تهدف جائزة الأمير مقرن للمسؤولية الاجتماعية إلى تجسيد رؤية الأمير مقرن، ونهجه الإنساني، وعمق تجربته في الحكم والإدارة، وأسلوبه القيادي العملي، الذي يرتكز على العمل التشاركي الاجتماعي. فالأمير مقرن يملك تجربة طويلة في الحكم المحلي؛ إذ أمضى وقتاً طويلاً في إدارة منطقتين مهمتين، وأسهم في تنميتهما بتقديم أفكار ومشاريع اقتصادية واجتماعية ما زالت تتوالى آثارها الإيجابية حتى الوقت الحاضر، وهو ما يفسر اهتمامه بتعزيز مفهوم المسؤولية الاجتماعية، ودفع مؤسسات القطاع الخاص نحو الإسهام في تنمية المجتمعات المحلية. وعندما ينادي مسؤول حكومي وحاكم إداري محلي سابق بحجم الأمير مقرن بضرورة تفعيل برامج المسؤولية الاجتماعية فإن ذلك لا يأتي من فراغ، ولكن عن دراية ومعرفة بأهمية مساهمة المؤسسات الخاصة في التنمية المحلية. هذا التوجه ينسجم مع النهج العالمي الجديد في إدارة المجتمعات المحلية، أو ما اتفق على تسميته «الحوكمة المحلية»، وتعني أنه لم تعد الأجهزة الحكومية وحدها مسؤولة عن إدارة التنمية، وإنما هي عمل مشترك، يتداخل فيه جميع مكونات المجتمع المحلي، وعلى الأخص المؤسسات الخاصة المستفيد الأكبر من نشاط الاقتصاد.
إن جائزة الأمير مقرن للمسؤولية الاجتماعية هي لتطوير ثقافة جديدة، تقوم على أن تنمية المجتمع المحلي تنمية مستديمة هي مسؤولية الجميع. ولكن يقع على المؤسسات الخاصة مسؤولية قيادة العمل التنموي المحلي التشاركي بحكم قدراتها الإدارية والمالية، وأنها المستفيد الأكبر من عوائد التنمية. والجائزة ليست محصورة فقط على المستوى الوطني والتنافس بين القطاعات الاقتصادية المختلفة، وإنما أيضاً على مستوى المناطق والمحافظات؛ إذ إن المسؤولية الاجتماعية في أساسها محلية، وكلما اقتربت من المواطن وهمومه وقضاياه المعيشية اليومية كانت أجدى نفعاً. الجائزة ليست هدفاً بحد ذاته، وإنما عملية تثقيفية مستمرة للفت الانتباه وزيادة الوعي بالدور الأساسي والمهم للشركات في التنمية. الجائزة صوت مرتفع، يقول لقد حان الوقت للقطاع الخاص أن يتخلى عن فكر الأنانية والمصالح الفردية الضيقة، ويتحول إلى فكر العمل التنموي التشاركي لتوسيع دائرة الانتفاع الجماعي، وتحفيز النمو الاقتصادي؛ ليفيض الخير في بلد الخير على الجميع.
تنطلق جائزة الأمير مقرن من أن المسؤولية الاجتماعية تفكير جمعي تشاركي؛ وهذا يستلزم تعاملاً مبنياً على الأخذ والعطاء والتفاعل الإيجابي بين جميع مكونات المجتمع المحلي، وليس علاقة مبتورة فوقية باتجاه واحد. فسعة الأفق والنظرة العميقة والرؤية طويلة المدى والإيمان بالمصير المشترك عناصر أساسية لاستيعاب مفهوم المسؤولية الاجتماعية؛ لذا فهي تتطلب نضجاً ثقافياً مجتمعياً، يتخلى فيه أصحاب الأعمال عن الأنانية والمصالح الضيقة؛ ليندفعوا نحو العمل المشترك الطوعي؛ لتبدأ حركة التطوير والبناء والتنمية للوصول إلى مستويات أعلى من الإنتاجية، ووضع اقتصادي واجتماعي أفضل. وتشير الدراسات إلى أن إنتاجية المنشأة ومستوى ربحيتها مرتبطان ببيئة المجتمع المحلي والقيم المشتركة التي تطورها برامج المسؤولية الاجتماعية؛ إذ إن الثقافة المحلية والخبرة التراكمية والانتماء للمكان عناصر في العملية الإنتاجية.
وتأتي جائزة الأمير مقرن منسجمة مع أصول الشرع الإسلامي في التعاون على البر والتقوى، وأن هناك نفعاً متعدياً للمسؤولية الاجتماعية، يشمل جميع مكونات المجتمع. فعندما تبادر منشأة تجارية إلى تقديم خدمات ومشاريع اجتماعية فهي تعزز علاقتها مع المجتمع؛ لتكون أكثر من مجرد شركة توفر منتجات أو خدمات تجارية. هذه العلاقة الحميمية تضمن الاستدامة والاستقرار للشركة مع عملائها من جهة، وتعزز الولاء الوظيفي لموظفيها من جهة أخرى. وربما تساءل أحدهم: لماذا تُطالب الشركات الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية في ظل وجود الحكومة المسؤولة عن تحقيق المصلحة العامة؟ والجواب ببساطة: الحكومة لا تستطيع أن تفعل كل شيء، ولا يمكن أن تقنن كل الأوضاع؛ فهذا ربما عطل المشروع التجاري، وقتل الدافعية للإنتاج؛ لذا هناك ضرورة لمبادرات ذاتية للمؤسسات التجارية والصناعية في تلبية الاحتياجات المجتمعية، ورفع مستوى جودة الحياة، وتفعيل الأنشطة المجتمعية، وتحقيق الاستدامة في الإنتاج.. وكل ذلك سيعود بالنفع العميم على المجتمع المحلي مستثمرين ومستهلكين. كما أن المؤسسات التجارية تستفيد من القدرات المحلية والموارد الاقتصادية والخدمات الحكومية (دون دفع ضرائب)؛ لذا كان عليها وطنياً وأخلاقياً ومهنياً وربحياً القيام بواجبها تجاه المجتمع المحلي؛ لتكتمل العلاقة، وتتطور مع مكوناته على المدى الطويل، فنجاحها مرتبط بتطور المجتمع الذي تعمل فيه، فالمسؤولية الاجتماعية أكثر من تبرعات.. هي تطوير لبيئة العمل المحلي. فثقافة العمل والإنتاج في المجتمع من صالح رجال الأعمال؛ إذ إنها تخلق قيماً تدفع نحو زيادة الإنتاج، وتقديم وسائل وأساليب جديدة في الصناعة، تسهم في خفض التكاليف وزيادة المبيعات، وهذا يؤدي إلى زيادة الأرباح، وتكبير الكعكة الاقتصادية، ودخول الاقتصاد المحلي دورة اقتصادية إيجابية، تتوسع فيها القاعدة الاقتصادية، ويزيد معدل النمو.
ولكن يلزم ملاحظة أنه في خضم اندفاع الجميع إلى زيادة الإنتاج يجب توخي الحذر في عدم استنزاف الموارد الطبيعية وتشويه النظام الاجتماعي؛ فنقتل البطة التي تبيض ذهباً! كما لا بد من التأكيد أنه ليس باستطاعة الشركات وحدها تحديد البرامج المطلوبة اجتماعياً، وإنما لا بد من عمل مشترك بين جميع مكونات المجتمع المحلي المؤثرين والمتأثرين بالبرنامج. وسيكون من الخطأ أن تقوم الشركة، باتجاه واحد، بفرض برامجها من منطلق التكرم والصدقة، وليس كواجب ورغبة واهتمام يحتم تلبية الاحتياجات الحقيقية للمجتمع المحلي. فالقصد من برامج المسؤولية الاجتماعية هو تحقيق التناغم بين الشركة والمجتمع في إطار يحقق المنفعة للجميع. وعلى أية حال، فإن قضايا الفقر والبطالة والسكن تمثل أولوية اجتماعية واقتصادية وأمنية؛ وبالتالي يستلزم أن تركز تلك البرامج عليها. وإذ كانت بعض هذه المشاريع تستلزم موارد مالية ضخمة فإنه بالإمكان تعاون شركات عدة في إنجاز هذه المشاريع.
أستاذ الإدارة العامة بجامعة الملك سعود - عضو لجنة جائزة الأمير مقرن للمسؤولية الاجتماعية