من لحظة تزاحم الأعمال في أجندة مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل في أسبوع عودته الأولى، انتهت معاناة التراكمات النفسية التي تركها موقف رئيس الأمن في شركة الغاز الوطنية صالح الزهراني والذي أوقف في شرطة جدة بعد أن منع لجنة مشكلة من عدة جهات من الدخول إلى منطقة داخل الشركة يتوجب دخولها ارتداء زي خاص لدواعي السلامة فطلب لقاءه ليقول له بكل تواضع ومسؤولية: «أعتذر منك باسمي واسم مسؤولي المنطقة عما حدث» هذا الموقف الذي لم يتبق قبله سوى تقديم الزهراني الاستقالة، ولم يكن معتقداً بأن سطور المشهد المشاعري للأمير الفيصل أن توقف ما عزم عليه.
القصة باختصار قرأتها في صحيفة الجزيرة الموقرة في عددها السبت ما قبل الفائت، حيث أفادت أن مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل قدم شكره واعتذاره لرئيس الأمن في شركة الغاز الوطنية صالح الزهراني، الذي أُوقف في مقر شرطة جدة، بسبب رفضه دخول لجنة مشكلة من عدة جهات رسمية، إلى منطقة داخل الشركة، إلا بعد ارتداء زي خاص لدواعي السلامة.
وقال الأمير خالد الفصيل، لـ«الزهراني» خلال استقباله له: «أعتذر لك باسمي واسم مسؤولي المنطقة وأشكرك على أداء عملك».
وروى الزهراني تفاصيل القصة قائلاً: «إن لجنة مشكلة من محافظة جدة، ومكتب العمل، طلب أعضاؤها الدخول إلى مقر الشركة، وتحديداً إلى خطوط الإنتاج التي لا يسمح بالدخول فيها إلا بعد ارتداء زي مخصص لمثل هذه المواقع، فما كان مني إلا أن منعتهم كونهم غير متقيدين بالزي الرسمي الذي يخولهم بدخول الموقع».
وأضاف: «في اليوم التالي، طلب مني مركز الشرطة الحضور، وفور وصولي أودعت التوقيف مدة 24 ساعة... وبعد التحقيق معي أفرج عني كوني غير مخطئ».
وأكد أنه كان قد عقد العزم على تقديم استقالته نظير ما تعرض له، إلا أن استقبال الأمير خالد الفيصل له جعله يعدل عن الأمر، قائلاً: «إنه بعد لقاء أمير المنطقة عادت لي معنويات عالية، لا سيما أن الأمير خالد أنصفني وأعاد لي اعتباري».
ليس مستغرباً أن يتعاطف أمير الفكر والمشاعر والأحاسيس مع حالة فريدة كهذه، وليست الحالة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي يوجد فيها، بوصفه قلباً نقياً ووجهاً باسماً وروحاً قريبة آسرة وببساطة رافضاً الجفاء في العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
وقبل ذلك كله وبعده ديننا الإسلام يدعونا لأن نتراجع، وأن الاعتراف بالخطأ فضيلة، وأن الكلمة الطيبة صدقة.
أكتب اليوم لأمر آخر، أصرّ فيه بأن الاعتذار من شيم الكبار، ويذهب لحل المشكلات المظلمة بشجاعة، وليس مجرد جرح للكبرياء والكرامة أو يحط من الرجولة والشهامة، أو يدل على الهوان أو الضعف والمذلة، إنه يفرض إيقاعه الأخلاقي وحسه الإنساني، ويقدم ما يمكن لأجل أن تدخل البسمة على من أحاط به ظلام كثيف، ويستوقف الممتلئين بأرصدة الخير والحب والنضج والثقة في النفس فيأخذ بأيديهم لمواطن الإنسانية القوية المتوازنة عقلياً وأخلاقياً والمتحضرة بثقافة السلوك ودائرة تغليب الحكمة وتحكيم العقل وراحة الضمير وهي نظرات ومبادئ - بلا شك - تدعو للفخر والاعتزاز.
وأكتب كذلك لأمر بارز أجلته للسطر الأخير، لأنه الوهج والضوء في هذه المساحة الهادئة، أكتب لخالد الفيصل القائد الاستثنائي في الزمن الاستثنائي هذا المسؤول الواعي المدرك والقارئ الدقيق والمتابع لما يحيط به من أحداث في منطقته سواء الصغائر منها أم الكبار، الكبار، اقتربت منه ذات مساء وطني في المهرجان الوطني للتراث والثقافة الـ29، فلم أره إلا موطناً للمبادرات العطرة ومبتسماً ومتفائلاً وراغباً في النمو والتغيير، وأعرف أخيراً أنه لا يريد أن أفسح هذه المساحة لتفاعل غير مستغرب من مواطن سعودي برتبة أمير، لكنها أسطر حق وشكر في آن واحد.
محمد بن عبدالله آل شملان - مدير الإعلام التربوي بإدارة التربية والتعليم بمحافظة وادي الدواسر