الجزيرة - سعود الشيباني:
ضمن فعاليات (ندوة الأمن والإعلام) بأكاديمية الأمير نايف للأمن الوطني بالمديرية العامة للمباحث بهدف تحقيق التكامل بين المؤسسات الأمنية والمؤسسات الإعلامية، ألقى رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك محاضرة بعنوان (تطور المؤسسات الصحفية بالمملكة ودورها الإعلامي الأمني) بحضور عدد من المهتمين والمعنيين في المؤسستين، وفيما يلي نص المحاضرة:
لا جدال ولا اختلاف - على ما أعتقد - حول علاقة ما، تجمع سلباً أو إيجاباً وسائل الإعلام ككل، والصحافة تحديداً، بالجانب الأمني، وأن الإعلام بكل وسائله إنما هو طرف رئيس في استتباب الأمن أو خلله، وفق ما ينشره، خبراً كان أو تعليقاً، سواء تم هذا عن اجتهاد غير موفق، أو أنه ضمن معتقد وأجندة تؤمن بها هذه الوسيلة أو تلك. والحديث في هذا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن كثيراً من المؤسسات الإعلامية في العالم لا تتمتع بالاستقلالية، لأن كثيراً منها تموله منظمات أو أحزاب أو حكومات أو حتى من الأفراد القادرين، وبالتالي فهي تفتقر إلى المصداقية والموضوعية، وتثير من القضايا ما يؤثر سلباً على استقرار وأمن الدول، ويجعلها في فوضى عارمة، ما يعني أنّ الوضع يحتاج إلى جهد جهيد للسيطرة على مفاتيح هذا الخلل الأمني، الذي ربما كلف الكثير من الخسائر البشرية، وما لا يقدر ثمنه من الخسائر الأخرى.
إن لعبة استخدام وسائل الإعلام في تمرير أجندة مشبوهة عمل لا يقود إلى الخير، ولا يساعد أبداً على الاستقرار، بل إنه عامل هدم وتقويض لكل ما بناه الإنسان على مدى عقود، بل على مدى قرون من منشآت وصروح حضارية، وهو في جانب آخر إهدار للثروة، وتمزيق لوحدة البلدان، وقتل غير مبرر للأبرياء من الشعوب، وهو سلوك أحمق تحركه الأطماع وغياب الضمير المخلص، وتتبناه وسائل إعلام مأجورة لا تقدِّر حجم المسؤولية الملقاة عليها.
* * *
وهذا الانطباع الذي أتحدث عنه لا ينطبق على كل وسائل الإعلام في العالم، ولا يعد ظاهرة في جميع الدول، ولا ينبغي أن يوصف كل إعلامي أو وسيلة إعلامية بأن وراء الأكمة ما وراءها من التخطيط لزعزعة الأمن في الدول، فهناك إعلاميون شرفاء، وهناك وسائل إعلامية تتواجد على امتداد دول العالم تمارس دوراً بناءً، وتساعد في استتباب الأمن، وتعمل على تحفيز الشعوب لتجنب الانزلاق في دروب الفوضى وعدم الاستقرار.
* * *
هذه مقدمة سريعة عن نظرتي وموقفي من الإعلام العالمي ودوره الأمني على مستوى العالم، أردت منها أن تكون مدخلاً للموضوع الذي اختير لي من منظمي ندوة (الأمن والإعلام)، لكي أتحدث عنه تحت عنوان «تطور المؤسسات الصحفية في المملكة ودورها الإعلامي الأمني»، وهي استهلالة تحمل مضامين أو إشارات، وإن شئت فعناوين عن حالة أمنية متردية في العالم، تتحمل وسائل الإعلام حصة أو جزءاً من المسؤولية فيها، ما يعني أن هناك توجساً وخوفاً من الاستمرار في عدم دمج المفهوم الأمني بكل متطلباته وتطبيقاته ضمن اهتمامات وسائل الإعلام، وكذلك من عدم تكاملها معه بشكل ألحق الضرر بكثير من دول العالم.
* * *
وفي مؤسساتنا الصحفية المحلية لا نجد هذه الظاهرة من بين السمات التي توصف بها الكثير من الصحف غير السعودية، فمعايير النشر في الصحف السعودية تراعي الوضع الأمني ضمن أولوياتها، ولا تسمح الأنظمة بنشر ما يعكر استقرار المملكة أو يسيء إلى حالة الأمن والاطمئنان التي يتمتع بها المواطنون والمقيمون على حدٍّ سواء، وإذا ما حدثت في البلاد حالات تصنَّف على أنها ممارسات تضر بأمن الوطن، فإنّ الصحافة السعودية اعتادت أن تقوم بدور مساند ومساعد للأجهزة الأمنية في عملها، ودعم لتعامل هذه الأجهزة مع أي حدث أمني يشكِّل إضراراً بالوطن والمواطن، وهو ما يلاحظه المتابع من خلال ما تنشره الصحف من مقالات وأخبار وتحقيقات وتغطيات لكل المستجدات في هذا المجال.
* * *
وهذه السياسة التي تتبعها الصحف السعودية، ليست طارئة، أو مفعّلة فقط لأنّ العمليات الإرهابية قد ارتفع سقفها في السنوات الأخيرة، حيث تُعَد المملكة إحدى الدول التي استهدفها الإرهاب، وإنما هو توجُّه ثابت ينسجم مع المبادئ والأُسس التي قامت عليها الصحافة بالمملكة منذ عهد الملك عبد العزيز وإلى اليوم، ولا يضيرها أو يقلل من أهمية التزامها بهذا الخط، إذا ما اجتهدت أي صحيفة وأخطأت في اجتهادها بنشر ما كان ينبغي عدم نشره، لأنّ هذه حالات لا يُقاس ولا يُعوّل عليها، فالخطأ الاجتهادي وارد في الصحافة، بل وحتى بين المسؤولين في أجهزة الأمن.
* * *
وقبل أن أتطرق إلى العلاقة الثنائية بين الصحافة والأمن، وإلى القواسم المشتركة التي تجمعهما، وإلى فرص التعاون المتاحة بينهما، انطلاقاً من الدور الأمني الذي يجب أن تضطلع به الصحافة، مما له صلة بهذه الجزئية من حديثنا عن دور الصحافة أمنياً، سيكون كلامي بدءاً عن تطور المؤسسات الصحفية، وهو ما يمثل الجزء الأول من هذا الموضوع، متتبعاً باختصار شديد المتغيرات والمستجدات والتطورات التي مرت بها الصحافة السعودية في عهد الملك عبد العزيز وما قبله وإلى اليوم، ثم أعود إلى ما يمكن لي قوله عن دور الصحافة أمنياً.
* * *
يتفق الباحثون على أنّ المملكة عرفت الصحافة قبل العهد السعودي، وكان لمنطقة الحجاز تحديداً أسبقية في صدور عدد من الصحف خلال العهد العثماني ثم العهد الهاشمي، قبل أن تؤول هذه المناطق إلى الحكم السعودي، وكان يقوم على إصدار الصحف في هذين العهدين عرب وغير عرب، وكل عهد استخدم ما يصدر من صحف لخدمة أهدافه والدعاية لنظام حكمه، ويرى الدكتور فهد العسكر في بحث نُشر له، أنّ هذه الصحف لا تمثل المرحلة الأولى من المراحل التي مرت بها الصحف السعودية، أي أنه يستثنيها ويرى أنّ تسمية الصحف السعودية ينبغي أن تُطلق على ما صدر منها بدءاً من عهد الملك عبد العزيز وحتى الآن.
* * *
وفي كتابه (نشأة الصحافة في المملكة العربية السعودية) يشير مؤلف الكتاب الدكتور محمد الشامخ إلى أنّ ست صحف كانت صدرت في كلٍّ من مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة بموجب قانون للمطبوعات والمطابع في العهد العثماني، حيث صدرت أولاً صحيفة الحجاز ومن ثم صحف شمس الحقيقة والإصلاح الحجازي وصفاء الحجاز والرقيب والمدينة المنورة، أما في العهد الهاشمي فقد صدرت صحف القبلة والحجاز والفلاح وبريد الحجاز. ويرى الدكتور الشامخ أنّ هذه الصحف لم تكن ميداناً ليتخرّج منها صحفي واحد من أبناء البلاد يُعتد بخبرته الصحفية أو يُعد من حملة الأقلام.
* * *
ويتفق الباحثون على أنّ جريدة أم القرى هي أول إصدار صحفي في عهد الملك عبد العزيز، وكان صدورها قد تم سنة 1343هـ - 1924م، حيث طُبع أول عدد منها بعد أسبوع من دخول الملك عبد العزيز مكة المكرمة، ثم صدرت بعدها صحيفة صوت الحجاز، ويذكر الدكتور عبد الرحمن الشبيلي في كتابه (إعلام وأعلام) أنّ نظامين للمطبوعات صدرا في عهد الملك عبد العزيز، وأنه لم يجد في هذين النظامين ما يشير إلى توجهات فكرية أو سياسية لتمجيد الحاكم، أو استثمار الصحافة للثناء على إنجازات الحكومة، وأن مجموع ما صدر من الصحف في عهد الملك عبد العزيز بلغ إحدى عشرة مطبوعة حكومية وأهلية.
* * *
وأهمية الصحيفة تكمن كما يراها المهتمون وذوو الاختصاص كونها أول وسيلة اتصال جماهيري ظهرت بعد استعادة الملك عبد العزيز مدينة الرياض عام 1319هـ - 1902م كما ورد في كتاب (الدوافع الاجتماعية للتعرض للصحف) لمؤلفه الدكتور بدر كريم، ما يعني أنها أسبق في الظهور من الإذاعة والتلفاز، وكان ظهور الصحف في عهد الملك عبد العزيز قد ارتبط بالاستقرار السياسي ومن ثم الاجتماعي وفق ما جاء في الكتاب المشار إليه.
* * *
ولا بد أن ننظر إلى الصحافة السعودية على أنها منذ عهد الملك عبد العزيز وحتى الآن، واجهت ما استدعى إلى إدخال الكثير من الأنظمة والتشريعات بشأنها، بحثاً عن تحسين الأداء، وسعياً إلى التأكد من مواكبتها للمستجدات والتطورات محلياً وعربياً ودولياً، ولهذا وضمن هذه الرؤية، فقد بدأت الصحافة في الصدور بمبادرات فردية، تعتمد في تمويلها وإدارتها على صاحب امتياز الصحيفة، وهذه هي المرحلة الأولى، وقد أُطلق عليها ما يسمّى بصحافة الأفراد، وقد ألغيت صحافة الأفراد بصدور نظام المؤسسات الصحفية عام 1383هـ - 1964م، وسمح بصدورها وصدور غيرها عبر مؤسسات يملكها ويدير العمل فيها عدد من المواطنين وفق تنظيم مؤسساتي، وهذه هي المرحلة الثانية في تطور الصحافة المحلية.
* * *
في عام 1422هـ - 2001م صدر ثاني نظام للمؤسسات الصحفية، وهو نظام معدّل للنظام السابق، وقد راعى النظام الجديد معالجة القصور والنقص والثغرات في النظام السابق، ليلبي ويستجيب لمتطلّبات المرحلة الحالية، وقد أشرت في كتابي (رؤيتي الصحفية) إلى أنّ أبرز ما في النظام الجديد في نسخته المعدّلة، أنه خفف من سلطة وزارة الثقافة والإعلام، وتبنى إنشاء هيئة للصحفيين، ونص على إيجاد مجلس إدارة في المؤسسة الصحفية، وألغى لجنة الإشراف على التحرير، كما ألغى شرط أن يكون المدير العام ورئيس التحرير عضوين في المؤسسة الصحفية، وسمح بتعيين المدير العام دون الحاجة إلى أخذ موافقة وزارة الثقافة والإعلام، ونصوص أخرى تحمي الصحفي من إجراءات الفصل التعسفي، مع معالجة الازدواجية في عضوية المؤسسات الصحفية، فضلاً عن أنّ النظام الجديد ألزم المؤسسات الصحفية بوضع الهياكل واللوائح المنظمة لسير العمل فيها.
* * *
هذا ما يمكن أن أقول مختصراً عن تطور الصحافة المحلية، سواء ما صدر منها بجهد فردي، أو ما صدر ويصدر عبر مؤسسات صحفية، ما كان قبل العهدين العثماني ثم الهاشمي، أو ما صدر ويصدر خلال العهد السعودي، وهو ما يظهر أنّ هذه البلاد بكل عهودها عرفت الصحافة في وقت مبكر، وأنها مرت بتجارب عديدة، وخضعت لقوانين وأنظمة لتلائم كل المراحل بحسب الظروف والمتغيّرات والمستجدات، وهي من طور إلى طور كانت تتلمّس تقديم الخدمة التي تناسب والحالة أو المرحلة التي تمر بها هذه البلاد، ولا يمكن الادعاء بأنّ عملها ومستواها يخلو من هنّات أو قصور، لكنها في كل الأحوال اجتهدت وتجتهد كثيراً لتجنب أي عمل قد يلقي بظلال من الشك في سياساتها ومنهجياتها.
* * *
وفي الشأن الأمني، ودور الصحافة في ما يحقق الأمن والأمان لبلادنا وللمواطنين والمقيمين -وهو الجزء الثاني من هذا الحديث- فإنّ تعاوناً صحفياً ظاهراً وملموساً مع الأجهزة الأمنية في سبيل تحقيق هذا الهدف يمكن التعرُّف عليه من خلال قراءة أي صحيفة، حيث المتابعة من جانبها لكل خطوات الأجهزة الأمنية مصحوبة بالتأييد والدعم، وصولاً إلى ما يعزّز الأمن ويصب في خدمته، بحكم أنّ الصحافة وسيلة اتصال مع الجمهور لا غنى لرجال وأجهزة الأمن عنها، كلما كانت هناك حاجة للتواصل مع المواطنين، وهي حاجة قائمة ومستمرة مع كل ما يستجد من حالات لها علاقة بالدائرة الأمنية التي لا تتوقف.
* * *
وحول التعاون بين الصحافة والأجهزة الأمنية، فإن التنسيق وإن يكن أحياناً ناقصاً أو محدوداً ومن دون أن تحكمه تفاهمات مؤثرة، فإن الصحف تقوم بدور مهم في هذا المجال، ولا تسمح بأن يُنشر فيها ما يساعد على الإخلال بالأمن، ولا تقبل أن تكون حصان طروادة تُستخدم للنيل من مقومات الأمن الوطني الذي أرسته القوى المسؤولة عن ذلك، وما من تفسير لهذا الدور الصحفي الإيجابي المؤثِّر أمنياً، إلا أنه جهد وتفاعل ينسجم مع الضوابط التي تحكم العمل الصحفي من جهة، ويتفق مع توجهات وقناعات المسؤولين في هذه الصحف من جهة أخرى.
* * *
كما أن ضبط رجال الأمن للحالة الأمنية في البلاد، وتصديهم للإرهابيين والمفسدين والمرتهنين للقوى المعادية، والتضحيات الكبيرة التي يقدمونها دفاعاً عن أمن الوطن واستقراره، وبينهم من استشهد أو عاش بقية حياته في إعاقة مستديمة، هو ما حفز ويحفز الصحافة والصحفيين ليكونوا دائماً في جاهزية عالية، وفي الميدان نفسه يدافعون بأقلامهم عن الوطن الغالي، وقدر كل مواطن دون أن يُستثنى أحد من ذلك أن يكون درعاً يحمي بصدره أو قلمه، وبكل الوسائل الأخرى، حق الوطن والدفاع عنه من أن ينال معتد أو خائن من وحدته واستقراره مهما غلا الثمن.
* * *
إن تصدي الأجهزة الأمنية للجريمة بتعريفها القديم والمحدود، لم تعد الحرب عليها تقتصر على ذلك التعريف، فقد توسعت وتنوعت الجرائم، وتعددت أسبابها، والمحرضون والداعمون والمشجعون لها، فبينما كان يقوم بها فرد أو مجموعة أفراد محدودين، أصبحت تُنفذ بواسطة منظمات وأحزاب وأحياناً عن طريق دول، وفيما كانت الجرائم لا تحتاج إلى مال كثير، أو إلى تخطيط متقن، ورجال مدربين، فإنها اليوم تشكل قاعدة تتمدد كما يتمدد السرطان، ولها تنظيماتها وميزانياتها وجيوشها وأسلحتها وقادتها، وتمارس هذه المجموعات الكبيرة كل أصناف الإرهاب، من قتل للأبرياء وتدمير للمنشآت وتحكم بمفاصل إدارة شؤون الدول، وصولاً إلى إضعاف الجانب الأمني فيها، وبالتالي تحقيق الأهداف التي رسموها وسعوا إليها.
* * *
أي أن الجرائم لم تعد قاصرة على تهريب المخدرات، والأسلحة الخفيفة، والسرقات، وما إلى ذلك، مما كان يُعرف عن أنواع الجرائم، فقد وجدت دول العالم نفسها أمام تطورات أكثر خطورة، تمس الأمن، وتقوّض الاستقرار، وتنذر بما هو أكثر من ذلك، إذا ما نظرنا إلى ما تقوم به داعش وقبلها القاعدة، فضلاً عن النصرة والحوثي وحزب الله والإخوان المسلمون وغيرها من المنظمات الإرهابية، فهي وإن تفاوتت في طبيعة ممارساتها، إلا أنها جميعاً تصب في ذلك المستنقع العفن الذي تتوالد منه المؤامرات والممارسات المشينة التي لا تفكر بأن حياة الشعوب إنما تكون في استقرارها، حيث العمل المنتج، والبناء الحضاري المتواصل، والسعي لإعمار الأرض.
* * *
والسؤال هنا: هل من فرص متاحة للتعاون بين الصحافة والأجهزة الأمنية بأكثر ما هي عليه الآن، وما هي حدود هذا التعاون وطبيعته، والآلية المناسبة أو المتاحة لتطبيقه، للخروج بتصور عن ذلك، أقول أولاً إن التعاون القائم حالياً يعتمد على الاجتهادات والمبادرات الفردية من الجانبين، وأقول ثانياً إنه لا توجد تفاهمات متفق عليها، وأقول ثالثاً إن صورة التعاون القائمة مبنية على شعور تستدعيه دائماً العواطف والحس الوطني، ما يعني أهمية أن تتبنى الأجهزة الأمنية إستراتيجية واضحة المعالم، ومتفق عليها مع الصحافة، بهدف التعامل مع التطورات الإرهابية بتصنيفاتها المختلفة، بما يتفق وحماية الأمن الوطني، وتجنيب واتقاء الوطن والمواطن شرور هؤلاء.
* * *
ما ألاحظه أن هناك هروباً من رجال الأمن أو تسويفاً حين يُطلب منهم الإجابة عن أي استفسار من أي صحفي، أو الإجابة عليه متأخراً وناقصاً، وهو ما يساعد على سرعة وتيرة وتنوع الإشاعات حول الموضوع مثار السؤال. ولهذا، ومن باب التمنيات، أأمل أن تكون هذه الملاحظة موضع اهتمام وعناية وتفكير لدى أجهزة الأمن، وفي هذا الإطار ينبغي عليهم الإسراع بإجابة الصحفيين عن أسئلتهم وبالتفاصيل المطلوبة، وفي حدود ما يخدم العملية الأمنية، وكذلك بما يلبي رسالة الصحافة في خدمة الأمن الوطني، وألا يُكتفى بما يقوله المتحدث الرسمي - على أهميته - إذ إن هناك تفاصيل أخرى ربما تكون ضمن اهتمام صحيفة دون أخرى.
* * *
أريد أن أضيف إلى ما سبق، التذكير بأهمية أن تكون هناك مراجعة دائمة للعلاقة بين الأجهزة الأمنية والصحافة، تبعاً للمستجدات والتطورات، وأن تبنى هذه المراجعة من خلال الحالات الأمنية التي مرّت بها المملكة وغيرها من الدول، وعلى قاعدة أن تكون قطاعات الأمن الوطني والصحافة معاً صاحبتي مبادرات استباقية لمواجهة أي تخطيط لأي عدوان قبل تنفيذه وحدوثه؛ بمعنى أن جهداً كهذا لا يجب أن يكون ردة فعل أو دفاعاً فحسب، وإنما هو عملية استباقية بجاهزية عالية لعدوان منتظر أو متوقع.
* * *
ويفترض مع أي إستراتيجية أمنية يخطط لها المعنيون بالأمن، أن تكون الصحافة حاضرة بأقلام كتّابها وتغطياتها الصحفية دعماً لهذا التوجه، وكذلك العمل على مواجهة أي عدوان أو إرهاب أو جرائم متوقّعة، خاصة مع تنامي هذه الممارسات العدوانية، وتوسع رقعتها، وإغراء المراهقين للانخراط بها، حيث تلعب المواقع الإلكترونية دوراً مؤثّراً ومحفزاً يقود في النهاية إلى عدم الشعور بأن ظاهرة كهذه يصعب السيطرة عليها، خاصة إذا ما كانت هناك خدمة صحفية مواكبة ومتناغمة ومنسجمة مع التخطيط الإستراتيجي والعمل الميداني لأجهزة الأمن.
* * *
وعلينا أن نفرِّق بين الإعلام الأمني - وهو مصطلح حديث - الذي يفترض فيه أن يكون إعلاماً متخصصاً، تصدر عنه مجلاته وكتبه ودورياته وتُقام من أجله الندوات والمحاضرات وورش العمل، وبين الإعلام العام - الصحافة تحديداً - الذي مهمته المساندة والدعم للأمن الوطني بلغة وأساليب تتفق مع توجهات الأجهزة الأمنية، وإن لم تكن ذات تخصص، حيث تأخذ مساحتها ووضعها الطبيعي ضمن مواد الصحيفة الأخرى، وهذا التنوع في مواد الصحيفة يساعد على قراءة واستيعاب وفهم المقصود من الحملات الصحفية ذات العناية والاهتمام بالشأن الأمني، ومثل هذه الرسائل وبمثل هذا الطرح يمكن للصحافة أن تؤدي دوراً فاعلاً تتطلبه العمليات الأمنية في حشد واصطفاف الجميع نحو تصديها للإرهاب والجرائم الأخرى.
* * *
إن التطرف هو من يقود إلى ارتكاب الجرائم، ويفضي إلى ممارسة الإرهاب، وبالتالي فإن تحصين شبابنا من الوقوع بين مخالب الإرهاب قاتلاً أو مقتولاً، يأتي من إغلاق منافذ الثقافة الملوثة التي يستقيها من يغرر بهم من المراهقين والشباب، وهذا يتطلب من المعنيين أخذ خطوات وقائية تحول دون انغماس شبابنا في مثل هذه المستنقعات الخطيرة، ودون أن يغيب تطبيق العقاب بحق كل من يقبض عليه متلبساً بجريمة أو عمل إرهابي يعرض أمن الوطن للخطر.
* * *
هذه مجموعة خواطر استقيتها من تجربتي في الصحافة، وخبرتي من خلال التعامل مع أجهزة الأمن ورجالاته، وقد اقتصر حديثي على الصحافة الورقية، دون أن يكون للصحافة الإلكترونية، أو ما يسمى بالإعلام الجديد نصيب من حديثي، وكذلك بقية وسائل الإعلام الأخرى، بما في ذلك هذا التنوع الكبير في وسائط الاتصالات من خلال الإنترنت، ومواقع التواصل الأخرى، ولعل الحديث عن هذا يكون في ملتقيات أخرى، ومن إعلاميين آخرين.
* * *
أريد أن أقول أخيراً: إنني تعمدت أن أترك مساحة بيضاء في هذا الكلام للإخوة في الجهازين الأمني والصحفي ليحددوا معاً نوع العلاقة، وآلياتها، وتفعيلها، ومراجعتها وفقاً للمتغيرات والمستجدات، وبحسب ما تمليه الأحداث والعمليات الإرهابية، وإذا كان لي أن أقترح، فلعل هذا الملتقى ينهي مداولاته وندواته ومحاضراته بتشكيل لجنة لتفعيل هذه العلاقة، يكون من ضمنها تحديد لقاءات دورية بحضور ممثلي الجانبين لرسم عملها وإنجاح خطواتها، ضمن مقترحات أخرى لحماية الوطن والمواطن من الأشرار.