فُجِعت الأوساط الأدبيَّة بمنطقة القصيم، وبقية المناطق بوفاة الأديب والكاتب، والتربوي - عبد العزيز بن محمد النقيدان، مساء يوم الأربعاء، الموافق الثاني والعشرين من الشهر الرابع، سنة ست وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة .
تُوفي بعد مُعاناة من المرض الذي أقعده داخل منزله لأكثر من عشر سنوات، صابراً على محنتهِ، راجياً من الله العليّ القدير رحمته، وثوابه؛ لأنّه يعلم أنّه لم يصبه بالمرض ليعذّبه، إنّما ليمتحن إيمانه، وصبره، ورضاه ؛ فآمن، وصبر، ورضي مُتضرِّعاً، ومُبتهلاً أن يُكفِّر سيئاته، ويرفع درجاته، ويُضاعف حسناته، وهذا ما نرجوه له من الله العليّ القدير بعد أن فاضت روحه الطَّاهرة إليه، وبقيت جنازته التي شَهِدَ الصلاة على روحها جمعٌ غفير من أبناء بريدة، وغيرهم من أبناء مُحافظات المنطقة، ومراكزها . أدَّوا الصلاة وهي مُسجاة بغرفة الجنائز بجامع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إلى أن حملها المشيّعون من أبنائه، وأقربائه، وأصدقائه على الأكتاف، تحملهم أقدامهم إلى ساحة المقبرة التي امتلأت من المشيّعين الذين حضروا ؛ لتقديم واجب العزاء لأفراد أسرته، ومُواساتهم، ومُشاركتهم أحزانهم على مُصيبتهم العظيمة التي كوت قلوبهم، وقلوب المشيعيّن. إنَّه مشهد عظيم، فاضت منه أعينهم من الدمع، وغَشيت منه وجوههم من الحزن، ولهِجت منه ألسنتهم من الدعاء أن يرحمه الله، ويسكنه فسيح جناته.
فالنقيدان له حبٌ في سويداء قلوب الذين فقدوه حبيساً داخل منزله ووجدوه مُسجّاً في ساحة المقبرة، إلى أن أنزلوه القبر، وصفّوا اللِّبن، ووضعوا الطين، وأهالوا التُراب، رافعين أكفّ الدعاء إلى الله أن يثبّته عند السُؤال.
عرفتُ النقيدان أنَّه وُلِدَ بمدينة بريدة عام ثمانية وخمسين وثلاثمائة وألف من الهجرة، ودَرَسَ في كتَّابها مبادئ القراءة، والكتابة، والحساب، وتلقَّى علوم الدين على عُلمائها الذي من أكثرهم مُلازمة: سماحة الشيخ عبد الله بن حميد «رحمه الله»، والتحق في المدرسة العزيزيَّة الابتدائيَّة بعنيزة، والمرحلة المتوسطة في معهد بريدة العلمي، والمرحلة الثانويَّة بدار التوحيد في الطائف، وحصل على شهادة البكالوريوس من كلية الشريعة في جامعة أُم القرى بمكة المكرمة.
وعرفته «رحمه الله» أنّه عمل في سلك التدريس، والإدارة، والتوجيه مُدرساً في معهد المعلمين بحائل، ومُديراً لمتوسطة أبي عبيدة ببريدة، ومُوجهاً تربوياً في الإدارة العامة للتعليم بمنطقة القصيم.
وعرفتهُ كاتباً في جريدة الجزيرة في زاويته «شعاع»، التي يتطرَّق فيها لأهم الأوجه الأدبيَّة، والتربويَّة، والاجتماعيَّة، وغيرها من الأوجه الثقافيَّة التي عليها إقبال من القُرَّاء مع إشراقة صباح كل يوم اثنين.
وعرفتهُ في منابر نادي القصيم الأدبي، وغيره من الأندية الأدبيَّة التي يعتلي منابرها مُحاضِراً، ومُحاوراً، وناقداً.
وعرفتهُ شاعراً وطنيّاً في ديوانه «عواطف ومشاعر»، وفيه أشعار عن القصيم، وبعض مدنه.
يقول عن القصيم:
أمضيتُ بِضع سنين عنك مُغترباً
سئمتُ دنياي أحلاماً مُبعثرة
خيلي تسير وما ساخت قوائمها
سفائن الشوق تجري بي مُحمّلة
فما نسيتُ عراراً فيك أو رطباً
أرعى النجوم وأرعى حولها الشهبا
تستسهل الصعب بل تستصغر الكربا
بالذكريات ويومي كنت مُكتئباً
ويقول عن بريدة :
رأيتُ بك الفتوّة والشباب
فمن شعل النجوم لبستِ ثوباً
حديث النخل يهمس في صفاء
أتيتُكِ مثقل الأعباء لكن
كأن الشمس تمنحكِ التهابا
ومن حلل الجمال أرى إهابا
يُعانق في المساء تبدأ مذابا
رأيتُ بوجهكِ القبل العذاب
ويقول عن عنيزة :
ألقيتُ رحلي صغيراً في مغانيها
لم أنس أربعها في كل معترك
رمالها الحمر لم تبرح مخيلتي
عرفتُ بالأمس تاريخاً يتوجه
وقد كبرتُ وما أنسى أهاليها
وفي خطاها إلى الآمال تطويها
نخيلها شامخات تزدهي تيها
تقدم عم قاصيها ودانيها
ويقول عن الرس :
أكبرتُ فيك مواقف الشعراء
وعلى ضِفاف الرس ألف قصيدة
هش الغضى للغيد يفتح قلبه
يتوهّج الرمان في أعراسها
وزهير يشدو حول نبع الماء
وعلى الرسين قوافل النجباء
بين الرمال الحمر والأنداء
كتوهج الخدين في الحسناء
هذا ومن الصّعب تقصّي سيرة، ومسيرة شاعرنا - النقيدان، إلاَّ أني أكتفي بدعواتي الخالصة إلى الله أن يرحمه، ويُسكنه فسيح جناته، ويُلهم أفراد أسرته الصبر، والسلوان.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
أحمد المنصور - بريدة - نادي القصيم الأدبي