كثيراً ما يساء فهم طبيعة علم الاقتصاد، وكثيراً ما تكون النظرة إليه نظرة تشوبها الحيرة وتعوزها الثقة، ومن ثم ينتقص قدره بصورة تدعو إلى الأسف فهو يتهم بالغموض من جهة، ويوصف بالسطحية من جهة أخرى ويقول منتقدوه بوجه عام أنه أخفق في وضع حلول ذات قيمة عملية في معالجة ما يجد من مشاكل عالمية عاجلة.
إن أي كاتب أو باحث يتناول موضوعاً كبيراً قد يترك بالضرورة كثيراً من التفصيلات، إلا إن عرض الخطوط العريضة في علم الاقتصاد ربما يساعد على إبراز أهمية هذا العلم في عالمنا الحديث وربما يبعث على الاهتمام بذلك العلم الاقتصادي ويقويه وهذا الاهتمام بدوره ربما يؤدي إلى تقدير ذلك العلم التقدير الذي يستحقه.
وهذا أهم هدف يساعد أي كاتب أو باحث اقتصادي متخصص على مناقشة مشاكل عصره الاقتصادية وقضايا بلده الاقتصادية ومبادئ العلوم الاقتصادية لأن علم الاقتصاد يعين الناس على تفهم مشاكلهم التي تعرض لهم باعتبارهم أفراداً في المجتمع.
عندما نتأمل نشاط الناس رجالاً ونساء في ساعة من ساعات الصباح بيوم من أيام العمل نرى، غالبيتهم تنصرف إلى أعمال مختلفة وتنهمك في مشاغل كثيرة متنوعة في المصانع والحقول والمكاتب والسكك الحديدية والمدارس والمستشفيات والمصارف والأعمال الحكومية المختلفة.
إن نشاط جميع هؤلاء على اختلافهم واختلاف أعمالهم يشترك في أمرين: أولهما أنهم جميعاً يهدفون من وراء أعمالهم إلى تحصيل أسباب عيشهم فما يكسبونه مقابل ما يبذلون من نشاط وجهد يمكنهم من تحقيق حاجاتهم الضرورية من طعام وشراب ولباس وسكن وقد يفيض عن الحاجات الضرورية لهم فيستخدمونه في إنتاج سلع أو تقديم خدمات يحتاج إليها غيرهم من أفراد المجتمع.
هذا النشاط المشترك الذي يدور حول تحصيل أسباب العيش عن طريق إنتاج سلع وخدمات، هو ما يعرف بالنشاط الاقتصادي ومجموع أوجه هذا النشاط الذي يقوم به أولئك الأفراد هو ما يسمى بالنظام الاقتصادي.
وعلى الرغم من أهمية النظام الاقتصادي وأثره البالغ في حياتنا اليومية فإن الذين يهتمون بمعرفة أي شيء عنه قليلون مع أن علم الاقتصاد يلقي الضوء على الحياة المادية للإنسان ولا تقل أهمية الإلمام بقدر منه عن أهمية فهم القواعد الأساسية في الصحة أو في التعليم والتربية.
إن المعلومات الاقتصادية تساعدنا على فهم لماذا نسعى لتحصيل أسباب العيش ولماذا يختار كل منا مهنة خاصة يقبل عليها بذاتها وكيف ننظم ما نكسب أو نحصل عليه من دخول وما النظام الذي نخضع له في شراء ما نحتاج إليه من سلع، وكيف تصل السلع إلى المستهلكين منا سواء أكانت من الإنتاج الخارجي أم من الإنتاج المحلي، وما الأسس التي تحدد عليها أسعار السلع التي ندفعها مقابل الحصول عليها ذلك لأن هذه الأمور كلها من موضوع علم الاقتصاد.
يعرف إيفلين توماس علم الاقتصاد في إيجاز بأنه دراسة الإنسان في نطاق عمله وسعيه للحصول على أسباب عيشه فهو يبحث الفروع المختلفة للنظام الاقتصادي وهو يعتمد في هذه الدراسة على الوقائع التي تنظم الحياة اليومية في دنيا الأعمال ومن ثم نجد مهمة الاقتصادي هي وصف هذه الوقائع في ترتيبها الصحيح.
فلو كانت حاجاتنا كلها تتحقق دون جهد يبذل أو كان في مقدورنا الحصول على الطعام والملبس والمسكن دون أن نقدم عملاً نكسب من ورائه ما ندفعه أو ندفع بعضه مقابل الحصول على هذه الأشياء ما قامت ضرورة البحث الاقتصادي وما كانت هناك حاجة إليه.
لقد أوجز الاقتصاديون الحديث فقالوا إن الإنسان الذي يواجه دائما مشكلة الاختيار هو دائماً يدبر ويقتصد في هذه الناحية أو تلك سواء في ذلك ما يكون في الشئون المنزلية أو في دائرة عمله. إذ لو كان لدينا من الوقت ومن الموارد ما نريد لما قامت دواعي الاقتصاد ولما نشأت مشكلة الاختيار بل لما كانت هناك مشاكل اقتصادية. إننا نواجه دائما مفاضلات اقتصادية تضطرنا إلى تدبير أمورنا ومواردنا ووقتنا بحيث نحقق بها أقصى ما يمكن تحقيقه من حاجاتنا ورغباتنا.
إن الطبيب ورجل الأعمال وصاحب المصنع والكاتب والمدرس والمستهلك مضطرون جميعاً إلى اختيار أمر من عدة أمور فالطبيب الناشئ يقارن بين مزاولة مهنة الطب دون تخصص أو إنفاق مزيد من النقود في سبيل التخصص في فرع من فروع الطب وأصحاب المصانع ورجال الأعمال يفاضلون بين ضروب الإنتاج المختلفة لتحقيق أقصى ربح ممكن والمستهلكون يختارون ما ينفقون فيه نقودهم بحيث يحققون أقصى درجة ممكنة من إشباع حاجاتهم.
ومسألة الاختيار هذه لا تقتصر على النوع، بل تتعداه إلى الكمية كذلك ومع ذلك فإن هذه القرارات هي التي تبين طبيعة النشاط الاقتصادي ومداه فاختيار واحد من عدة أمور يمكن أن يكون أحدها بدلاً منه هو أساس النظام الاقتصادي.
ولذا تقع على عاتق رجل الاقتصاد مهمة فحص الظواهر الاقتصادية وترتيبها على الوجه الذي يوضح الطريقة المعقدة لسير النظام الاقتصادي، ويشرحها بشكل ميسر حتى تسهل دراستها وتتيسر متابعة فحصها وتحليلها واستنباط المبادئ الاقتصادية التنظيمية.
إن رجل الاقتصاد بقدرته المستمدة من دراسته للنظام الاقتصادي على التنبؤ أنه يؤدي خدمة جليلة للمجتمع إذ يستطيع تقدير الأخطار والتنبيه عليها. ودراسة الاقتصاد -بناء على ما سبق- أداة نافعة في معالجة مشاكل الحياة الحديثة فهي تبين لنا النتائج المترتبة على سلوكنا مسلكاً معيناً في تدبير الجانب المادي من حياتنا وتعيننا على مواجهة مشكلة الاختيار بين البدائل المتاحة، مما يجعل قراراتنا أقرب إلى الصواب ويجنبنا الكثير من الأخطاء عند تدبير أمورنا الاقتصادية واتخاذ القرارات للمسائل الاقتصادية المختلفة.
- عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية