إن الشكل الأول من أشكال الإدارة اللا مركزية يتمثَّل في توزيع بعض السلطات والصلاحيات المحدودة من الإدارات العليا إلى الإدارات الفرعية البعيدة عنها جغرافياً لاتخاذ القرارات المناسبة التي تقتضيها حاجة العمل للقيام بمهام معينة تعهد بها الإدارات العليا إلى الإدارات الفرعية التابعة لها، والشكل الآخر من أشكال الإدارة اللا مركزية يتمثّل في تفويض بعض الصلاحيات الواسعة من الإدارات العليا للإدارات الفرعية التابعة لها، وقد جرت العادة في نظام الإدارة اللا مركزية أن يكون التخطيط الإستراتيجي من قِبل الإدارات العليا بناءً على المعطيات والمعلومات المستمدة من الإدارات الفرعية والمحلية ويكون تنفيذ المطلوب من قبل الإدارات الفرعية، وعموماً يمكن القول بأنه لا توجد هناك إدارة مركزية مطلقة أو إدارة لا مركزية مطلقة، بل إن الواقع الإداري يمزج بينهما بنسب متفاوتة، والسبب أن التفويض يُعتبر أمراً نسبياً ويختلف من إدارة إلى أخرى، ويرتبط بأهمية السلطات ونوعية الصلاحيات الممنوحة للإدارات الفرعية، أي أن الإدارات العليا لا تمنح جميع صلاحياتها بشكل مطلق للإدارات الفرعية التابعة لها كي لا تتحول إلى سلطات عليا مناظرة لها، ولأن المسؤولية ستقع في النهاية على الإدارات العليا، كما أن تركيز السلطات والصلاحيات في الإدارات العليا بشكل مطلق لا يؤدي إلى إلغاء دور الإدارات الفرعية فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى إلغاء الهياكل التنظيمية للإدارات الفرعية في القطاعات الخدمية.
والأساس المنطقي لنظام الإدارة اللا مركزية يُعرف بالآتي: كلما كانت الإدارات الفرعية الخدمية أوسع في السلطات وأكثر في الصلاحيات استطاعت أن تقدم الخدمات في وقت أسرع وبطريقة أفضل لأنها تكون في هذه الحالة أكثر قرباً للجمهور من الإدارات العليا، وقرب الإدارات الفرعية من جمهور المستفيدين يمكّن العاملين فيها من جمع مختلف المعطيات والمعلومات عن أولويات الخدمات المطلوبة للجمهور، فتصبح الإدارات الفرعية قادرة على الاستجابة لاحتياجات الجمهور وتأدية الخدمات المطلوبة حسب الموارد المتاحة لها، وفي هذا الصدد يوجد فريقان من الخبراء، الفريق الأول: يرى أن تطبيق نظام الإدارة اللا مركزية في القطاعات الحكومية الخدمية محفوف بالمخاطر ويحمل بين طياته عوامل الفشل لتعدد القرارات واختلافها تبعاً لكل إدارة فرعية، ولأن التفاوت في توزيع السلطات ومنح الصلاحيات للإدارات الفرعية يختلف تبعاً لحجم أعمال كل إدارة فرعية وعدد المنتسبين إليها وعدد الجمهور الذي تخدمه.. والفريق الثاني من الخبراء: يدعو إلى تطبيق نظام الإدارة اللا مركزية في القطاعات الحكومية الخدمية لما تحظى به من الإشادة والتأييد على نحو واسع عند كثير من خبراء الإدارة لأن توزيع السلطات ومنح الصلاحيات يُعتبر عنصراً أساسياً لعملية التطوير والتقدم.
وكثير من الدراسات التي تناولت المقارنة بين الإدارتين المركزية واللا مركزية من حيث فرص النجاح أو الفشل لهما بحثت في الأسباب التي أدت إلى فشلهما بقصد تحسين نتائج كل نوع من الإدارتين لتطبيقه بشكل أفضل على أرض الواقع.. ولكن بصرف النظر عن العيوب الكامنة في نظام الإدارة اللا مركزية والمزالق التي تصاحبه خلال عملية التطبيق، فإن الخبراء يتفقون على أن نظام الإدارة اللا مركزية للقطاعات الحكومية الخدمية يرتكز على مبدأ منح الصلاحيات مع المساءلة، وبالتالي يشجع على تحسين مستوى الكفاءة والمثالية في العمل، كما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية في الإدارات الفرعية.
ومن أهم الأهداف المنشودة من تطبيق نظام الإدارة اللا مركزية جعل الإدارات الفرعية أكثر فعالية وتحمُّلاً للمسؤولية، وغالباً الإدارة اللا مركزية يتم اللجوء إليها للتعويض عن القصور وتجنُّب المشكلات في آلية الإدارة المركزية، لذلك يُوصي الخبراء بتوزيع السلطات ومنح الصلاحيات كوسيلة عملية وسريعة نحو هيكلة أو إعادة هيكلة الإدارات الخدمية التي تعاني من تقديم الخدمات بشكل فعّال واستغلال الموارد المتاحة بشكل جيد.
والرأي الذي يقول إن نظام الإدارة اللا مركزية المتمثّل في توزيع السلطات ومنح الصلاحيات يُعتبر عنصراً أساسياً لعملية التطوير والتقدم يؤيده المساعي والجهود الجارية للتحول إلى الحكومة الإلكترونية، فبواسطة الشبكات السلكية واللا سلكية يمكن للإدارات الفرعية أن تصبح أكثر ارتباطاً بالإدارات الرئيسة واتصالاً ببعضها البعض، وكذلك بواسطة البرمجيات المتطورة يصبح من السهل مراقبة تنفيذ الأعمال ومتابعتها، وضبط الأخطاء والمخالفات في وقت مبكر قبل استفحالها، وإمكانية المراقبة والإشراف من الجهتين في آن واحد، مراقبة ذاتية من قبل الإدارة الفرعية الجهة المنفذة، ومراقبة موازية من قبل الإدارة العليا.
الخلاصة
إن نظام الإدارة اللا مركزية يمنح الصلاحيات للمسؤولين ويفتح باب المساءلة عليهم أكثر من نظيره في نظام الإدارة المركزية، فيؤدي إلى تقديم الخدمات بشكل فعّال واستغلال الموارد المتاحة بشكل جيد مع سرعة الاستجابة لشكاوى الجمهور ومتطلباته.
Twitter@khalidalheji