د.خالد بن صالح المنيف
أعلن مذيع مطار نيويورك الداخلي عن تأخر رحلة أثينا لمدة ثمان ساعات، وكان من بين ركاب الطائرة المتأخرة المفكر واين داير الذي يصف لنا ما حدث قائلاً: ناح الركاب وصاحوا ولا تسل عن حجم الألم وعظم الشكوى ومساحات الكرب وسحائب القلق التي أمطرت الركاب، فقد توجه البعض غاضباً نحو موظفي الخطوط لتدبر الأمور أو لتفريغ شحنة الإحباط عليهم، وبين هذا الهرج والضجيج كانت هناك امرأة يونانية احدودب ظهرها وتهدل حاجباها قد جاوزت الثمانين كانت تجلس بهدوء وسكينة لا صخب ولا انزعاج حتى أقلعت الطائرة بعد ثمان ساعات، وعندما صعدوا للطائرة كان مقعد تلك المرأة بجانبي وما أعجب ما رأيت فلم تتحرك ولم تتلفت ولم تقف من مكانها ولم تعبث بجهاز الهاتف، بل بقيت بتلك السكينة التي كانت عليها!
يقول السيد واين داير: كم أعجبت بحكمة وسلوك هذه السيدة اليونانية! وكم من موقف مشابه استعرضت فيه سلوك هذه السيدة وتخيلت صورتها الساكنة فيلهمني ربي السكينة ومعها حسن التصرف!
انظر لحجم الانزعاج عندما تتأخر لجزء من الثانية عن التحرك عند إحدى الإشارات!
وتأمل في كم الغيظ الناتج عندما يتأخر النادل في إحضار الطعام!
وعندما يقف أحدهم أمام سيارتك لا تكف عن إزعاج الكل بالمنبه!
لماذا نلهب تلك المواقف البسيطة بوقود ضخم من المشاعر السلبية؟
والنتيجة نوبات صرع تعطي قوة مؤقتة تشنج العضلات وبعدها شعور بالوهن والضعف!
ثمة جانب كبير في حياتنا يفرض علينا الصبر والانتظار؛ فما أروع أن نتقبل فكرة الصبر بقلب ساكن وثغر مبتسم وروح طيبة ولسان عفيف!
وما أروع قول جورج لويس: العبقرية ليست إلا قدرة عظيمة على الصبر!
ليس في التأخير عقوبة تنتظرنا ولا انتقاص من قدرنا! بل هو أمر لازم ومن مسلمات الحياة؛ فليس من العقل تأجيجها وشحنها أو أن نرتعد حيالها أو نبتئس!
فالمواقف إذا ما بالغنا في الشكوى منها نفاقم من أثرها ونزيد من اشتعالها.. وجميل هو قول شكسبير: ما أشد أن نبالغ في التذمر!
أيها العاقل لا تكن ضيّق الصدر بالمواقف البسيطة فأنت تعيش في وسط غير كامل فلا تنشد حلولاً كاملة حتى لا تعيش أبد الدهر على أعصابك مستنفراً مستفزاً عند كل زاوية وفي كل منعطف، تلك الحياة.... وعليك أن تتفهمها... وأن تتلقاها بهدوء جنان وحكمة واسعة وصدر رحب وقبول حسن، وتذكر الحكمة القائلة من أعفى نفسه من انفعال دقيقة أبعد يوماً كاملاً من الأسى والندم!
ومضة قلم:
إنك لا تستطيع أن تمنع طيور الهم من أن تحوم فوق رأسك، لكنك تستطيع منعها أن تعشعش في عقلك!