مكة المكرمة - سامي علي / تصوير - سليمان وهيب:
وجّه العلماء المشاركون في المؤتمر الإسلامي العالمي «الإسلام ومحاربة الإرهاب» الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - لمدة أربعة أيام في ختام أعمالهم بخمس رسائل ضمن بيانهم الختامي المُسمى (بلاغ مكة) إلى قادة الأمة المسلمة وعلمائها وإعلامها وشبابها، ثم إلى العالم حكومات وشعوباً أداءً لواجب النصح وإقامة للحجة وإعذاراً إلى الله وامتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم».
وتضمنت الرسالة الأولى: دعوة قادة الأمة إلى العمل على تحكيم الشريعة الإسلامية والإصلاح الشامل الذي يحقق العدل ويصون الكرامة الإنسانية ويرعى الحقوق والواجبات ويلبي تطلعات الشعوب ويحقق العيش الكريم ومتطلبات الحكم الرشيد والمحافظة على وحدة المسلمين والتصدي لمحاولات تمزيق الأمة دينياً ومذهبياً وعرقياً وتعزيز التضامن الإسلامي بكل صوره وأشكاله مع الأخذ بأسباب القوة المادية والمعنوية وحسن استخدام الموارد البشرية والطبيعية وتعزيز التكامل بين الدول الإسلامية ومراجعة البرامج والمناهج التربوية والتعليمية والخطاب الديني بما يحقق المنهج الوسطي والاعتدال وحل النزاعات في المجتمعات الإسلامية وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه سلف الأمة الصالح، وإنشاء محكمة العدل الإسلامية وإبعاد أبناء الأمة على اختلاف انتماءاتهم الدينية والمذهبية عن الفتن والاقتتال إلى جانب وضع إستراتيجية شاملة لتجفيف منابع الإرهاب وتعزيز الثقة بين الأمة وقادتها ونصرة قضايا الأمة العامة ومكافحة الفساد والحد من البطالة والفقر ورعاية حقوق المواطنة لجميع مكونات المجتمع، وكذا دعم الأقليات المسلمة في الحفاظ على هويتها والدفاع عن مصالحها وتعزيز قدراتها لتمكينها من أداء رسالتها والقيام بواجباتها تجاه مجتمعاتها ملتزمة بنهج الوسطية في الفهم والممارسة وتقوية المؤسسات الدينية والقضائية، ودعم رسالتها واستقلالها.
ووجهت الرسالة الثانية إلى دعوة علماء الأمة إلى الحفاظ على هوية الأمة المسلمة وتعاهدها بالتفقيه والتوعية لتحقق واجبها في حماية الدين والنصح للعالمين والشهود على الخلق ولتكون واعية برسالتها وناهضة بها على الوجه المأمول وتحقيق القدوة الصالحة والقيام بواجب النصح والإرشاد للأمة وقادتها بالحكمة وتصحيح المفاهيم الخاطئة ووقاية الأمة من الشبهات المضللة والدعوات المغرضة بنشر العلم الصحيح المنبثق من أصول الإسلام وفق هدي سلف الأمة وأئمة الإسلام بعيداً عن تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وكذا التعاون في موارد الاتفاق وتعظيم الثوابت والاجتماع على القضايا الكلية والتحلي بأدب الخلاف في مواضعه والتحذير من التكفير والتفسيق والتبديع في موارد الاجتهاد، صوناً لمصالح الأمة العليا وتعزيز التنسيق بين المؤسسات الشرعية في الفتوى والتصدي للنوازل العامة بالفتوى الجماعية والتحذير من الفتاوى الشاذة، علاوة على تقوية التواصل مع الشباب وتضييق الفجوة معهم وتوسيع آفاق حوارهم وإجابة استفساراتهم والسعي في تعزيز نهج الوسطية بينهم.
فيما وجهت الرسالة الثالثة إلى دعوة الإعلام في العالم الإسلامي إلى تعزيز الوحدة الدينية والوطنية في المجتمعات الإسلامية، والتصدي لدعاوى الفتنة والطائفية وإرساء القيم والأخلاق الإسلامية، والتوقف عن بث المواد السلبية المصادمة لدين الأمة وثوابتها وقيمها وتحري المصداقية في الأخبار والتثبت فيها والنقل الهادف والامتناع عن الترويج للإرهاب ببث رسائله وإدراك أهمية الرسالة الإعلامية التي تصل إلى كل العالم، وكذلك العمل على معالجة أدواء الأمة والتحلي بالمسؤولية وعدم إشاعة الآراء الشاذة والمضللة وتوظيف الإعلام في نشر الوعي بحرمة الدماء ومخاطر الظلم والتصدي لمحاولة تشويه الإسلام والمسلمين.
وكان شباب الأمة محور الرسالة الرابعة، حيث دعاهم المشاركون إلى الاعتصام بالكتاب والسنة وهدي سلف الأمة واجتناب الفتن وموارد الفرقة والنزاع والنأي عن الإفراط والتفريط، وتعظيم الحرمات وصون الدماء ورعاية مصالح الأمة الكبرى والثقة بالعلماء الربانيين الراسخين والرجوع إليهم والاعتصام بما يبصرون به من أحكام الدين والحذر من الأدعياء وتجاسرهم على الفتيا في قضايا الأمة العليا إلى جانب التفقه في الدين وترسيخ الإيمان والالتزام بالشرع والنظر في تحقيق المقاصد والموازنة بين المصالح والمفاسد وعدم الاغترار بالشعارات البرّاقة التي ترفعها بعض الجهات بغير سند من كتاب ولا سنة وترشيد العاطفة والحماس بالنظر في المآلات وتقديم الأولويات وفقه الواقع والتحلي بالصبر والأناة في الإصلاح والتدرج في بلوغ الأهداف ومراعاة سنن الله في التغيير وسلوك الطرق المشروعة في ذلك واستلهام الدروس والعبر من التجارب الماضية.
واختُتم بلاغ مكة بتوجيه الرسالة الخامسة نحو إبلاغ العالم ومؤسساته وشعوبه بما يلي: إن التطرف ظاهرة عالمية والإرهاب لا دين له ولا وطن واتهام الإسلام به ظلم وزور تدحضه نصوص القرآن القطعية بتنزله رحمة للعالمين ومحاربته للظلم بجميع صوره وأشكاله، وإن التطرف غير الديني من أهم أسباب الإرهاب لأنه يستجلب العنف المضاد وإن القيم الإنسانية مشترك فطري، ولا يقبل تزييفها أو تزويرها بما يفرغها من مضمونها، وإن محاربة الإرهاب والتطرف الديني لا تكون بالصراع مع الإسلام، والترويج للإسلاموفوبيا، بل بالتعاون مع الدول الإسلامية وعلمائها ومؤسساتها، وإن الحرية بضوابطها قيمة أعلى الإسلام من شأنها، وربطها بقيمة المسؤولية، فلا تكون مسوغاً للإساءة للآخرين، والطعن في الرموز والمقدسات الدينية.
وقالت الرسالة: إننا نعيش جميعاً في عالم واحد تتعايش فيه مجتمعاتنا ويتأثر كله بما يموج في جنباته وهو ما يحتم شراكتنا في بناء الحضارة الإنسانية والسعي في تحقيق مصالحنا المتبادلة، وإن التواصل والحوار بين الناس لتحقيق التعارف ضرورة إنسانية دون استعلاءِ طَـرَف وذَوَبانِ آخر، وإن التسامحَ بين الشعوب فيما وقع خلال التاريخ من مثالبَ وأخطاء مطلوب دون تهاون في الحقوق ونسيان للدروس الإيجابية، وإن إقامـة العدل الناجـز متعيـِّـنٌ في ظـلِّ وَحْـدةِ معيار واستقامة ميزان.
فلنتعاونْ فيما اتفقنا عليه من المشترك الحضاري الإنساني، ولنتجنبْ أن يسيئ بعضُنا إلى البعض الآخر، ولنرفـعْ ما هو واقع من عدوان وظلم واحتلال وهيمنة، ولنردَّ ما استبيح من حقوق إلى أصحابها، ولنكن على قَـدْر شرف الكرامة الإنسانية التي مَـنَّ اللهُ ربُّ العالمين بها علينا.. ولنتأملْ معاً قول الله في كتابه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات.
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (64) سورة آل عمران.