عزيزتي: إشارة إلى ماتناولته الكاتبة الأستاذة عروبة المنيف بالعدد رقم 15447 الصادر في 13يناير 2015 تحت عنوان (زواج القاصرات)، تحدثت في مضمون مقالتها الرصينة عن موضوع زواج القاصرات وإثارته في أوساط الرأي العام السعودي هذه الأيام.. الخ,
- وتعليقا على هذه المشكلة الاجتماعية في نسيجنا الاجتماعي أقول ومن نافلة القول: إن كلمة قاصرة تعني كل طفل أو طفلة لم يتجاوز الثامنة عشرة بموجب المادة الثانية من نظام اتفاقية حقوق الطفل التي تم اعتمادها بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 44/ 25 المؤرخ في 2 نوفمبر 1989هـ,. وبما أن زواج القاصرات -الذي يعني في مفهوم علم الاجتماع الأسري: «العلاقة الزوجية غير المكافئة التي تنشأ في سن مبكرة، وتفتقد للاستقرار النفسي والروحي والعاطفي والأسري»-.. لايعتبر في مجتمعنا ظاهرة بل قضية موروثية اجتماعية تزداد معدلاتها في القرى النائية والهجر والبادية, وربما البعض قرأ خبر نشر في إحدى الصحف المحلية مؤداه» أب يزوج ابنته ذات ال12 عاما لرجل في العقد الثامن من عمره بمنطقة القصيم، ووالدة الزوجة (الصغيرة) تقدم دعوى للمحكمة العامة مطالبة بفسخ عقد ابنتها..!!، ومثل هذه القصص الواقعية المؤلمة التي نسمع عنها, ونقرأ سطورها التفصيلية في قالبها اللاإنساني..صارت من الملفات الشائكة والقضايا الساخنة التي تشتكي من مثالبها كثير من المجتمعات النامية, وطبقا لإحصائيات الأمم المتحدة التي تتوقع فيها أن تبلغ حالات زواج القاصرات نحو 50 مليون حالة في العالم بحلول عام 2020, وأن هذا العدد سيصبح 100 مليون حالة بحلول 2030, في حال استمرار الأمور على ماهي عليه, ومجتمعنا السعودي وتركيبته السوسيولوجية الثقافية من المجتمعات الإنسانية التي تشهد وجود مثل هذا النوع من الزواج خاصة داخل نسق التركيبة القروية وموروثها الاجتماعي التي تدعم هذا النمط من الزواج اللاتوافقي.. وتراه مقبولا في العرف الثقافي القبلي. وهناك خلط ثقافي بين «الزواج المبكر» و»زواج القاصرات» في المفهوم العربي والإسلامي, مع إن هناك فرقا بين المفهومين.. فالزواج المبكر في الإسلام الذي ينظر للمرأة على أنها إنسان له كينونته وكرامته.. مستحب ومبارك فيه وليس واجبا بل مستحبا حسب الشرع الإسلامي الذي لم يحدد سنا معينا للزواج سواء للشاب أو الفتاة, بل تركه للعرف الاجتماعي والأدبي.. بينما زواج القاصرات بالمعنى الحقيقي من الناحية الطبية والعلمية هو زواج قبل بلوغ الطفلة المتزوجة (فسيولوجيا وسيكولوجيا ووجدانيا وفكريا)..
ويعد -بذات الوقت - سلبا لحقوق الطفلة, وقد ينبري البعض ويقول إن النبي محمد صلى الله وعليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنين.. نعم تزّوج الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام بأم المؤمنين رغم صغر سّنها، ولكن لم يدخل عليها إلا بعد بلوغها, وبعد أن دخلت مدخل النساء ونضج رشدها وفكرها ووعيها المتزن.هذا فضلا عن الخصائص التي اختص بها (سيد البشرية) عليه الصلاة والسلام دون غيره من الأنبياء, ولاشك إن هناك عوامل وأسباب تؤدي بالطبع إلى زواج القاصرات.. كالجهل والأمية التي تنتشر بين بعض أولياء الأمور الذين يعيشون بالذات في القرى النائية والبادية فيقومون بتزويج فتياتهم القّصر في سن مبكرة غير مدركين أن الزوجة القاصر لاتستطيع الحمل وتكوين أسرة وتربية الأبناء ورعايتهم, كما تدخل فيها عوامل اقتصادية.. كالفقر المدقع والعوز والرغبة في التخلص من الأعباء المالية للبنات في سن مبكرة, أيضا من الأسباب تساهل (بعض) مأذوني الأنكحة وإصرارهم على إتمام مثل هذه الزيجات بحثا عن (المال) في كل الأحوال دون مراعاة للآثار النفسية والصحية والجسدية والاجتماعية لقاصرات السن, كما تشكل العوامل الاجتماعية سببا رئيسيا في انتشار مثل هذا النوع من الزواج اللامعياري في نسيجنا المجتمعي.. كوفاة أحد الوالدين أو كلاهما, أو طلاق الأم وانفصالها, ورفض بعض الزوجات تحمل مسئولية وتربية بنات ضراتهن والتخلص منهن بأي وسيلة حتى وإن خالفت القيم الاجتماعية والأعراف الإنسانية, إلى جانب الموروثات الاجتماعية في التركيبة الثقافية القبلية والقروية التي تدعم مثل هذا المظهر من الزواج اللارتباطي، كما تدخل العوامل الثقافية في سياق التعزيز.. فثمة توجّهات ثقافية تقليدية مؤيدة لزواج القاصرات حيث يرى البعض في معظم المجتمعات العربية والإسلامية.. أن الإسلام يحث على مثل هذا الزواج.. وهنا يبدأ الخلط بين مفهوم الزواج المبكر وبين زواج القاصرات الذي ساهم في خضم هذه الرؤية الضبابية في انتشار مايسمى بزواج القاصرات في معظم المجتمعات العربية والإسلامية وليس فقط مجتمعنا السعودي.
- والأكيد أن معضلة (زواج القاصرات) لها اثأر سلبية وتدعيات خطيرة ربما تلقي بظلالها على النسيج الأسري وعلى أيضا البناء الاجتماعي واتجاهاته الوظيفية.. إذا اتسعت دائرتها المظلمة.. فهذا النوع من الزواج الذي يعتبر عنفا «نفسيا واجتماعيا ورمزيا وبدنيا ولفضيا وصحيا».. قد يتمخض عنه بعض الأمراض النفسية مثل الفصام والاكتئاب والقلق والاضطرابات الشخصية والمخاوف المرضية للطفلة القاصرة, كما كشفت التقارير الطبية ومعطياتها المهنية عن وجود آثار وأضرار صحية وجسدية للزوجة القاصر.. منها ازدياد شبه الإصابة بمرض هشاشة العظام وارتفاع حاد في ضغط الدم مما قد يؤدي بالتالي إلى فشل كلوي ونزيف وحدوث تشنجات وزيادة العمليات القيصرية نتيجة تعسر الولادات المبكرة في العمر، وارتفاع يسبب الوفيات نتيجة المضاعفات المختلفة مع الحمل وظهور التشوهات العظمية في الحوض والعمود الفقري بسبب الحمل المبكر, أما عن الجانب الاجتماعي فإن مثل هذا الزواج غير المتكافئ من آثاره كثرة المنازعات والعنف المنزلي والتهميش الاجتماعي وحدوث الطلاق, وبالتالي تشتت الأبناء أو انحرافهم بعد إهمال تربيتهم وتنشئتهم التنشئة السليمة نظرا لعدم توافق وتكافؤ هذا الزواج بالأصل» عاطفيا ونفسيا وفكريا», ولضبط توازن هذه القضية الاجتماعية التي تتنافى مع كافة الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل, والأعراف الإنسانية وقيمها الحضارية.. ينبغي سن نظام قانوني واضح وصريح يحدد فيه سن الزواج المناسب للفتاة ويشترط فيه البلوغ والنضج الجسدي والعقلي والفكري.. مع وضع نصوص تجريمية للإباء الذين يزوجون بناتهن القاصرات لرجال يكبرونهن في السن بشكل كبير جدا، لاعتبارات اجتماعية، أو دوافع اقتصادية, وأيضا لمن يعقد النكاح من مأذوني البحث عن المال..!! وأخيرا وليس بآخر التنسيق بين السياسة الاجتماعية والقضائية التي تتخذها الدولة لمعالجة الأسباب المؤدية إلى (زواج القاصرات) وضبط تجاوزاتها الحقوقية وانتهاكاتها اللانسانية, مع الاهتمام بالأسر الفقيرة وتقديم الدعم اللازم لهم من خلال تفعيل اتجاهات الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر ومثالبه في مجتمعنا السعودي.
خالد الدوس - باحث اجتماعي