وطنكم وحاضركم اليوم هو جزء لا يتجزأ من مستقبلكم.
نهجنا يجمع ولا يفرق
وفي زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لمتحف قصر المصمك التاريخي بمدينة الرياض يوم السبت 26 ربيع الأول 1433هـ الموافق 18 فبراير 2012م.. قال حفظه الله: «إن هذا المكان بُدئ منه توحيد المملكة من خلال 63 فرداً، وجمع الشعب، وكونت الوحدة في هذه البلاد على كتاب الله وسنة رسوله، وهذا ولله الحمد توفيق من الله للملك عبدالعزيز ورجاله أن يوحدوا هذه البلاد، حتى أصبحت بلاداً موحدة تعتز بدينها وتعمل بكتاب الله وسنة رسوله».
وأضاف الملك سلمان: «ملوكنا منذ عهد الملك المؤسس، والملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد، والملك عبدالله - رحمهم الله ـ، على نهج أسلافهم ووالدهم، النهج الذي يجمع ولا يفرق، وهذه الدولة ولله الحمد يسهر ملوكها على مصالح شعبها، فالحمد لله ملوك متعاونون، وشعب متجاوب، وهذه نعمة من الله».
وحث الملك سلمان بن عبدالعزيز الشباب على قراءة تاريخ آبائهم، داعياً حفظه الله الشباب إلى زيارة معالم المملكة، وقال: «يجب على شبابنا أن يعرفوا كيف تكونت هذه الوحدة المبنية على العقيدة الإسلامية وحدة عربية إسلامية».
حديث سمو ولي العهد
كتب صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء عن والده المؤسس قائلاً: من منا لا يعرف عبد العزيز الفارس العظيم؟ ومن منا (ولو قيلا) قد جهل الوطن؟ وكيف أستطيع أن أصف مائة عام في (مقال) ولو كان مائة سطر؟!
قبلة المسلمين هي وطني ونية الملك عبد العزيز هي أنبل وأطهر نية بلا زيف ولا كذب... فبارك الله لعبد العزيز وبارك الله لوطني.. قد أسميها (انتفاضة) ضد الجهل والفقر والخوف؟.. لا.. أم أسميها ثورة؟.. لا.. أم (بركان)؟.. لا أدري.. ولكني أعلم يقيناً بأن الله قادر على كل شيء وما شاء فعل.
لست محتفلاً بما مضى ولست (خطيباً) أو (كاتباً) محترفاً عانقته المناسبة عناق الشمس للشروق ولكني محتفل لما (ينتظر أحفادنا) في مئات السنين القادمة فهل أنا محق في هذا الاحتفال؟
لغة الأرقام هي الأقوى، وهي الأصدق، فهل تحاججني بلغة الأرقام؟ وأسألك قبل أن تسألني (كماً ونوعاً) عن مقدار تناميها وشموليتها حتى أضحت كل بلادي مرتعاً لأضخم الأرقام.
أم نتحدث بصوت التاريخ فالتاريخ لا يكذب.. أم نسأل الفضاء عن سعودي طامح تعلم وزرع الصحراء.. وشيد المصانع والجامعات فغزا بطموحه الخصب الفضاء.
إن التأسيس الفتي الذي لا يهزم هو ما نعايشه في بلادنا ولله الحمد الآن وستنعم به كل الأجيال القادمة، وإلا ما معنى أن تمر مائة عام ومشاهد روح الانطلاقة ما زالت قوية في هذا التأسيس؟!
المؤسس رسم خربطة الجزيرة
من ناحية أخرى أكد صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز أن الذكرى المئوية للتأسيس مناسبة عظيمة وهي مناسبة لتذكر الملحمة البطولية والأسطورية التي قام بها الملك عبد العزيز رحمه الله ورجاله المخ لصون.
جاء ذلك لدى رعاية سموه يوم السبت 13 شوال 1419هـ الحفل الذي أقامته منطقة حائل - عندما كان سموه أميراً لها - بمناسبة الذكرى المئوية للتأسيس وذلك في مركز الأمير سلطان الحضاري للاحتفالات. وقال سموه: (مائة عام عطر الزمان إيقاعها برايات النصر بين عمق التاريخ أتى عبد العزيز محملاً بآمال جسام وطموحات عظام يرقب هامات المستقبل)، وأضاف سموه: (جاء المؤسس والجزيرة تقبع في غياهب الجهل وبؤر المرض وقهر الفقر.. جاء بيقين صادق بقدرة أبناء هذا الوطن على رسم خريطة جديدة لأرض الرسالات ومهبط الوحي).
ثم استطرد سموه قائلاً: (وأشرقت الجزيرة بوحدة أسطورية وملحمة أجبرت العالم على إجلالها ملحمة أنجبت لهذا الوطن رجالاً رعوا وحدته وصانوا حدوده وبنوا مجده وعند إعلان وحدة المملكة وقيامها كان الاتجاه إلى حاجة الإنسان وحاجة الوطن له).
حديث سمو ولي ولي العهد
صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية أكد أن ما تحقق من معطيات أمنية فريدة لهذه البلاد المباركة، هي مسؤولية كبيرة تتطلب بالضرورة التطوير المستمر في آليات وكفاءات المنظومة الأمنية وجهوزاً أمنياً متيقظاً لكل طارئ ومؤثراً على الأمن، والتعامل مع الأحداث والمتغيرات وفق متطلبات الموقف ومقتضيات المصلحة الوطنية ودواعي المحافظة على مسيرة التنمية والتطوير والنماء لهذا الوطن ومواطنيه.
جاء ذلك في كلمة لسموه بمناسبة ذكرى اليوم الوطني الثالث والثمانين للمملكة، فيما يلي نصها:
نحمد الله الذي أنعم علينا بنعمة الإيمان والأمان ووافر الاستقرار ومزيداً من التقدم والازدهار في وطن الوحدة والتلاحم الفريد.. وكم نحن سعداء والوطن قيادة وشعباً يحتفون بذكرى تأسيس هذا الكيان العظيم على يد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل - يرحمه الله - والكل يعيش في هذا العهد الزاهر نهضة تنموية شاملة في مختلف المجالات الاقتصادية، والسياسية، والأمنية، والاجتماعية، والتعليمية، والصحية، والثقافية، والإعلامية، وكافة مناحي الحياة وذلك بفضل الله وتوفيقه ثم بفضل المحافظة على المرتكزات الأساسية التي قامت عليها وحدة وتوحد هذه البلاد المباركة والتي تمثلت في تحكيم شريعة الإسلام في كافة شؤون الدولة منذ عهد المؤسس ـ يرحمه الله ـ وإلى عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين ـ أعزه الله ـ إلى جانب اهتمام القيادة الرشيدة بتوفير الحياة الكريمة للمواطنين ووضع الخطط التنموية والبرامج التطويرية لتحقيق ذلك مما جعل المملكة والحمد لله في مصاف الدول المتقدمة أمناً، واستقراراً، وتطوراً، ونماءً.
ولا شك أن من مرتكزات هذا التطور والازدهار هو توفر مناخ الأمن الأساس لأي تنمية والركيزة في كل جهد تجاه المحافظة على كل منجز يتحقق على أرض هذا الوطن الكريم.. ولذا عملت وزارة الداخلية بمختلف قطاعاتها في ظل توجيهات ودعم القيادة السامية على الأخذ بكل وسيلة تطويرية ممكنة للارتقاء بالأداء الأمني ليواكب متطلبات الاستقرار لهذا الوطن العزيز والوافدين إليه والمقيمين فيه والمحافظة على ما تحقق من معطيات أمنية فريدة لهذه البلاد المباركة وهي مسؤولية كبيرة تتطلب بالضرورة تطويراً مستمراً في آليات وكفاءات المنظومة الأمنية وجهوزاً أمنياً متيقظاً لكل طارئ ولكل مؤثر على الأمن والتعامل مع الأحداث والمتغيرات وفق متطلبات الموقف ومقتضيات المصلحة الوطنية ودواعي المحافظة على مسيرة التنمية والتطوير والنماء لهذا الوطن ومواطنيه في كافة مناحي الحياة.
مؤكداً سموه على ما تحظى به وزارة الداخلية وقطاعاتها المختلفة من دعم ورعاية كريمة مما مكنها والحمد لله من أداء مهمات عملها ورسالتها النبيلة بكل كفاءة واقتدار، سائلاً الله العلي القدير أن يحفظ لهذا الوطن ومواطنيه أمنهم واستقرارهم في ظل رعاية واهتمام القيادة الرشيدة، وأن يعيد علينا هذه المناسبة الكريمة باليمن والتوفيق والسداد إنه ولي ذلك والقادر عليه.
حديث الأمير محمد بن سلمان
أما صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع، رئيس الديوان الملكي، عضو مجلس الوزراء المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين فقد كان له حديث عن الملك المؤسس قال فيه:
الحديث عن الملك عبدالعزيز - طيّب الله ثراه - يستغرق كتباً ومجلدات عظيمة، والجوانب التي كتب فيها المؤرخون للملك عبدالعزيز متعددة، ولكل جانب من هذه الجوانب أهميته الخاصة، وقد ورد في ثنايا كتاباتهم أشياء كثيرة عن بر الملك عبدالعزيز -رحمه الله - بوالديه، وهو جانب مهم في حياته جدير بأن يتناوله بعض المؤرّخين والمربين ويتتبعه في مظانه ويجمعه ويخرجه إلى الناس في كتاب مستقل لما في ذلك من فوائد جليلة.
كان الملك عبدالعزيز - رحمه الله- منذ الصغر الفتى المطيع لوالديه، انتظم عند الشيخ الخرجي للتعلّم ومحاكاة الرجال وهذا ما دفعه ليكون قريباً من والده، على علم بما يجري من أحداث، فكان أحد الثلاثة الذين انتدبهم والده لمفاوضة محمد بن رشيد، ولما وقع الجلاء على أسرته من الرياض ورأى ما حدث، وتحمّل شظف العيش بقوة وثبات ولم يكن الولد المدلل الذي يزعجه تبدل الحال وإنما كان مثالاً للصبر والطاعة مقدراً ظرف هذه المرحلة فكان عوناً لأبيه يتحمّل المسؤولية في غيابه، فكان رسوله إلى البحرين ليجد مقراً آمناً لأسرته من النساء والأطفال، ويقول بعض من كتب عن عبدالعزيز إن والدته (سارة بنت أحمد بن محمد السديري) كان لها الفضل في توجيهه لما تمتعت به من كمال العقل والتدبير، فقد اقتنعت بادئاً بما عزم عليه فكانت واسطته لأبيه ليأذن له بذلك، يقول الملك عبدالعزيز - رحمه الله-: شعرت وأنا ألح على أمي في أن يأذن لي أبي بالحركة، إنها كانت بين عاملين، عامل حب الابن والإشفاق عليه من أن يخرج بنفسه في المهالك، وعامل مرضاة عنفوان الفتى وفتح الباب له على مصراعيه، ومهما يكن من أمر فإن عبدالعزيز قد أشرك والديه في الموافقة على خروجه وهذا دليل على أنه يحبهما ويطلب رضاهما ودعاءهما له بالتوفيق والنجاح، وها هو عبدالعزيز بعد هذا الخروج الموفق واستعادة الرياض، يستدعي والده وأسرته إلى الرياض لتقر عيونهم بهذا الفتح وليتبوءوا مكانتهم فيها، فقد كان يعمل ويغامر ويقدّم روحه ودمه ليعيد البسمة إلى والده فيرجع للإمارة، ولكنه لم يقبلها، لذلك قبلها عبدالعزيز وجعل شرطه على نفسه دوام الطاعة لوالده وحق الإشراف والردع.
وفقد عبدالعزيز بعد استعادته الرياض بثماني سنوات والدته فكان حزنه بالغاً لفقدها وصرف بره لوالده وذوي رحمه وقرباه، وأنعم الله على والده بالحياة المديدة فعمر حتى تجاوز المائة عام، وأتيحت للملك عبدالعزيز الفرصة لخدمته وبره والقيام على شؤونه، فكان يزور أباه في قصره بالرياض كل صباح، ولأبيه زيارة لوالده كل أسبوع وكان للوالد دائماً صدر المجلس، ولم يعقد عبدالعزيز أمراً ذا بال إلا استشار والده، ولما استقرت الأمور في الحجاز للملك عبدالعزيز، حضر والده ليؤدي فريضة الحج وكان قد تجاوز المائة عام، فطاف بالبيت ثلاثاً ثم لم يستطع أن يتم بقية الأشواط، فحمله الملك عبدالعزيز وطاف به بقية الأشواط، وفي أواخر عام 1346هـ دخل على والده يودعه للسفر، وكان يخشى أن يكون الوداع الأخير، فكان يقبّل يديه ويسأله: هل أنت راضٍ عني؟ فيجيبه: لا شك. فيعود لتقبيل يديه ويعيد السؤال: والدي هل أنت راضٍ عني؟ فيجيب: لا شك في ذلك حتى شفى نفسه واستقر في قلبه ذلك الرضا والصوت الأبوي الحنون في الرضا عن ولده، وكان فعلاً ذلك الوداع الأخير، حيث توفي والده رحمه الله فكان فيما بعد كثير الدعاء له والترحم عليه وزيارة قبره، حيث لم يشغله الملك وأعباء الدولة عن بر والديه، رحم الله الجميع وأسبغ عليهم واسع رضوانه.