بداية أقول (لا يعني) مقالي هذا، وأنا أعبّر فيه عن رأيي (بحرية) تجاه صحيفة (تشارلي أبيدو) التي مسّت حريتها المزعومة النبي العظيم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وأظهرته في رسوم مسيئة وهو الرحمة المهداة للبشرية أجمعها؛ أنني (أبرّر) تلك العملية الإرهابية التي طالتها؛ وذلك لإيماني بأنّ ديني الإسلام لا يقرها، وينهي عن قتل النفس البريئة بغير حق، بل ويدعو إلى احترام العهود والمواثيق «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة» لكني أقولها صراحة، عفواً أنا لا يمكن لي كمسلم إلا أن أشعر بأنّ الغرب يكيل بمكيالين، مكيال فيعطي مؤسساته الإعلامية الحق في ازدراء الأديان، وإهانة معتقدات المسلمين، واستعمال الفيتو لتعطيل حل قضاياه العادلة، كما تفعل أمريكا في حق الفلسطيني في تحقيق الحرية والاستقلال لوطنه، ومكيال يحمي حقوقه وشعوبه من أن تهان وتزدرى أو تنتقص معتقداته، فعند فرنسا المس بتكذيب الهولوكست مثلاً جريمة، لكن ازدراء النبي محمد عليه الصلاة والسلام بالصور المسيئة فهذه قضية حرية ورأي، إن أعمال العنف والإرهاب تبقى مرفوضة لديّ كمسلم ولا تبرر بما نواجه من همجية حرية التعبير في الغرب، فالعنف ليس بمنهج الرسول الحبيب الذي أهدى البشرية دروساً في فن التعامل والتسامح والعدل والعفو، وأنّ بلادي السعودية حرسها الله ووفّق قادتها - عانت من الإرهاب، لكني أجدني (مختلفاً مع الصحيفة تشارلي أبيدو) ومع فرنسا والغرب وزعمهم بحرية الرأي بلا قيود، فحين تمس حرية هذه الصحيفة أو غيرها مقدسات ديني ورموزه، وتسيء برسومات وكتابات لثوابت الدين الإسلامي ومقدساته، فهذا يعني أنها (تسمح بتجاوزات وتطاولات، لا يمكن لي كمسلم أن أقبلها) وهي بذلك تؤذي مشاعري، ولا تحترم معتقدي، بل وتدوس على مشاعر ومعتقد مليار ونصف المليار مسلم في العالم، ورغم ما حدث، وإدانتنا للعمل الإرهابي الذي طال محرري صحيفة تشارلي رغم اختلافنا مع حريتهم المسيئة لديننا، واستنكارنا له، فقد (فاجأتنا الصحيفة يوم الأربعاء 14 يناير 2015) مجدداً بنشر صور مسيئة في الصفحة الأولى، مؤكدة بذلك (تحديها) لمشاعر المسلمين في كل مكان - ومنهم ممن سار في مسيرة فرنسا ضد الإرهاب وهو يحمل راية «أنا تشارلي» - بالإساءة مجدداً إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، رغم الاعتداء الذي قضى على هيئة تحريرها!! فهل تُعَد هذه الإساءات حرية تعبير، أو تفكير، وهي (تستفز) مشاعر المسلمين فيأعظم رموزهم ومقدساتهم ومعتقدهم؟ لا أظن ذلك، ثم تدعو فرنسا العالم ليقف معها ضد الإرهاب، وهي عن طريق ما تقول إنها حرية الرأي في التعبير، تسمح بالإساءات للإسلام، وما علمت بأنها تعطي «المتطرفين» العذر في القيام بأعمال عنف كردة فعل لفعل يستفزهم؟! فأنا أتطلع كمسلم يرفض الإرهاب بكل أشكاله ويدينه، وأتأمّل أن تعلم فرنسا أنّ الإسلام دين محبة وسلام، وأنه في الإسلام لا يمكن للمسلم أن يسيء للديانات الأخرى، ولا يجوز له، رغم أنّ بعض تلك الديانات قد طالها في كتبها السماوية التحريف والتبديل والتغيير، ولا يمكنه أن يحاول أن يتطاول على الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والتسليم، أو الرسل جميعهم، لأنه تعلّم وعَلِمَ في كتابه العظيم قول الحق عز وجل {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }، لأنّ جميع الأنبياء والرسل جاءوا لنشر دعوة واحدة وهي «عبادة الله وحده لا شريك له»، بل إنّ الإسلام يحضّ أتباعه ألاّ يسيئوا لأتباع الديانات الأخرى، وأن يودّوهم، ويتقربوا إليهم، طالما أنهم لم يؤذوهم في دينهم، ويحترموا معتقدهم، ولو كانت خاطئة، لأنّ المسلم يتلو قوله تعالى {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} مع أنّ الله عزّ وجلّ ، قد أرسل نبينا محمد صلوات ربي وسلامه عليه للبشر كافة قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا وقوله وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ، ولهذا فقد شاءت إرادة الله أن تكون دعوة محمد ورسالته هي خاتمة الرسالات، لهذا على الغرب وصحف الغرب وصحفيي الغرب أن يعلموا « أنّ الدعوة للحرية ليس معناها دعوة للانفلات والفوضى، والهمجية ونيل وازدراء مقدسات وثوابت الآخرين»، لأنّ الحرية قيمة عظيمة، ولكن وفق القاعدة التي تصان فيها حقوق التعبير، في عدم إيذاء الآخرين «فأنت حر ما لم تضر!». وأختم بتساؤل هل الغرب حين يسمح بهمجية ازدراء الإسلام ورموزه باسم حرية التعبير، يعد هذا من التمدن والتحضر الذي يدّعيه؟