الوزارة التي يختار لها وزير فلا شك أن الاختيار يتم بناء على مواصفات في ذهن مهندس القرار، وإن اختيار الدكتور عزام الدخيل وقبوله قيادة وزارة التعليم يجعله يسير في طريق فيه الكثير والكثير من التحديات بقسميه الجامعي والعام، وأعتقد ابتداء أن وصول أبي محمد في هذه المرحلة وفي هذا التوقيت لهو مدعاة لثلاثة أمور (تفكر واستبشار وقلق) للحقل التعليمي، أما التفكّر فلنبدأ باسمه (عزام الدخيل) فكأنها رسالة يتشارك في صنعها القدر مع واقع التعليم فيأتي بك يا (عزام) لتشد من عزم الحقل التعليمي الذي أصابه شيء من الضعف ويستوجب عزما قويا، أيضا وكأن التعليم يدخل بك أيها (الدخيل) لتحميه أيضا من التدهور والضعف- كما هي عادة المجتمع العربي في حماية من يدخل به -ولتتجاوز به ومعه تلك التحديات, وأما الاستبشار فإن اللقاءات الأولى لك وبلا (تبشت) - مصطلح أقصد به ترك لباس البشت- تشير إلى قرب واهتمام وتفاعل وبعد عن التقنع, وأما القلق فأنت تأتي في مرحلة تتلون فيها المخرجات التعليمية بألوان من الضعف، فهل لك أن تتصور أن معلما تخصصه رياضيات مثلا يتخرج من الجامعة بتقدير مقبول ويتم قبوله معلما في مرحلة ثانوية؟ وآخر تخصصه شريعة ويخطئ في قراءة القرآن! ومن الألوان القاتمة في الحقل التعليمي خطوط الطلاب، ولو أجرينا مسحا لرأينا العجب العجاب! قبل سنتين أو ثلاث تم إجراء اختبار للمرحلة الابتدائية على أن يتم الإعلان عنها فتم التحفظ على النتيجة والسبب أنها كشفت ما لا نود إعلانه.
ولعلها ثمة وقفات إليك يا أبا محمد:
الوقفة الأولى:
من التحديات التي يأمل منك الحقل التعليمي تجاوزها الصورة النمطية للمعلم في ذهن المعلمين أنفسهم وفي ذهنية المجتمع ككل؛ إذ إن هناك صورة تقزيم لمن هم يعملون في الحقل التعليمي، فالمدير يمكن أن يأتي إليه من يتطاول عليه سبا وشتما ولا يملك أن يفعل تجاهه الكثير، والمعلم يمكن أن يدخل عليه في مدرسته من شاء فيوجعه ضربا وكسرا وتلفا، وهذا ما تكرر في عدة مناطق في مملكتنا، والجميع يتفق على أن من أقلّ إن لم تكن أقلّ الوظائف احتراما هي وظيفة المعلمين -كصورة ذهنية- وأعتقد أن ذلك ساهم بشكل أو بآخر بتدني مستوى عمليات التعلم والتعليم في مدارسنا، إذ إن مما يتفق عليه الصغار قبل الكبار أنه يمكن أن يُسمع لمن له حب أو هيبة، ونحن في مدارسنا يا أبا محمد فقدنا الحب وضاعت الهيبة! وهنا يأتي أهمية تبني استراتيجية لإعادة صورتي الحب والهيبة.
الوقفة الثانية:
أهمية أن تتبنى الوزارة في العهد الجديد بناء استراتيجية الحب، فكفانا في مجتمعنا تحزباً وكراهية وكفانا احتقاراً وتنابزاً، وهل تعلم أيها الوزير الجديد أن هناك فئة من المعلمين في التعليم العام والجامعي يكرهون من لا يشاركهم قهوة الصباح أو جلسة المساء؟ وهل تعلم أن هناك فئة من المعلمين يتجالدون بألسنة حداد لأن أحدهم ينتمي لتوجه ديني والآخر ينتمي لتوجه آخر، وهم في نفس الوقت أبناء عمومة أو من قرية واحدة؟ وهل تعلم أن من معلميك من يعلن النفير ليذهب للقتال في مواطن الفتن؟.
إننا يا معالي الوزير إن تحاببنا تراحمنا وإن نحن تراحمنا توازنا وإن توازنا أثمرنا وأنتجنا، أرأيت أنها سلسلة بعضها متصل ببعض.
الوقفة الثالثة:
أهمية إقرار مادة تعنى بالجانب الروحاني، ولا يخفى عليك أننا بحاجة ماسة إلى العودة لتفعيل ذلك الجانب في حياتنا، وهل يا ترى يقيم النشء في مسالكهم الحياتية إلا الاهتمام بهذا الجانب؟. وهل يا ترى يمكن أن نرى توازنا وتدينا وسكينة وسلاما بدون تفعيل هذا الجانب؟ خذ على سبيل المثال مفهوم التدين في مجتمعنا فهو مفهوم يقوم على الشكلانية/ البرانية فيكفي كي تتدين أن تطيل لحيتك فلا تمسها وتقصر ثوبك حتى لو كانت مسالكك وطريقة عيشك مليئة بأنواع الغش والخداع والكذب والسباب والتحايل فالقلب والذي هو البيت الحقيقي للتدين لا يتم تهذيبه بالشكل الراقي والروحاني، وقد واجه مجتمعنا أمواج التكفير والغلو بغياب الجانب الروحاني في أنفس أبنائنا؟ وهل كان مصير أبنائنا سيكون بين الدواعش والقواعد لولا تغييب الجانب الروحاني؟ إنه يكفي أن تطلق لحيتك وتقصر ثوبك لتكون مرجعا ولو كنت أجهل الجهلاء وأغبى الأغبياء!. وهنا لا بد أن نتذكر أن التعميم مرفوض وأن المعالجة تستلزم المكاشفة الصادقة. كان شارل بيغي يعدُّ الفيلسوف هنري برغسون الرجل الذي أعاد إدخال مقومات الحياة في العالَم، فهل تكون أنت الوزير الذي سيعيد إدخال هذا الجانب إلى حقلنا التعليمي؟.
الوقفة الرابعة:
من المهم إدخال مادة لتعليم التفكير وحل المشكلات، فمن لديه تصور مسبق لحل مشكلاته ليس كمن يجرب ويخطىء ويجرب ويخطىء ويخسر الوقت، وخذ على سبيل المثال مقدار التشابك بين هذه المادة الجديدة والأسرة؛ النواة الأولى في المجتمع، فنحن نلاحظ كثرة عدد المطلقين وكثرة المشاكل بين الأزواج وهنا تأتي هذه المادة لتساهم في معالجة ما يمكن أن يحدث بعد حين في هذه الأسرة أو تلك، إنني ومن خلال عملي مستشاراً في شؤون الأسرة وتدريبي للمقبلين على الزواج والمقبلات فإنهم يتفقون على أهمية وجود مثل هذه المادة في التعليم، ولعله آن الأوان لذلك أيها العزام.
الوقفة الخامسة:
أعتقد أنه جزء من النجاح الذي ستحققه في هذه الوزارة أن تقوم بتكوين مجلس خاص بك مع مديري المدارس، ولنفترض أنه ربع سنوي أو نصف سنوي، بحيث تأخذ من أفكارهم ومشاعرهم وأفواههم يا أبا محمد مباشرة دون وسيط، أليس لهم حق عليك وأنت لك حق عليهم؟ إذن ففعّل هذا المجلس واجعله أحد العلامات الفارقة في وزارتك، وعندما أقول ربع سنوي فهذا يعني أنه مستمر ودائم وبعيد عن الهدف الإعلامي الباهت وإن كانت تتلامع فيه كثير من أنوار الكاميرات، وهل لك أن تتخيل أن هناك من يرفع استمارة غياب الطلاب والطالبات في الأسبوعين الأول والأخير بتحضير شبه كامل، مع أن الواقع أنه غياب شبه كامل، أتعلم لماذا؟ لأن من يصدق في الأعداد يخشى من المساءلات وأن يكون في دائرة الاتهام بأنه هو من وجه بالغياب، وهذه معاناة وتحد، فما أجمل أن تسمعها منهم وتعالجها معهم، وليس الأمر مقتصرا على ذلك وحسب.
نوّر الله طريقك أيها الوزير وساندك، وليجري المولى على يديك الخير والتقدم للحقل التعليمي خاصة وللوطن عامة.