عام 1380هـ شهد أول تحرك حكومي تجاه المرأة السعودية وكان بمرسوم ملكي قضى بإنشاء الرئاسة العامة لتعليم البنات وكانت تحت مظلة سماحة مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله والفئة العمرية المستهدفة في ذلك الوقت كن البنات في سن التمييز. وبطبيعة الحال يعني أن بنتا تبلغ ست سنوات ونحوها لن تلتحق بهذا العالم الجديد - التعليم النظامي- إلا بموافقة ولي أمرها، لن أتطرق لما واجهه هذا القرار الحكومي من أصداء سلبية من قبل بعض المتشدقين بأعراف ذلك الزمن الغابر ولكن أقول بعد انخراط هذه الفتاة الصغيرة في التعليم ما الذي تغير في حياتها.
أول المتغيرات كان معرفة القراءة والكتابة وبالتالي كان لها دور في حفظ أسرار البيت بدل البحث عمن يقرأ خط - رسالة بريدية - منتظرا بلهفة من غائب مجهول حاله بعدها تدرجت في فهم أحكام الشرع الحنيف فوعت الحلال والحرام فهجرت بعض المعتقدات التي أطرفها اعتقاد حرمة رؤية القمرللمتوفى عنها زوجها ومن أحكام الحلال والحرام انتقلت إلى علوم الصحة والبيئة فأدركت الفوائد والمضار لبعض الأطعمة ووسيلة مكافحة الميكروبات حتى برعت في معالجة الحروق والجروح السطحية بالإسعافات الأولية، ولما زاد شغفها بالتعلم والمعرفة وفرت لها الدولة سبيل الاستزادة بالعلم بإنشاء الكليات فارتقى فكرها وازدهرت أنوثتها وبعد التخرج جنت المرأة ثمرة دراستها بالحصول على وظيفة فوعت أهمية الانضباط وقيمة الوقت وفن التعامل مع الآخرين.
هذه الفتاة تزوجت وأنجبت وجاء دور الرعاية والتربية بما تحصلت عليه من علوم ومعارف فاهتمت بصحة وليدها واعتنت بنظافته وتقيدت بتطعيماته وتابعته في دروسه وحققت التكامل المطلوب بين البيت والمدرسة، أما المحافظة على الصلاة في أوقاتها وأداء العبادات على وجهها فهي الموروث الذي لا يتغير من جيل إلى جيل، ونحن على خطى سلفنا سائرون لا نحيد عن ديننا قيد أنملة.
ولأن من واجبات كل دولة ممثلة في حكومتها تقديم جميع الخدمات لأفراد شعبها دون تمييز وتنص على هذا جميع دساتير العالم, ومن هذه الواجبات التوعية الدورية بما قد يستجد من أحداث كمعرفة طرق مواجهة الحرائق والسيول والزلازل والأمراض والأوبئة وسائر الكوارث الطبيعية.
ومن الكوارث التي ظهرت في مجتمعنا التحاق عدد من شبابنا بأماكن الصراع في العالم بدأ من أفغانستان بعد انتهاء الجهاد ضد الاتحاد السوفييتي مرورا بالعراق ولبنان وأخيرا سوريا ناهيك عن بعض المحاولات اليائسة لزعزعة الاستقرار السياسي لبلادنا حرسها الله.
ولأجل هذا تبنت الدولة عددا من البرامج التوعوية المبينة لخطر فكر الخوارج والمحذرة من اعتناقه.
المدقق في أسلوب هذه البرامج والتي يزيد عمرها على خمسة عشر عاما يلحظ أن طابع الروتين قد غلب عليها فكانت على هيئة محاضرات بصبغة تلقينية سواء في المساجد أو المدارس والنوادي والمنتديات, ويندر أن ينتهج المحاضر أسلوب الحوار الجدلي ولو كان افتراضيا كما كان أسلوب الفقهاء في العصر الذهبي للاجتهاد قبل قرون (فإن قالوا... قلنا..) ومن يتتبع أماكن هذه المحاضرات يجد أنها قاصرة على الرجال والشباب ولم أسمع حتى كتابة هذه السطورعن محاضرة بشأن الفكر الضال استهدفت النساء, وكذا البرامج الإعلامية الموجهة للمرأة السعودية لا تتعدى الصحة والجمال وفتاوى العبادات..
ولهذا فإن المنصف يرى أن الأم السعودية قد برأت ذمتها في تربية ابنها على الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة والمحافظة على شرائع العبادات بحسب ما اكتسبت من علوم ومعارف وهذا حدود طاقتها.
إن السارق ومروج المخدرات والعابث بالأعراض لا يعتقد بأي حال هو عليه حلها بل يعترف بأن غواية الشيطان هي من قادته لمثل هذه السلوكيات مقرا بذنبه قانعا بعقوبته, ولو سألت: من علمه حرمة هذه الجرائم؟ فلن تخرج الإجابة عن الأم بدأ من عبارتها الحنونة (اللي يكذب وين يروح .. يروح النار).
يأسف كل ذي قلب أن تكون هذه الأم مكلومة اليوم في وليدها فقد غادرها فتيا إلى أماكن الصراع حاملا سلاحا يقتل به الأبرياء ويعبث في الأعراض ويتلف الأموال متذرعا بحلها مكفرا أهلها وهي التي ابتهجت بمظهره المتدين والتزامه بأداء العبادات , غير عالمة بما وصف به الرسول صلى الله عليه وسلم حال الخوارج بقوله: (.. يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وعملكم مع عملهم ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين،كما يمرق السهم من الرمية ..) الحديث رقم (4771) من صحيح البخاري.
وبحسرة تتساءل: ما هو الفكر التكفيري؟ وكيف وقع ابنها في شركه - بفتح الشين والراء-؟.
إن اتهمنا الدعاة الضالين فلدينا براهين, وإن قلنا تعليمنا مخترق فلم نخرج عن الواقع, ومن رمى باللائمة على ثقافة المجتمع لثنائه على كل من تسمى بالجهاد فلا أخاله متجنياً.
لذا فإن من يعي قدر الأم وعظم مسؤوليتها في التربية وخطر جهلها على النشء يدرك أهمية توعية المرأة السعودية بخطر فكر الخوارج على العقيدة الإسلامية الصحيحة المتعبدون بها وأثر الاستقرار السياسي على منعة الأمن وازدهار الاقتصاد وإبراز المكتسبات الوطنية وأهمية المحافظة عليها فالمرأة هي الحصن الأول للمجتمع.
وآخر المقال: ما زلنا نردد كبارا ما حفظناه صغارا.
الأم مدرسة إذا أعددتها... أعدت شعبا طيب الأعراق.
- عضو هيئة التحقيق والادعاء العام