كانت قصيدة جميلة في أوراق هذه الصحيفة.. جميلة حتى البكاء.. لكنها رخيصة.. رخيصة جداً.. إلى هذا الحدّ: يلفّ بها البائع الجوّال شطيرة نقانق ملأى بالدهن في شارع قذر مُختنق بعوادم السيارات، مكتظّ بأجساد المارة.. ومعدتي التي تقرقر من الجوع!
آلمني وجه شاعري المفضّل الذي يغرق في حمام من الزيت والخردل لينام في أحضان نقانق! أقف بأسى وأتابع ما يحدث بصمت.. ولسوء الحظّ لم تكن تلك الشطيرة الملفوفة بهذه الورقة من نصيبي؛ أخذها صاحبها ومضى، كدتُ أتبعه، لكنه لن يعطيني إياها على أية حال، وسأكون مجرد معتوه مؤذٍ؛ يستحق الضرب.. أخذها بكل بساطة.. وليتنا نستحقّ كل ما نأخذ!!
ما زاد من حدّة ألمي هو أني لا أعرف إلى أين سينتهي وجه صاحبي وقصيدته التي أبكتني.. «تحت أقدام المارّة في سلّة المُهملات.. حقاً، لا أطيق تصوُّر ما قد يحدث؟!».
أخذتُ وجبتي السريعة متوجهاً إلى منزلي.. وبسرعة التهمت طعامي، وما زلتُ أستشعر رغبة فكي في طحن الطعام.. حالة غضب عارم اعترتني، حالة سخط واحتجاج.. وسرعان ما هدأت حتى شعرت بالكآبة تخيّم في أرجاء قلبي والمكان..
«القصيدة التي أبكتني.. ووضعت يديها الحانيتين على مكامن الوجع..فأخذت تغنّي.. وتربتُ على ظهري كما لو كُنتُ في حضن أمي.. وتقول: سيزول الجرح، وسينمو في مكان الجرح ورد.. لا بل حدائق ورود.. قتلوها.. بخسوها.. أغرقوها!!».
شعرت بأني أرثي لحالي وأنا أرثي القصيدة التي أحببت.. القصيدة التي أبكتني وأحببتها حتى التوحّد.. تلك التي عانقت وجعي وهدهدته كالطفل الرضيع.. تلك التي صافحت أحزان وحدتي، وأخبرتني بأنني لست الوحيد..
حتى شعرت بهذا الحبّ ينقلب شيئاً فشيئاً مشاعر حنق وعداء تجاه هذا الشاعر الغافل الذي يفتح صدره لهؤلاء الأغبياء، ويعرض أحزانه ومخاوفه والجراح كما لو كانت قطع أثاث للبيع في «موبيليا»!!
قلتُ وأنا أتأمل صورته على غلاف كتابه..»فلتطبق فمك وتخرس!! احتفظ بمشاعرنا جيداً لئلا تغرق في الخردل من جديد»!!
- حنان الحربش