{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} 155، 156 سورة البقرة.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}... وإنا لمسلمون بقضاء الله وقدره... لم يدر بخلدي وأنا أتلقى مكالمة في المسجد بعد صلاة المغرب يوم الجمعة الماضي من الزميل عبد الله الدايل مدير العلاقات العامة في رعاية الشباب أنه سيخبرني فيها بخبر نزل علي كالصاعقة ذلكم هو انتقال الأخ الأكبر، والصديق الأعز الأستاذ عثمان بن محمد السعد إلى جوار ربه، أقول لم يدر بخلدي - مع إيماني بقضاء الله وقدره - لأنني وقبل 72 ساعة فقط كنت أهاتفه وكان بصحة جيدة وتحدثنا في موضوعات كثيرة لكنه الأجل المحتوم، وكما هي عادته -رحمه الله- كان حديثه بشوشاً طيباً كطيبة قلبه ونقاء سريرته، ومما أحمد الله عليه وهي شهادة حسن ختام -إن شاء الله- لهذا الرجل الفاضل هي قوله لي في المكالمة: (والله إني لأجد سعادة عندما أسمع القرآن الكريم في صلاتنا سوياً في سفرنا) كلمات فيها من الروحانية وعمق الإيمان ما أسأل الله أن يكون فيه خير للراحل الكريم، وكذلك مما هو بشارة خير بحول الله أن فاضت روحه لبارئها قبل أذان المغرب يوم الجمعة في ساعة استجابة، وذلك فضل وحسن ختام أسأل الله أن يشمله برحمته وعفوه ومغفرته.. رحم الله أبا الوليد النبيل في أخلاقه المحمود في سجاياه وأسكنه فسيح جناته وجعل ما أصابه رفعة في درجاته وتمحيصاً لذنوبه فقد عانى في السنوات الأخيرة من أمراض عدة في القلب والعيون، كما كان يعاني من مرض السكر... كان السعد أخاً كبيراً تعلمنا منه الشيء الكثير في مسيرة عملنا في رعاية الشباب، خاصة عند بداية عملنا كشباب في التسعينيات الهجرية، كان -رحمه الله- في ذلك الوقت المدير العام للإدارة في رعاية الشباب والرجل الثاني في رعاية الشباب يتلقى توجيهات سمو الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله- فيترجمها عملاً وإخلاصاً وتفانياً في خدمة شباب هذا الوطن ورياضته، فكان محل الثقة الكاملة من الأمير، وللتاريخ فقد بدأ -رحمه الله- عمله في رعاية الشباب قبل ذلك الوقت بعشر سنوات تقريباً عندما وضع وصنوه دكتور صالح بن ناصر -متعه الله بالصحة والعافية- اللبنات الأولى لعمل رعاية الشباب عندما كانت تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية قبل أن يبتعثا معاً لمواصلة دراستهما العليا في أمريكا وكان معهما في رعاية الشباب مجموعة من الرجال الأفاضل الذين أسسوا جميعاً لهذا الكيان، وكان ذلك في عام 1385هـ- 1964م، ثم عمل - رحمه الله- تحت إدارة سمو الأمير خالد الفيصل بضع سنوات عنما كان سموه مديراً عاماً لرعاية الشباب، فبارك الله كل تلك الجهود المخلصة، وكان مما حرص الأستاذ عثمان السعد عليه في بدايات العمل مع الأمير فيصل بن فهد عندما عُين الأمير مديراً عاماً لرعاية الشباب في بداية التسعينيات الهجرية ثم بعد أن أصبح الجهاز تحت مسمى الرئاسة العامة لرعاية الشباب في عام 1394هـ، أقول كان مما حرص عليه تنفيذ رغبة الأمير بإعداد الكوادر السعودية التي تدير العمل الشبابي والرياضي وتأهيل وابتعاث مجموعة من الموظفين الشباب لمواصلة تعليمهم العالي، كما حرص على تحفيز العاملين وحثهم على الإنتاج واكتساب الخبرة، وكنت أنا وزميلي الأستاذ منصور المتيعب أحد الذين شملهم ذلك الاهتمام فسافرنا إلى بريطانيا لدراسة اللغة الإنجليزية بمتابعة السعد -رحمه الله- إنفاذاً لتوجيه أمير الشباب الأمير فيصل بن فهد الداعم الأول للشباب وعطائهم، كما لم يقتصر الأمر على ذلك فبدأ العمل بإعداد اللوائح وتحديثها وتحديث النظم ثم التوجه بعد ذلك للبعد العربي الرياضي انطلاقاً من رسالة المملكة تجاه العالم العربي ودعمها لقضاياه في المجالات كافة، فكان أن احتضنت المملكة، بل أسست لأهم اتحاد رياضي عربي هو الاتحاد العربي للألعاب الرياضية، وأعادت تأسيس الاتحاد العربي لكرة القدم واحتضنت مقريهما بالرياض، فكانت تلك بداية الانطلاق لتنظيم عربي جمع شمل اللجان الأولمبية العربية، ثم أسس للنظم الأساسية للاتحادات الرياضية العربية فكان السعد -رحمه الله- هو مهندس كل ذلك بتوجيه وحرص ومتابعة رئيس الاتحادين الأمير فيصل بن فهد الذي التفت حوله القيادات الرياضية العربية لما يعلقونه على سموه -رحمه الله- من آمال في تطور الرياضة العربية ونموها من أجل كل ذلك وثق السعد العلاقات الرياضية العربية، باعتباره أميناً عاماً للاتحاد العربي.. وكان يردد عبارة الأمير فيصل (غفر الله لهما) إن الاتحاد العربي وجد ليبقى، ويبقى ليستمر، ويستمر ليتطور واستمرت المسيرة بعد ذلك بمتابعة الأمير سلطان بن فهد والأمير نواف بن فيصل.
فالرياضة العربية تشهد للسعد بدوره الفاعل والمؤثر بدعم كبير من الأمير فيصل ليس في تأسيس الاتحادين العربيين فقط، بل اعتماد اللوائح والأنظمة وبناء علاقات قوية مع الهيئات الدولية مثل اللجنة الأولمبية الدولية، واتحاد اللجان الأولمبية (الأكنو) والاتحاد الدولي لكرة القدم، وهي علاقات زادها وثوقاً ومتانة مكانة الأمير فيصل وعلاقاته المميزة مع كبار الشخصيات الرياضية العالمية.
كما أن من أبرز أعمال السعد -رحمه الله- إنفاذ توجيهات الأمير في دعم الهيئات الإعلامية الرياضية العربية ممثلة في الاتحاد العربي للصحافة الرياضية الذي كان يسمى الرابطة العربية للصحافة الرياضية، وكذا دعم الإعلاميين الرياضيين من خلال لجنتي الإعلام في الاتحادين العربيين اللتين كان لي شرف العمل فيهما، بل كنت شاهداً على تلك المرحلة الزاهية للإعلام الرياضي العربي الذي كان فيصل بن فهد رمزه الكبير، وكان السعد المنفذ لتوجيهات الداعم الكبير للإعلام الرياضي العربي الأمير فيصل بن فهد، وكانت اللجنتان تضمان رموزاً كبيرة كان على رأسهم الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة (متعه الله بالصحة والعافية).
ماذا أضيف وماذا أزيد فقد كان عثمان السعد -رحمه الله- رمزاً من رموز العمل الشبابي والرياضي العربي المشترك، وكانت له بصمته في الكثير من المجالات إن في مجلس وزراء الشباب والرياضة العرب أو الجمعيات العمومية للاتحادات الرياضية العربية أو اللوائح والأنظمة -التي كان هو حجة فيها- أو تنمية العلاقة مع الهيئات الدولية.. إن السعد -رحمه الله- كان يحمل تاريخاً حافلاً وسجلاً من الإنجازات المشرفة لوطنه للوطن العربي وكنت أتمنى لو كتب ذلك التاريخ ودوّن فهو يمثل مرحلة نصف قرن وكان يختزنه السعد -رحمه الله- لكن عزاءنا في وجود البقية الباقية من أولئك الرواد علهم يسجلون ما لديهم ويوثقونه حتى لا يضيع تاريخنا الرياضي العربي.. وختاماً أحمد الله أن الوفاء موجود لدى هيئاتنا وقياداتنا فقد تم تكريم الراحل الكبير في مناسبات عدة ومنح الكثير من الأوسمة، وهي التي كان يستحقها نظير جهوده المخلصة، غفر الله لأخينا الكريم أبي الوليد وأسكنه فسيح جناته وألهم أبناءه وبناته وأهله الصبر والسلوان..
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
منصور بن عبد العزيز الخضيري - وكيل الرئيس العام لرعاية الشباب (سابقاً)