بِالْأَمْسِ
أَثْنَاءَ سَيْرِنَا عَلَى رِمَالِ شَاطِئِ دِيرِ الْبَلَحْ
فِي غَزَّةَ الْمُحَرَّرَةِ؛ أَقْصِدُ فِي فِلَسْطِينَ الْمُطَهَّرَةِ كُلِّهَا؛
{مِنَ الْبَحْرِ إِلَى النَّهْرِ، وَمِنْ رَأْسِ النَّاقُورَةِ إِلَى أُمِّ الرَّشْرَاشِ}
وَبَعْدَ آخِرِ رَشْفَةٍ مِنْ فِنْجَالِ النِّسْبْرِسُّو
نَظَرَ إِلَيَّ أَصْدِقَائِي نَظَرَاتٍ غَرِيبَةً لَمْ أَعِ كُنْهَهَا!
فَقَفَزْتُ أَمَامَهُمْ، وَسَأَلْتُهُمْ: مَا بِكُمْ؟!
!!
فَقَالَ امْرِؤُ الْقَيْسِ:
ظَنَنْتُ أَنِّي فِي الشِّعْرِ لَنْ أَتَكَرَّرَ أَبَداً!
فَإِذَا بِي أَسْتَحْيِي مِنْ نَفْسِي بَيْنَكُمْ!
!!
وَقَالَ الْمُعْتَصِمُ:
وَظَنَنْتُ أَنِّي فِي الْمُرُوءَةِ لَيْسَ هُنَالِكَ غَيْرِي!
فَإِذَا بِي أَتِيهُ بَيْنَ مِلْيَارَ مُعْتَصمٍ!
!!
وَقَالَ الْخَوَارِزْمِيُّ:
وَخِلْتُ أَنِّي فِي الْجَبْرِ وَالرِّيَاضِيَّاتِ عَلَمٌ نَادِرٌ!
فَإِذَا ـ بِي رِحَابِ اخْتِرَاعَاتِكُمْ ـ أَغُوصُ فِي بَلَادَتِي وَتَبَلُّدِي!
!!
وَقَالَ صَلَاحُ الدِّينِ:
وَظَنَنْتُ أَنِّي فِي الْفَتْحِ لَا نَظِيرَ لِي!
فَإِذَا بِي أَقِفُ مُنْدَهِشاً أَمَامَ إِنْجَازِكُمْ؛
كَيْفَ حَافَظْتُمْ عَلَى الْأَنْدَلُسْ؟!
وَكَيْفَ حَرَّرْتُمْ فِلَسْطِينْ؟!
!!
وَقَالَ ابْنُ فَضْلَانَ:
وَكُنْتُ فِي رِحَابِ الْإِسْلَامِ
أَتَنَقَّلُ فِي أَدَاءِ رِسَالَتِي حُرّاً عَزِيزاً لَا أَهَابُ أَحَداً
أَجُوبُ الْأَرْضَ شَرْقاً، وَغَرْباً، وَشَمَالاً، وَجَنُوباً
وَكُنْتُ أَحْسِبُ أَنِّي فِي حُرِّيَتِي فَرِيدُ عَصْرِي وَعَصْرِ مَنْ بَعْدِي
لَكِنِّي فِي رِحَابِ يَوْمِكُمْ ـ وَخُصُوصاً أَنْتُمْ يَا أَهْلَ غَزَّةَ ـ،
وَفِي ظِلِّ مَا تَمْتَلِكُونَهُ مِنْ زِمَامِ أَمْرِكُمْ،
بِتُّ أَغْبِطُكُمْ؛ فَأَنْتُمْ مِثْلِي، بَلْ أَحْسَنُ حَالاً؛
تَمْتَطُونَ جِيَادَكُمْ؛
وَمِنْ أَيِّ مَعْبَرٍ تَمُرُّونَ،
كَيْفَمَا تَشَاءُونَ،
وَوَقْتَمَا تَشَاءُونَ؛
لَا حَدَّ يُوقِفُكُمْ!
وَلَا جَوَازَ سَفَرٍ يُعَطِّلُكُمْ!
وَلَا إِقْفَالَ يُؤَرِّقُكُمْ!
وَلَا حِصَارَ يُعَذِّبُكُمْ!!!
أَمَّا الْفَارُوقُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ - فَقَالَ:
وَحَسِبْتُ أَنِّي فِي أَدَاءِ الْأَمَانَةِ - وَالْكَمَالُ لِلهِ - كَامِلٌ
ـ رُغْمَ مَقُولَتِي: لَوْ أَنَّ دَابَّةً فِي الْعِرَاقِ ... - إِلَّا أَنَّنِي فِي نُصْرَةِ الْمَظْلُومِ وَإِغَاثَةِ الْمُحْتَاجِ، أَمَامَ هِمَّتِكُمْ وَنَخْوَتِكُمْ وإِيمَانِكُمْ أَوَّاهُ مِنْ قِلَّةِ حِيلَتِي، وَمِنْ ضَعْفِي وَعَجْزِي وَتَقْصِيرِي! !! قُلْتُ لَهُمْ: - بَعْدَ أَنْ أَصَابَتْنِي هِسْتِيرْيَا الْقَهْقَهَةِ - هِهْ! نَعَمْ يَا أَحِبَّتِي! صَدَقْتُمْ! وَاعْذُرُونِي؛ فَشَرُّ الْبَلِيَّةِ مَا يُضْحِكْ!