إن الروح والارتفاع يشيران من ضمن ما يشيران إليه العلو والمنزلة العالية والمصدرية والقوة المتفاعلة للأفكار والمشاعر مما ينعكس نشاطا خلّاقًا في النفس، فلا تكون إلا مع كل ما هو جميل وسلاميّ وما أقصده بالتحديد من الوعي الروحي/الارتفاع هو إدراك فكرة (التصاعد إلى مقامات الروح الخلّاقة) بحيث تدرك وأنت موجود في الأرض وكأنك في السماء، وهذا ما شاهده وعايشه شيخ الإسلام ابن تيمية كحالة عندما قال جملته المشهورة: (أنا جنتي في صدري) فلن تكون جنتك في صدرك إلا عندما تصعد/تتصاعد إلى مقامات الروح. وإذا كان موضوع الروح يتم طرحه فلسفيا فإن الخطاب القرآني طرح قضية الروح {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} لتبقينا في إطار الاستكشاف عن هذه الروح التي هي من أمر ربنا. ولتترابط لدينا بنية الفكرة فإننا ننظر إلى الوعي باعتباره حالة من الاستعداد واليقظة العالية وهو أشبه ما يكون بقمة من القمم وكل قمة حتى يطلق عليه اصطلاح قمة فإن ذلك يستلزم أن تكون مرتفعة إذن القمة والارتفاع أيضا متلازمان وقل نفس الشيء بين الوعي الروحي/ الارتفاع وعلى مقدار الوعي الروحي يكون الارتفاع والعكس صحيح. ومن نماذج التصاعد إلى الروح ما نجده في قوله الله تعالى ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون) فكونك تقف شاهدا/ مدركا على فكرة أنك مملوك لله وليس ذلك وحسب بل وإليه عائد، فإن هذا مقام روحي عال ليس كل أحد يعيشه/يشهده فيا ترى ما هي المكافآت على ذلك التصاعد الروحي الخلّاق؟ إننا نجده في إكمال نفس الآية {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} إنها ثلاثة مكافآت لمن كان متصاعدا/مرتفعا/شاهدا في تلك الحالة.
إنك عندما تكون متصاعدًا/ مرتفعًا لا يأتيك إلا ما كان متصاعدًا/ مرتفعًا وعندما تكون منخفضًا لا يأتيك إلا ما كان منخفضًا فعندما تكون في ترددات مشاعر السلام العالية لن يأتيك إلا ما كان يدعم تلك الترددات العالية وعندما تكون في ترددات مشاعر منخفضة كالحزن والتأنيب لن تأتيك من الأحداث إلا ما يدعم تلك الترددات المنخفضة، والسؤال الآن أين مقامك أنت من ضمن موجودات الله في الكون؟ هل أنت متصاعد/ مرتفع أم منخفض/ نازل؟ هل أنت سماوي مع السحاب والمطر والقرآن والملائكة والشمس والقمر ومشاعر السلام والحب والجمال والبهجة أم أنك أرضي مع كل ما هو منخفض كمشاعر التأنيب والعار والحزن واللامبالاة والكسل والصراع؟ إن التفتيش أين تحوم روحك بات مطلبا ملحا ذلك أن الروح كما يقول المفكر محمد الدحيم هي البوصلة الإنسانية باتجاهها الصحيح نحو الأعلى أي أن يصبح الإنسان خالصا مخلصا تتحقق فيه أعلى مراتب المعرفة الإلهية. وعندما قال سيدي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أرحنا بها يا بلال) ما كانت تلك الراحة تتحصل لو لم تكن روحه الشريفة موصولة بالسماء بل أعجب من ذلك ما نقله حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلاً إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبح وإذا مرّ بسؤال سأل وإذا مرّ بتعوذ تعوذ) فهذا لا يتصور أن يقوم به أحد من الناس ولكن على مقدار ارتفاع روحك وتصّعدها في السماء على مقدار قدرتك على القيام بمثل هذه الأمور التي ربما يعتقد أنها من الخوارق. ولنلتفت قليلا إلى بعض المشاهد في مسرح الأحداث اليومي لنستكشف هل أرواحنا في تصاعد أم في تنازل؟ وهل تسألنا يوما لماذا أصبحنا مختنقين من بعضنا البعض فلا تكاد يصدر منك اجتهاد أو حتى زلة أو هفوة حتى تقابل بكثير من التشنيع والتعنيف ولنضرب بذلك مثلا على ما حدث خلال الأيام الماضية من اجتهاد الأخ أحمد الغامدي وخروج زوجته كاشفة وجهها وردة الفعل التي قام بها أحد المحسوبين على التيار الشرعي عندما طالب بتعذيبه إن صح ما نسب إليه فما كان لهذه الحالة أن تصل إلى ما وصلت إليه لولا انخفاض الوعي الروحي/ الارتفاع بل إنني أعتقد أن كل مظاهر التشدد والتحزب والتفجير والتكفير والتخوين ما كانت لتحدث مطلقا لو كانتأرواحنا محلقة في سماواتها الحقيقية إننا لا نمتلك الكثير من الخيارات فإما أن نكون إلى السماوات بأرواحنا صاعدين أو نكون في الأرض مثقلين والخيار خيارك والرحلة رحلتك والمقصد هو الله إنني قلت في مقال سابق إننا لو فعلنا التجربة الروحانية بشكلها الخلاق فإننا سنقف على مستوى عال من الاندهاش من النتائج التي نتحصل عليها لذلك التفعيل وها أنا ذا أؤكده مرة أخرى ثم إني أنادي وزير الشؤون الإسلامية لتبني فكرة إعادة تأهيل أئمة المساجد وخطبائها روحيا وأن يكون هناك منهج لهم يساهم في رفع الوعي الروحي/الارتفاع لهم كاستراتيجية واضحة لحقل مهم في مجتمعنا المبارك لخلق فرص الوصول إلى ما كان عليه حقيقة الإسلام والتي من ضمنها السعة والخيارات المتعددة والحب والسلام والسكينة والرفق والرحمة. إنك ما لم تجد في إسلامك روحا تترقى بك إلى السماء فعلك تبحث عن إسلامك أين اختفى.