كفاح بنت حسن بن علي المطر
التخطيط الإستراتيجي مهارة أساسية في القيادة الفاعلة، وخارطة طريق تحدد النهج الصحيح لمن يعتمدها؛ حيث ترسم له آفاق مستقبله وأساليب تحقيق أهدافه. ويعدّ التخطيط الإستراتيجي العمود الفقري في جسم العمليات الإدارية وهيكل أنشطتها المتنوعة، وصمام الأمان في مواجهة التحديات والطوارئ الناجمة عن المتغيرات الوظيفية والأدائية.
فالتخطيط الاستراتيجي أداة إدارية متعددة الغايات، تكسب المؤسسة تركيزٍا على الأولويات في الاستجابة للتغيرات البيئية من حولها، وتضمن اندماج الأفراد في المهام المنوطة بهم، وما نعت هذا النوع من التخطيط بالاستراتيجي إلا لإضفاء صبغة الشمولية والاستدامة عليه.
وتكمن أهمية التخطيط الاستراتيجي في توفير أسباب نهضة المنظمة، واستشراف رؤيتها لمستقبلها البعيد المدى عبر تصميم خطتها الإستراتيجية السنوية أو الفصلية, إضافة إلى خطة الطوارئ التي تقدم الدعم اللازم في مواجهة الأزمات، ويستوجب التخطيط الاستراتيجي تعيين فريق عمل إداري وتنفيذي, ومستشار خارجي وبناء خطة عمل يتناسب فيها المسار الزمني مع حجم المسؤوليات, وتخضع الخطة الاستراتيجية للمراجعة من قبل الجهات المعنية, مع إمكانية التعديل عليها لتصل للشكل النهائي. كما يوجب التخطيط الاستراتيجي المؤسسي صياغة الرؤية باعتبارها المستقبل الطويل الأمد الذي تحلم المنظمة بالوصول إليه، ولا تتم هذه الصياغة إلا عن طريق كتابة طموح المنظمة ووصف آلية تحقيقه، ثم تأتي الرسالة لتحدد هوية المنظمة وطبيعة عملها وتصف بدقة متناهية الطرق والأساليب المعتمدة في تحقيق الرؤية، وتوضع الرؤية والرسالة كلتاهما تحت المجهر للمراجعة وتحليل البيانات بغية الكشف عن عوامل النجاح والإخفاق ورصد المخاطر والاحتمالات المتوقعة. ويتبلور نجاح الخطة الاستراتيجية في موضوعتيها وشموليتها ومرونتها في التكيف مع المعطيات الراهنة والتحولات المفاجئة، ناهيك عن انسجامها مع مكونات البيئة الحاضنة لأهدافها وبرامج عملها وتوافر الكوادر البشرية المؤهلة لتبني تحقيق التطلعات المرسومة في رؤيتها ورسالتها وتكتيكات تنفيذها، فضلا عن التوظيف الفعال لأدوات الدعم اللوجستي والتحفيز المستمر للفريق الفني، وينصب ذلك كله في بوتقة المتابعة والإشراف الدوري في ظل تضافر أدوار الإدارة ومنسوبي المنشأة واتساق جهودهم.
وتجنح جوانب القصور إلى إقصاء مقومات النجاح في الخطة الاستراتيجية، كما تلعب عناصر جوهرية في تقويض نفوذ هذه الخطة، أبرزها غياب الوعي بالأهداف الأساسية وما يتصل بها من رؤى وتطبيقات بنائية في صناعة المشروع، ويحول عدم استيفاء المعلومات الأساسية والإخلال بالإحصاءات الدقيقة دون تكامل شروط النجاح. ويؤدي انحسار التناغم في الأدوار وتداخلها وتناقضها وجمودها إلى فظاظة المدخلات وضعف المخرجات، وعدم كفاية الموارد المالية لرفد البرامج التنفيذية ينتج عنه دمج غير مدروس لبعض منها والاستغناء عن شطر آخر.
وفي تقديري أن التخطيط الاستراتيجي هو النواة الأولية والركيزة الأساسية لانبلاج مشاريع التنمية الوطنية في مختلف الأصعدة في القطاعات الحكومية والأهلية والاستثمارية، وبموجب ذلك يتعين أن يكون هذا النوع من التخطيط سيدًا على مجمل المشهد الإداري الذي يؤسس لعمل المنشآت والمنظمات، وأن يحظى باهتمام بالغ من قبل صانعي القرار والمنظرين؛ ليشبعوه فكرة ودراسة وتحليلا وتوصيفًا لبنيته ومفاصله؛ أملا في نصوع مراميه وأطره المنهجية لدى منسوبي المنظمة والمستفيدين من نشاطاتها.
وترنو تطلعاتنا الوطنية إلى رعاية ملكية سامية لمؤتمر دولي للتخطيط الاستراتيجي، تتمخض عنه صياغة مرجعية لمصفوفة المدى والتتابع بهذا الشأن؛ لتفضي إلى إقرار (ميثاق عالمي في التخطيط الاستراتيجي) وتكون العاصمة الرياض محطة التدشين وحاضنة التفعيل؛ إذ تتربع المملكة بكفاءة وجودة على قمة هرم التنمية الشاملة.