بيروت - منير الحافي:
صحافي مخضرم، وزير في عدد كبير من الحكومات، نائب عن الجبل، وتحديداً عن الشوف حيث زعامة وليد جنبلاط. مروان حمادة، «الشهيد الحي» الذي بدأت عمليات القتل في لبنان -مؤخراً- بمحاولة اغتياله في 1 تشرين الأول- أكتوبر 2004، قبل أشهر من اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط- فبراير 2005. اليوم عاد إلى «اللقاء الديموقراطي» برئاسة وليد جنبلاط، أو لنقل عاد وليد جنبلاط إلى ترؤس اللقاء بعدما انفصل عنه النواب المؤيدون كلياً لقوى 14 آذار، ومنهم، بل في مقدمهم مروان حمادة. التقت به «الجزيرة» في مكتبه في جريدة «النهار» وسط العاصمة اللبنانية بيروت. وكان حديث في سياسة المملكة بقيادة الملك سلمان الذي يعرفه الوزير (السابق) حمادة عن قرب، وعن إيران وحزب الله، والوضع اللبناني. وفيما يلي نص الحديث.
س- بداية لنتحدث عن الوضع اللبناني الذي وصل الآن إلى مأزق: لا رئيس جمهورية، الحكومة التي تصرّف أعمال البلد اجتماعاتها معرقلة، فهل ترى أفقاً لفك الأزمة في القريب العاجل؟
- هذه الحكومة تشكلت كظاهرة حسن نية من فريق الرابع عشر من آذار، وتحديداً من تيار المستقبل لإنقاذ لبنان في فترة كان الفراغُ يهدده وكان واضحاً أن لا توافق على رئاسة الجمهورية. فلكي لا تخلو المؤسسات الدستورية من أي وجود، خرج سعد الحريري من محكمة لاهاي وأعلن قبوله بمساكنة حزب الله في حكومة تكون حكومة الحد الأدنى للتوافق الوطني إنقاذاً للبنان. تشكلت على هذا الأساس، ووضعت بياناً وزارياً على هذا الأساس، وبدأت تعمل برعاية طيبة من رئيسها الرجل الوفاقي في طبيعته وفي أطباعه، الأستاذ تمام سلام. غير أن هناك مثلاً يقول:
«اطرد الطبيعة، تعود بهلع». طردنا الطبيعة الخلافية عن المؤسسة اللبنانية الباقية، أي الحكومة، وإذا بحزب الله وحليفه العماد ميشال عون يعودان إلى هذه المؤسسة بنفس العقلية التي سبقت تأسيس الحكومة. فلم تمر إلا أسابيع قليلة و«عادت حليمة لعادتها القديمة»: نزعة جنونية نحو المحاصصة وتغاضٍ كامل عن مصالح لبنان الأساسية التي هي: الحفاظ على حدوده، الحفاظ على أمنه الداخلي، الحفاظ على عدم تورطه في خلافات أساسية خصوصاً بالطرق العسكرية التي اعتمدها حزب الله في سوريا والعراق واليمن والبحرين. فمن هنا، بدت الحكومة وكأنها تستطيع أن تنجز في مجال مكافحة الحشرات في الصعتر، وهي غير قادرة على منع فريق لبناني من اجتياح دول شقيقة وضرب شعوب مقهورة بغض النظر عن أي مصلحة للبنان، بل على عكس مصلحة لبنان: مصلحة سلامه ومصلحة سيادته ومصلحة استقراره ومصلحة علاقاته العربية ومصلحة مناعته الدولية. عند هذا الحد، يبدو اليوم التمسك بالحكومة كرمز، من الضرورات، لأن التخلي عنها يعني أن لبنان أصبح بلا رئيس وبلا حكومة، مع مجلس نيابي ممدد له، وبمؤسسات إدارية فالتة. الحمد لله أن الجيش حظي بمساعدة سعودية مباركة، وهذا ما أبقاه فوق الخلافات حامياً للحدود اللبنانية، وربما يرسم هذه الحدود، حيث أخفقت السلطة السياسية منذ سنوات في تحقيق أهداف الوفاق التي كانت تنص على رسم الحدود بين سوريا ولبنان منعاً لأي تداخل ميداني بينهما.
س- معالي الوزير، قلت إن الحكومة لم تستطع أن تمنع حزب الله من اجتياح بلد آخر. هل تستطيع أي حكومة أن تمنعه؟
- طبعاً إذا نظرنا إلى توازن القوى بالمعايير العسكرية فحسب، يبدو مستحيلاً على أي مؤسسة لبنانية أن تمنع حزب الله من الانخراط في المشروع الفارسي ضد الشعوب العربية، بإزالة عروبة هذه المنطقة لصالح مشروع غريب. إنما توازن القوى ليس فقط بالصواريخ والراجمات، هو أيضا بالثقل السياسي والمعنوي والعقائدي، وبثقل المواثيق الداخلية والخارجية، وبثقل القرارات الدولية، التي تحمي لبنان، ونابع أيضاً من مناعة لبنان العربية بفضل مجموعة أقطار شقيقة بالمعنى الصحيح للأخوّة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. فإذا أخذنا مثلاً على ذلك، لماذا استطعنا أن نصدر مؤخراً باليوروبوند ناجحاً بشكل منقطع النظير، لأن مصرف لبنان ليس خاضعاً لحزب الله ومنطقه. لماذا لا نستطيع أن ننجز في مجالات أخرى؟ لأن حزب الله قابض على مفاصل الحكم في الكثير من المحطات باستثناء بعض الوزارات التي يحاول من تولى حقائبها مثل الداخلية والصحة والعدل وغيرها، الإبقاء على شيء من الاستقلالية اللبنانية ومن النجاعة الحكومية.
س- بالحديث عن الوقفة العربية مع لبنان، أنت تذكر دائماً بالموقف السعودي. بتولي الملك سلمان مقاليد الحكم، كيف ستؤول الأمور فيما يتعلق بالدعم السعودي للبنان؟
- الملك سلمان -أطال الله بعمره-، هو ابن هذه العائلة العريقة، وهو ابن الملك عبدالعزيز ابن سعود. وقد ورث العقلية والشجاعة وسعة الرؤية، وأضاف إلى ذلك بجهد شخصي منه تعمقاً في الشؤون العربية عموماً واللبنانية خصوصاً. فهو من كان يتدرب لمقارعة الغرب عند هجومه على مصر في عدوان العام 1956 في السويس. إذ كان يتدرب هو وإخوته على السلاح، وتطوعوا لمقاتلة العدوان الثلاثي. ولبنانياً، له معرفة بكل تفصيل في الحياة اللبنانية. إذاً، ليس غريباً عليه هذا الاندفاع والالتزام العربي. ومن يضع علامات استفهام من مثل «كيف ستتحول مناخات الحكم في السعودية» هذا مردود لأصحابه أصلاً. فهذا الحكم نشأ مع الملك عبدالعزيز آل سعود، واستمر عبر الملوك وكلهم إخوة للملك سلمان، حرصوا على إبقاء سياسة المملكة في اتجاه المحافظة على الوفاق العربي والكرامة الإسلامية وعلى استقرار القرار في المنطقة وعلى لمّ الشمل، وعلى الصداقات العربية والإسلامية حتى الغربية، لكن دون تبعية لأحد، وصولاً إلى التناقض مع حلفاء وأصدقاء عندما كانت الكرامة العربية والإسلامية والحقوق العربية والإسلامية، فلسطين تحديداً واليوم سوريا والعراق واليمن وغيرها، موضوعة في مهب المقايضات الدولية.
س- هل تنتظر تحركاً سعودياً ما، نحو لبنان، لإخراجه مما يسمى الثلاجة الإقليمية، لأن قضايا أخرى تتقدم عليه في الأجندة العربية؟
- خادم الحرمين الشريفين، هو أكثر المسؤولين العرب إدراكا بأن قضايا سوريا وفلسطين والعراق واليمن والبحرين ومصر، لا تنفصل عن قضية لبنان. بل قد يكون لبنان بربيعه الأول، ومحنته الحالية، مركز الصراع العربي ومصب الصراع العربي ومفصلاً في الصراع العربي مع اخصام العرب. لأن محاولة اجتياح منطقتنا، سواء جاءت من الغرب أم من الشرق، من بلاد فارس أو من بعض الطامحين في الغرب أو خصوصاً من العدو الإسرائيلي، كل هذا له مقومات صمود، وهذه المقومات رستها وزرعتها المملكة العربية السعودية منذ نشأتها، خصوصاً بالنسبة للبنان. فلولا السعودية وتدخلها، لما دخل لبنان الجامعة العربية. السعودية مع مصر، فرضا دخول لبنان الجامعة، على قاعدة الإجماع في الجامعة وليس الأكثرية، حفاظاً على خصوصية لبنان واستقلالية قراره. السعودية كانت دائماً، وأحياناً مع مصر، ضد محور جامح يحلم تارة بسوريا الكبرى وطوراً بالهلال الخصيب، واليوم بالهلال الشيعي. كانت دائماً المملكة تحمي لبنان. المملكة لم تقصر يوماً في رعاية المبادرات الوفاقية للبنان، وأنا شاهد على العديد منها. انطلاقاً من مؤتمرات جنيف ولوزان، وصولاً إلى اتفاق الطائف، وصولاً إلى تفاهم نيسان 1996، إلى دعم لبنان في محاولته استرداد كامل استقلاله في العام ألفين. ثم في إعطاء لبنان مقومات الصمود في مؤتمرات باريس 1 و2 و3. وكان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان دور وثقل أساسي في اتخاذ القرارات التي أنقذت لبنان سياسياً، وفي المحكمة الدولية لأجل لبنان، التي أنقذت لبنان قضائياً وأتاحت للبناني أن يتجاوز محنة فقدان شهيده الكبير رفيق الحريري والصمود. ولا ننسى أن الرئيس رفيق الحريري كان من أصدقاء الملك سلمان الحميمين، وكان الملك سلمان يعطيه دائماً رعايته الخاصة. أما فيما يتعلق بالصحافة، أستطيع أن أصنف الملك سلمان بـ«نقيب نقباء الصحافة العربية» فهو صديق كل الكبار في هذه الصحافة، وحامي كل التيارات الوفاقية والمبادرات الوفاقية. لم أسمع منه يوماً كلمة جارحة بحق أحد، كان دائماً يلملم الجراح ويجمع الصفوف. طبعاً له ملاحظات ثاقبة على المغامرات التي يقوم بها بعض اللبنانيين بالنسبة للتدخل في سوريا أو اعتماد سياسة إلغاء الآخر بالاغتيال، أو التدخل في شؤون الدول العربية. هو الحامي ضد التطرف في كل مناسبة. لو أردنا أن نعطي رمزاً للاعتدال العربي فيتلخص بسلمان بن عبدالعزيز. فكل هذه النقاط، الملك سلمان وولي العهد الأمير مقرن وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف، يجسدون اليوم الأمل ربما الوحيد في العالم العربي لإنقاذ الأمة العربية والإسلامية من كل الآفات التي تهددها: الآفة الذاتية بالتطرف، والآفة الاجتياحية الآتية من طهران.
س- تعول على اللقاءات العربية التي يجريها الملك سلمان مع القادة العرب والرئيس التركي لرأب الصدع العربي والإسلامي؟
- مركز شبكة الأمان العربية والإسلامية هو في الرياض، ويتجسد في ملك المملكة العربية السعودية وبشخص الملك سلمان تحديداً. وشبكة الأمان يجب أن تمتد خصوصاً باتجاه مصر، التي هي دائماً الاحتياطي البشري الاستراتيجي للمملكة، والمملكة هي الاحتياطي في كل المجالات لكل العالم العربي. وهي حامية الخليج وحامية بلاد الشام، وكانت دائماً تحاول أن تؤمّن الثلاثي بين مصر وبلاد الشام والجزيرة لحماية أمتنا. فالعودة إلى ذلك مع امتداداته التركية والمصرية والباكستانية، كل هذا هو عمل في اتجاه شبكة أمان يكون لها ثقل دولي لفرض الإرادة العربية، ولإعادة الحقوق العربية، وللجم الأطماع الآتية من الشرق والغرب على امتنا، وإعادة كل هذه الأقطار المتعثرة اليوم إلى حظيرة، تتحمل التعددية وتتحمل الفكر الديموقراطي المنور الحقيقي بقيادة المملكة.
س- وماذا عن محاربة الإرهاب؟
- جزء من مهمة المملكة، حماية ذاتها، وحمايتنا جميعاً من أي أمراض داخلية. ولكي نقارع الأوبئة الآتية من الخارج، لا بد من أن ننقي الجسم العربي. وهذا ما تقوم به المملكة بتضحيات كبيرة أمنية ومالية وسياسية، وتسمع الصوت في الغرب والشرق، ولا توفر لقطر عربي شقيق، وتحاول أن تعيد التوازن في اليمن عبر المبادرات الدولية والعربية. وهي التي تحمي البحرين، هي التي حمت لبنان بهذه المكرمة الهائلة بأربعة مليارات دولار. لم يرها الجيش اللبناني ولا الاقتصاد اللبناني في حياته. تحاول أن تخرج الشعب السوري من هذه المذبحة المستمرة. وهي تحاول أن تعيد للعراق وحدته وتوازنه. فبالتالي العمل من أجل شبكة أمن عربية إسلامية اليوم هي من مسؤولية الملك سلمان، ونحن كلنا نتطلع إليه في ذلك.