) لا شك.. أن الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية في بعض دول الجوار صنعت أو تمخض من رحمها بعض الفرق المتطرفة, الإيديولوجيات المنحرفة..وعلى رأسها ما يعرف (بتنظيم داعش) في قالبها الفكري الضلالي.. وهذا الفكر التكفيري الإجرامي الذي يرفض لغة الحوارات وصالون المناقشات كفكر شاذ ومنهج منحرف عن قواعد الضبط الأخلاقي والديني والاجتماعي.. يتحّصن باسم الدين الإسلامي الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال إن يّقر تلك الممارسات الوحشية والجرائم اللانسانية والأعمال البربرية.. خاصة وأن منهجه الضلالي يقوم على قتل الأبرياء وسفك الدماء الإنسانية البريئة إرضاء لشهواتهم ورغباتهم وغرائزهم.. والإفساد في الأرض, وتشويه قيم الإسلام ومبادئه السمحة.. ولعل جريمة حرق الأسير الأردني الطيار المسلم (معاذ الكساسبة) الذي قامت به جماعة داعش يمثل عملاً جباناً وسلوكاً دموياً.. وجريمة وحشية بشعة.. تخالف شرائع الأديان السماوية، اقترفها التنظيم الإرهابي داعش بحق الإنسانية وضد الدين وثوابته الشرعية..!! وهذه الجماعة الإرهابية التابعة للفكر الهدام.. «المصنوعة» لتشويه صورة الإسلام وعقيدته السمحة.. انتقلت من تنظيم قطع الرؤوس إلى الحرق في الأقفاص الحديدية.. مع أن الحرق في الإسلام لا يجوز فعله.. ورب العالمين عاتب نبياً لأنه احرق قرية من النمل, وفي الحديث النبوي الشريف «لا يعذب بالنار إلا رب النار».
ولا ريب أن الإرهاب والتطرف والعنف الذي يظهر في تنظيمات تكفيرية, ومسميات ضلالية.. لم يأت من فراغ أو رجم بالغيب.. بل تشّكل وتكوّن في قالبه العفن.. لأسباب ودوافع ودواعي.. قد تكون أسبابا فكرية أو اجتماعية أو نفسية أو سياسية وقد يكون الباعث عليه دوافع اقتصادية وتربوية, معروف-سوسيولوجيا- إن آفة الإرهاب.. عملية معقدة وظاهرة اجتماعية مركبة تستهدف عقولاً وأدمغة الشباب وجرّهم إلى مستنقعها الملوث, والانخراط في تنظيماتها الهدامة..!! ولذلك ينبغي وللحد من انتشار هذا الفكر المتطرف ومثالبه في المجتمع السعودي.. دراسة هذه التنظيمات الضلالية دراسة اجتماعية ونفسية وتربوية عبر الصروح الأكاديمية ومراكز الأبحاث العلمية للخروج بحلول علمية ناجعة تضبط توازن هذه الظاهرة المرضية, وأيضاً إقامة الندوات التنويرية, والملتقيات الثقافية، وورش العمل الفكرية التي تساهم في رفع سقف الوعي المجتمعي, وكذلك تفّعيل دور (المؤسسات الدينية) من خلال المنابر الإعلامية أو خُطب الجمعة. خصوصا وأن هناك دراسة متخصصة أظهرت معطياتها العلمية إن تأثير خُطبة الجمعة في إيصال المضمون والتوجيه والتوعية أكثر من تأثير الإذاعة والتلفاز, كما إن نشر (مفهوم الوسطية) كمنهج محمدي في الحياة والأعمال والممارسات القائمة على الوعي المتزن والفكر المعتدل.. هو سمة المجتمع المتحضر.. والوسطية في البناء الاجتماعي الإسلامي لا تعني إلغاء التعددية في النشاط الاجتماعي.. بل تعني وزن الأشياء بالميزان الصحيح في مجملها وحتى في السلوكيات الفردية لا تغيب الوسطية التي تمنع المبالغة في كل الأمور, وهذا المنهج القويم -ومن منظور علم الاجتماع الإسلامي- يقوم على مبادئ الاعتدال والانسجام والسماحة والرحمة والتروي والعدل والحكمة.. ومجافاة التطرف والراديكالية والغلو والإقصائية والأفكار الإرهابية التي تخالف قواعد الضبط الاجتماعي والأخلاقي والديني.. وهي أفضل طريق لإرساء دعائم الاستقرار والسلم الاجتماعي, وضبط التوازن الأخلاقي في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية.
) إن المنهج المحمدي (المتزن) كمفهوم وظيفي في التفكير والقيم والسلوك الإنساني في قالبه الحضاري.. يبرز أو يتجلى دوره في حياة الفرد والأسرة.. إنه الطريق المفضي إلى الكمال الإنساني والرقي البشري.. وإلى أيضا بناء المجتمع «إيديولوجيا وتربوياً ودينياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً «من دون إفراط أو تفريط وفق معادلة الوسطية التي تشكل صمام أمان للمجتمع ضد أمراض التطرف والتكفير وهجرة المجتمع والغلو في الدين أو التعصب في الأفكار والسلوك الإرهابي البغيض، والممارسات المناهضة لقواعد الضبط الاجتماعي والشرعي والقيمي.. والتي متى ما اتسعت دائرتها المظلمة في أي مجتمع وسقط عمود الاعتدالية.. يتحول هذا المجتمع -ميكانيكيا- إلى بيئة خصبة للأمراض الاجتماعية الخطيرة والمثالب الفكرية الفتاكة, والصراعات النفسية المعقدة، وبالتالي ظهور العديد من التنظيمات الإجرامية والمسميات المصنوعة, والأفكار الضلالية, والأعمال البربرية.. التي تهدد أي بناء اجتماعي ووظائفه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية.. إلخ, إذا لم تواجه -هذه اللوثة الإرهابية- بخطط إستراتيجية واعية تعني بمكونات الأمن الفكري والأخلاقي والعقائدي.. وترّسخ -بذات الوقت- قيم الوسطية والاعتدال والتسامح، ونبذ العنف والتعصب والغلو في الدين. وأخيراً وليس بآخر.. يبقى (الإسلام) في مفهومه الصحيح.. دين الحوار والمحبة والتعايش والسلام والعدل والإحسان والتعارف والاعتراف بالآخر والأمن واحترام الإنسان وكرامته.
* يقول مؤسس علم الاجتماع الحديث العالم الفرنسي «أوجست كونت»: إن عبقرية الإسلام وقدرته الروحية لا يتناقضان البتة مع العقل كما هو الحال في الأديان الأخرى؛ بل ولا يتناقضان مع الفلسفة الوضعية نفسها؛ لأن الإسلام يتمشى أساساً مع واقع الإنسان، كل إنسان، بما له من عقيدة مبسطة، ومن شعائر عملية مفيدة! «(رشدي فكار: نظرات إسلامية للإنسان والمجتمع، 31).
- باحث اجتماعي