مكة المكرمة - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد معالي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي أمين عام رابطة العالم الإسلامي عضو هيئة كبار العلماء أن رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- لـ«المؤتمر الإسلامي العالمي - الإسلام ومحاربة الإرهاب» يجسد مدى اهتمامه لقضايا الإسلام والمسلمين، جاء في وقت مهم جداً لمناقشة قضية الإرهاب من جذورها، ووضع الحلول الناجعة لها، وكلمته الضافية في افتتاح المؤتمر، يؤكد حرصه على مصالح الأمة، ونشر الوسطية والاعتدال، وقال إن دور المملكة في نشر الإسلام يشهد به الجميع، وأضاف أن بحوث ومناقشات وتوصيات المؤتمر وبلاغ مكة المكرمة الصادر عنه يمثل انطلاقة جديدة لمحاربة آفة الإرهاب والتصدي لها، ووضع الحلول الناجحة لها، وأن تتحمل كل جهة مسؤولياتها، فقد أكد المؤتمر على وضع خطة استراتيجية متكاملة للوقاية من الإرهاب بأنواعه كافة والاستفادة من تجربة المملكة والتعاون مع المجتمع الدولي، وإنشاء مراكز أبحاث متخصصة في مكافحة الإرهاب تقوم بجمع المعلومات عن الأفعال الإرهابية وتحليلها، وضرورة دعم المؤسسات الدعوية وإفساح المجال لها للقيام بواجبها في توعية الشباب ونشر الوسطية، وإنشاء هيئة عالمية لمكافحة الإرهاب في « رابطة العالم الإسلامي» ووفود لزيارة البلدان المتضررة.
جاء ذلك في حوار مع الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي معالي الدكتور عبدالله التركي بعد اختتام «المؤتمر الإسلامي العالمي.. الإسلام ومحاربة الإرهاب»، وفيما يلي نصه:
* بداية ما أبرز ما تم في «المؤتمر الإسلامي العالمي - الإسلام ومحاربة الإرهاب»؟
- في جلسات المؤتمر ناقش المشاركون البحوث وأوراق العمل المقدمة، وأكدوا على براءة الإسلام من الإرهاب، وأن ما يزعمه الإرهابيون ممن يتحدثون باسم الإسلام والمسلمين من مسوغات دينية لا علاقة لها برسالة الإسلام التي تقوم على الوسطية والعدل والإحسان والرحمة بالناس، وتؤكد نصوصه الجلية على احترام حقوق الإنسان، ورعاية الكرامة الإنسانية، وصون حرمة النفوس والأعراض والأموال والممتلكات، واعتبر المشاركون إلصاق تهمة الإرهاب بالأمة الإسلامية ودينها وثقافتها، إساءة تعرقل نتائج الجهود المبذولة في معالجة هذه الظاهرة، وتتجاهل جهود المسلمين في التعاون الدولي وفي خدمة الأمن والاستقرار العالمي.
واستعرض المؤتمر الجهود الدولية في مواجهة الإرهاب، وأشاد بجهود المملكة العربية السعودية وقيادتها الحكيمة في مواجهته والتصدي للتطرف والغلو، وتوعية الأمة بخطره، وعملها الدؤوب في مواجهة هذه الظاهرة العالمية، وحرصها على تعزيز الاستقرار والأمن في العالم.
وأكد على أن نجاح المملكة في ذلك مرتبط بتطبيقها للشريعة الإسلامية منذ تأسيسها، وحرص قادتها على أمن مواطنيها والمقيمين على أرضها، واستقرارهم، وتلاحم شعبها مع قيادتها، ودأبها في تعزيز التضامن الإسلامي، وخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، واهتمامها بقضايا المسلمين، وحرصها على أمنهم واستقرارهم.
ودعا المؤتمر الدول العربية والإسلامية إلى الاستفادة من تجربة المملكة، وإلى المزيد من التعاون معها في مكافحة الإرهاب، وناقش المؤتمر مفهوم الإرهاب وأسبابه وآثاره، وما ينبغي عمله لمواجهته وتبين أن أسبابه متنوعة ومتشعبة ومتشابكة، وأن من أهمها على المستوى العالمي؛ التحيز في التعامل مع قضايا العالم الإسلامي، والكيل بمكيالين، وعدم تحقيق العدالة ورفع الظلم عن الشعوب المستضعفة، والرضا أو السكوت عن سياسات الظلم والتجويع والحصار والتدمير والقتل بلا محاسبة ولا محاكمة.
وساعد على تنامي هذه الظاهرة في العديد من المجتمعات الإسلامية أسباب متعددة دينية وفكرية وسلوكية وتربوية.
* وما الأسباب الدينية وراء انتشار ظاهرة الإرهاب؟
- هناك أسباب كثيرة أبرزها الانحراف الفكري في المفاهيم الشرعية ومتعلقاتها، كالجهاد، والتكفير، والحاكمية، والولاء والبراء، ودار الإسلام، ودار الحرب، وما يتعلق بذلك من أحكام ينبغي الرجوع فيها إلى العلماء الربانيين المؤهلين، وتجاسر الجهلة والمغرضين على الطعن في العلماء المعتبرين، واتخاذ أنصاف المتعلمين مراجع في فقه الدين ورؤوساً في الفتوى، فأفتوا باستباحة الدماء والأموال المعصومة، والخروج على الحكام، وذلك بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، فضَلوا وأَضلوا.
إضافة إلى تصاعد التعصب الطائف، بما أجَّج مشاعر الكراهية، وأثار العداوات التاريخية، وجرَّ المسلمين إلى فتن خطيرة، وأدى إلى افتراقهم إلى فئات متناحرة.
والتقصير في تطبيق الشريعة في معظم الدول الإسلامية، على الرغم من تشوف المسلمين إليها، وحرصهم على التحاكم إليها، لما فيها من تحقيق العبودية لله تعالى، وإقامة مصالح الناس العامة والخاصة، وإشاعة العدل والرحمة والهدى والخير في المجتمع، وضعف أداء رسالة المسجد والمدرسة في التربية والإصلاح والتهذيب.
* تعرض المؤتمر لأسباب أخرى اجتماعية وإدارية واقتصادية لظاهرة الإرهاب ما هي أبرزها؟
- الأسباب الاجتماعية والإدارية والاقتصادية لظاهرة الإرهاب تتمثل في قصور برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية عن تلبية حاجات المجتمعات، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وغياب العدالة الاجتماعية في كثير من بلدان المسلمين، وتراخي المجتمعات في التعامل المسؤول مع الظواهر الاجتماعية السيئة، والاستسلام للتأثير الإعلامي السالب، مما أدى إلى تطرف في الفكر والرأي وانحراف في السلوك، والتساهل في كثير من المجتمعات الإسلامية في حماية الحقوق وتطبيق العدالة في التوظيف والقضاء، والتهاون في توفير حياة كريمة للفقراء والضعفاء والمحرومين، وعدم الاهتمام بمشكلاتهم ومطالبهم.
إضافة إلى تفشي الفساد الإداري والمالي، وضعف المحاسبة، مع تراجع أداء المؤسسات الحكومية في كثير من بلدان المسلمين، وفشلها في التخطيط للتنمية المستدامة، وقصورها في مواجهة المشكلات والأزمات بما تقتضيه المسؤولية من الحزم والأمانة والعدل، وضعف أثر الأسرة في التربية والتوجيه وحسن التنشئة، وتوفير المناخ النفسي الملائم لأفرادها، مما أسهم في التفكك والعنف الأسري.
* وهل من أسباب أخرى وراء انتشار هذه الظاهرة الخطيرة؟
- هناك تطاول التيارات المعادية للدين وأحكامه، على الثوابت والمسلمات الإسلامية، وعدم الاكتراث بما يحدثه هذا التطاول من استفزازات خطيرة لعامة المسلمين، وتجاوزات الإعلام العالمي، ودأبه على الإساءة إلى الأنبياء ورسالاتهم وأتباعهم، وحماية القوانين الوطنية للمسيئين من العقوبة الرادعة، بدعوى حرية التعبير، مما يثير عند بعض المتحمسين نزعة الانتقام بعيداً عن اتباع السبل القانونية والشرعية.
إضافة إلى اغترار كثير من الشباب بدعاوى الفكر المتطرف؛ لقلة علمهم وضحالة فكرهم، وضعف فقه التدين عندهم، وجهلهم بخفايا الأحداث المحيطة بهم.
* وماذا عن دور المؤسسات الدينية والعلماء في علاج الظاهرة؟
- للمؤسسات الدينية والعلماء دور كبير في علاج ظاهرة الإرهاب، وذلك نشر العلم الشرعي الصحيح المستمد من نصوص القرآن والسنة، وفق فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، وتعزيز نهج الوسطية والاعتدال، الحرص على توفر القدوة الصالحة من العلماء الربانيين، والحفاظ على مكانة العلم وأهله، للقيام بالنصح وبيان أحكام الدين، وبذل الجهد في تحقيق الأمن الفكري للأمة، لحماية شبابها من الوقوع في شراك الشبهات، ووضع الخطط الكفيلة بذلك، والانفتاح على الشباب بالحوار، والتباحث معهم في مشكلات الحياة المعاصرة، وإشراكهم في حل قضايا مجتمعهم، وصولاً إلى التفكير السليم، وتصويب المفاهيم بالعلم الصحيح، ورد الشبهات المضللة والأهواء المهلكة..
إضافة إلى دعم مؤسسات الإفتاء بالعلماء والمفتين الذين تتوفر فيهم الأهلية العلمية والشرعية، وتبصير الناس بمن يستفتون، والتصدي للنوازل بفقه واع يزاوج بين نصوص الشريعة ومتغيرات الواقع، وتنشيط الفتوى الجماعية في الشأن العام للحد من شذوذ الفتاوى الفردية، وتقوية المؤسسات الفقهية والعلماء الربانيين، وتوعية الشباب بحقيقة الجهاد وأحكامه وضوابطه وغاياته الشرعية، وعلى المؤسسات الدينية تصحيح المفاهيم الخاطئة حوله، وحول المصطلحات الإسلامية الأخرى. وتعظيم الثوابت، والالتزام بآداب الاختلاف والحوار، وعدم التساهل والتسرع في التكفير والتبديع والتفسيق.
* ماذا عن دور ورسالة رابطة العالم الإسلامي في علاج ظاهرة الإرهاب؟
- دور رابطة العالم الإسلامي في علاج ظاهرة الإرهاب يتمثل في عقد لقاءات تنسيقية مع الجهات المتخصصة في الأمة الإسلامية، لوضع خطط عملية تتصدى للفكر المنحرف، وتكوين وفود من العلماء والمتخصصين لزيارة البلدان المتضررة من الإرهاب، ومقابلة مسؤوليها، وشرح الرؤية الإسلامية حول علاج هذه الظاهرة، والتعاون مع الجامعات الإسلامية ومراكز الأبحاث من أجل ضبط المفاهيم الملتبسة، وتوفير مادة علمية رصينة تكون بين أيدي الخطباء والدعاة والمعنيين بالشباب.
إضافة إلى العمل على إنشاء هيئة عالمية لمكافحة الإرهاب تابعة لرابطة العالم الإسلامي، تتولى دراسة الإرهاب، وتحليل دوافعه وأسبابه، ونشر الدراسات البحثية حوله، واقتراح البرامج العملية التي تسهم في الوقاية منه، وتنفيذها، والتنسيق في ذلك مع المؤسسات المختصة، وعقد لقاء عالمي يضم مختلف الهيئات الدينية والمؤسسات الفكرية والشخصيات المتخصصة؛ مسلمين وغير مسلمين، وذلك لبيان موقف الإسلام من الإرهاب، وجهود المسلمين في التصدي له، ومجالات التعاون بينهم وبين غيرهم في ذلك، وتكوين لجنة يختارها الأمين العام للرابطة، لمتابعة توصيات هذا المؤتمر، واستخلاص برامج عملية من بحوثه وتوصياته.
* ولكن السؤال كيف يمكن تحقيق الأمن الفكري في المجتمع؟
- الأمن الفكري يحتل موقعاً رئيساً من الأمن الشامل، وتأثيراً كبيراً في أنواع الأمن الأخرى، سواء في إيجادها أو في المحافظة عليها، كالأمن النفسي والاجتماعي.
فكثير من المشكلات النفسية لها تأثر غير مباشر في الأسس الفكرية والأصول الاعتقادية التي نشأ عليها الشخص، والتي لها تأثير عميق في تكوين منحاه السلوكي.
فإذا كان القلب عامراً بالإيمان بالله تعإلى، واللسان لاهجاً بذكره، أثمر طمأنينة وسكينة ضافية على النفس:
{الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد: 28
وإذا كان القلب متشبعاً بالفلسفات الوضعية، مسكوناً بالشبهات والاعتقادات الباطلة المبعدة عن الله، كان عرضة للاعتلالات النفسية المرهقة:
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} طه: 124
قال ابن كثير: فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تَنَعَّم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد.
* هناك تصدعات تظهر في المجتمع فينتج عنها مخاصمات وتبرز تيارات متصارعة فما هي أسبابها؟
- كثير من التصدعات التي تصيب المجتمع الواحد، فتُحدث فيه فئات متخاصمة وتيارات متصارعة، ترجع في أبرز أسبابها وأهم عواملها، إلى الضعف والاختلال والاختراق في منظومة القيم والمبادئ والأصول الفكرية، التي تحكم ذلك المجتمع وتحدد هويته وانتماءه، وتصنع بين أفراده تجانساً في التفكير والشعور.
وقد أشار القرآن الكريم إلى أن الدين الحق، يجمع الناس ويوحد صفوفهم ويصنع منهم أمة متآلفة على الخير:
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} آل عمران : 103
فإذا حصل الاختلال في فهم الدين أو في التمسك به، تعرضت الأمة إلى التقطع شيعاً وأحزاباً.
* كيف يمكن تحقيق البعد الإستراتيجي للأمن الوطني؟
- الأمن الفكري هو البعد الإستراتيجي للأمن الوطني، وهو الحصن الذي يلوذ به أبناء الأمة، في مواجهة الاختراق الفكري والغزو الثقافي الذي اشتد وتكاثرت مداخله، في ظل العولمة والتداخل الذي نتج عن تكنولوجيا المعلومات والاتصال. وهو الميزان الذي يحافظ على حالة الوسطية والاعتدال، في التمسك بالدين وتطبيقه في الحياة، من أن تزيغ بأهله الأهواء نحو التطرف والغلو المؤدي إلى العنف والإرهاب، أو التفسخ والإهمال المؤدي إلى فوضى أخلاقية وتمزق في النسيج الاجتماعي، وألوان من الفساد لا تحصى.
* ولكن الآن تطور مفهوم الأمن الفكري مع تطور التكنولوجيا فما تأثير التقنية على الأمن؟
- تطور مفهوم الأمن وأنواعه وأدواته، مع تطور العلوم والتكنولوجيا التي نقلت المجتمعات إلى أنماط جديدة من العلاقات والتفاعل، وربطت الشعوب بعضها ببعض، بشبكات متنوعة وسريعة في التنقل والاتصال.
وفي ظل هذا التطور يحتاج أمن المسلمين على دينهم وتراثهم وثقافتهم الإسلامية، إلى تجديد في الأدوات والوسائل، لكي يستطيعوا أن يواجهوا الطرق الجديدة التي تغزو مختلف فئات الأمة، من جراء الانفتاح على الثقافات الأجنبية بواسطة الفضائيات والشبكة العنكبوتية.
* وكيف تتحقق طمأنينة المسلمين في ظل المنظومة الثقافية للمجتمع؟
- مفهوم الأمن الفكري في المجتمع الإسلامي، يدور معناه حول طمأنينة المسلمين أفراداً وجماعات، على المنظومة الثقافية التي تخصهم وتميزهم عن غيرهم، وهي منظومة يعتبر الدين مكوناً أساسياً فيها.
وتحصل هذه الطمأنينة بإقامة الدين وإظهار شعائره، وتطبيق أحكامه، والتمسك بما جاء به من أخلاق وآداب، فردياً وجماعياً، وأن لا يجد المسلمون مضايقات في تعليمه ونشره والدعوة إليه والذب عنه، وأن يروا أبناءهم بعيدين عن مصادر التلوث الفكري، التي يتسرب إليهم من خلالها ما يشككهم في دينهم، ويضعف أثره في نفوسهم، ويشجعهم على التنكر لهويتهم وأمتهم وانتمائهم الحضاري الإسلامي.
* وما أبرز دعائم ومقومات الأمن الفكري؟
- للأمن الفكري دعائم يقوم عليها، ومقومات تسهم في تكوينه والمحافظة عليه.
ومن أهم تلك المقومات التعليم الإسلامي الصحيح واللغة العربية، فإنه المقوم الأول لحماية الهوية الدينية واللغوية للأمة من الضياع والاستلاب. فمن الضروري أن يكون في كل بلد من بلاد الإسلام، جهات متخصصة تولي التعليم الإسلامي اهتماماً خاصاً، بالقدر الذي يحتاج إليه أبناء الأمة من الناشئة والشباب، سواء بإدخاله في مناهج التعليم العام، أو بإنشاء المعاهد والكليات، التي تهدف إلى تخريج المتخصصين في الفتوى وتدريس علوم الشرع، والإمامة والخطابة والدعوة العامة.
ومن حق الجاليات والأقليات المسلمة المنتشرة في العديد من بلدان العالم غير الإسلامي، على إخوانهم في الدول الإسلامية، أن يعينوهم فيما يحتاجون إليه في تعليم أبنائهم دينهم ومبادئ اللغة العربية.
* وماذا عن دور العلماء والدعاة في ترسيخ الأمن الفكري؟
- على العلماء مسؤولية كبيرة في صيانة فكر الأمة من الاختلال والاحتلال، بنشر العلم بين الناس، وتصحيح الأخطاء في المفاهيم الشرعية، وإرشاد الشباب وإزالة الإشكالات من أذهانهم، والرد على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام حول بعض أحكامه وتشريعاته في مجال الأسرة والمرأة، وحرية العقيدة، وحقوق الإنسان، والعلاقات بين المسلمين وبين غيرهم.
ومن مهمة العلماء في حفظ دين الأمة، من التحريفات الناشئة عن القصور في الفهم، الرد على ما ينشره أهل البدع من أباطيل وتأويلات للنصوص بتحكيم الأهواء والأذواق والآراء، والرد على ما تَلْبِس به على الناس الفئاتُ المنحرفة عن النهج الصحيح في فهم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، المتأثرة بنهج أهل البغي والخوارج الذين كفروا المسلمين واستحلوا حرماتهم، وأرهقوا الأمة بشقاقهم، نتيجة اعتمادهم في فهم معاني نصوص الكتاب والسنة، على أنفسهم مع جهلهم وقصور أفهامهم، واستنكفوا أن يرجعوا إلى أهل العلم، فوقعوا فيما وقعوا فيه من سوء الفهم، والقراءة التجزيئية للنصوص فأوردتهم موارد الهلاك.
* وما هي مقومات الأمن الفكري؟
- من مقومات الأمن الفكري السمع والطاعة لولاة الأمر، وبيعتهم على ذلك في المعروف وفيما يستطاع، وبذل النصح لهم والتناصح بالائتلاف عليهم، وحسن الظن بهم، والحذر من مشاقتهم أو إبداء ما يشجع على مشاقتهم، فإن ولاة الأمر هم الذين يجمعون الأمة ويحافظون على وحدتها، وبهم ترتبط الجماعة ويقوم أمر الدين والدنيا، ويستتب الأمن في الأوطان وتحمى المصالح العامة والخاصة.
* وماذا عن دور الجامعات ودور العلم في تحقيق الأمن الفكري؟
للجامعات والمعاهد والكليات الدور كبير في الإسهام في تكوين الأمن الفكري للمجتمع، وإرساء دعائمه، والمحافظة عليه، وحمايته من محاولات الاختراق والتعدي.
وإسهامات الجامعات وغيرها من مؤسسات التعليم، في تحقيق الأمن الفكري؛ بعضها يتوجه إلى الطلاب، وبعضها إلى الفضاء الاجتماعي العام، وترتبط هذه الإسهامات في كلا البُعدين بالسياسة التعليمية التي تحدد مسار التنمية التعليمية وفق قيم الأمة وأصولها وإطارها الحضاري العام، ولا يمكن أن تحيد عنها بحال.
والاعتناء بالطلاب له أولوية في الجهود التي تبذلها الجامعات، في ترسيخ المنظومة الفكرية والثقافية التي تسير عليها الدولة والمجتمع؛ فإنهم فئة من المجتمع ترتبط بالجامعة ارتباطاً مباشراً، لتلقي ما تقدمه إليهم من تعليم وتوجيه وتثقيف، وهم في مرحلة عمرية شديدة التأثر بالأفكار والتوجهات والفلسفات التي تروج عبر الكتب التي يمر عليها الطالب في دراسته وبحوثه. فلا ينبغي أن تقتصر جهود الجامعة على تقديم العلوم المقررة على طلابها في تخصصاتهم، بل لا بد أن تمتد لتصل إلى أداء رسالتها الثقافية في محيطها الاجتماعي، بالإسهام في التوعية والتوجيه، وفي مقدمتهم الطلاب المنتسبون إليها، والدفاع عن القيم الإسلامية التي يسير عليها المجتمع ويتواصل على أساسها، والوقوف سداً منيعاً في وجه القيم الأجنبية الدخيلة التي تسعى لأن تحل محل القيم الإسلامية.