هدى بنت فهد المعجل
«فيكتور فرانكل» طبيب الأمراض العصبية والنفسية النمساوية، وهو أحد الناجين من المحرقة التي وقعت في الحرب العالمية الثانية حيث عانى من ويلاتها، ولم يسلم منها أبوه وأمه وزوجته وابنته.
كان فيكتور فرانكل أحد مؤسسي العلاج بالرمز والعلاج النفسي الوجودي وطريقة العلاج النفسي من العثور على معنى، حتى في أكثر البيئات انحطاطاً، وبالتالي يُشكّل سبباً للاستمرار في الحياة.. وأهمية العمل والحرية والهدف وتحمُّل المسؤولية.
كنت بصدد الانتهاء من قراءة كتاب «عقل جديد كامل» لـ دانيال اتش.. بينك طبعة جرير 2010م, عندما أورد المؤلف «في نهاية الكتاب» مجموعة كتب ينصح بقراءتها.. على عجل بحثت عنها في الكتب الإليكترونية، فكان أن قادني البحث إلى «فيكتور فرانكل» وكتابه (إرادة المعنى - أسس وتطبيقات العلاج بالمعنى).
مؤلف كتاب «عقل جديد كامل» تعامل مع «المعنى» كحاسة من حواس ست تطرق لها، والتي هي: التصميم، القصة، السيمفونية، التعاطف، اللعب، المعنى.. لأني طمعت في التزود أكثر والتوسع الإضافي في فهم تلك الحواس؛ بدأت بالمعنى؛ لأنها «كما فهمت» تحقق حياة متوازنة للفرد بالتالي ما من فرد لا يطمع في تحقيق وتحقق ذلك التوازن الحياتي، فكان البدء في قراءة كتاب فيكتور فرانكل: إرادة المعنى - أسس وتطبيقات العلاج بالمعنى.
حتى كتابة هذا المقال أكون قد قطعت ثلث مشوار القراءة بخلاصة تشير إلى أن «العلاج بالمعنى» يقوم على مفاهيم ثلاثة: 1- حرية الإرادة. 2- إرادة المعنى. 3- معنى الحياة.. وأن مصطلح «الفراغ الوجودي» يمكن أن يطلق على مرضى يشتكون مشاعر الفراغ واللا معنى.. في حين أعتقد بصحة إطلاق «الفراغ الوجودي» على أي شخص يعاني من الفراغ واللا معنى في حياته حتى الصحيح السليم عقلاً وبنية.. العلاج بالمعنى يحقق إمكانية تحويل المعاناة إلى إنجاز إنساني من خلال الاتجاه الذي تبناه الإنسان تجاه محنته.. العلاج بالمعنى يواجه الثالوث المأساوي للوجود الإنساني: 1- الألم. 2- الموت. 3- الإثم.. لذا وجد هذا العلم كي يكون علاجاً تفاؤلياً يمكّن الإنسان من تحويل الشعور باليأس إلى الإحساس بالانتصار.. علماً بأن العلاج بالمعنى ليس علاجاً لكل الأمراض، فهو يصلح لبعض الحالات ويتعارض مع البعض الآخر.. من دعائم العلاج بالمعنى: 1- حرية الإرادة. والحرية المقصودة حرية اتخاذ موقف معين تجاه أي ظروف قد تواجه الإنسان.. للإنسان ظروف لا يكون حراً فيها، بيولوجية أو نفسية أو اجتماعية.. لكن لدى هذا الإنسان مدى غير متوقع في مقاومتها، وأن يكون شجاعاً في مواجهة أكثرها صعوبة, لكنها قدرة إنسانية فريدة.
اهتمام الإنسان الرئيس يكون في استبقاء أو استعادة التوازن الداخلي؛ ليصل إلى خفض التوتر.. أما السعادة فهي تنشأ ذاتياً أو تلقائياً، بالتالي لا يصح أن يبحث الإنسان عنها فينشغل بالبحث عن الاستبصار في أسباب السعادة، حيث كلما قلَّ الاكتراث بالنجاح والسعادة كلما زاد احتمال حدوثها «كما يرى ذلك الدكتور فيكتور فرانكل».
فإرادة المعنى يقصد بها المسعى الأساسي للإنسان لكي يجد ويحقق معنى وهدفاً.. الحد الذي يحقق فيه الإنسان معنى في هذا العالم، فإنه يحقق ذاته.. في حين لو اهتم بتحقيق ذاته بدلاً من تحقيق المعنى، فإن تحقيق الذات يفقد في الحال ما يبرره.. ذلك لأن مسألة تحقيق الذات يمكن أن تتم على أفضل وجه من خلال الالتزام بقضية هامة.. لنأخذ مثال: احمرار الوجه جراء الخجل حيث لا يحمر وجه الإنسان خجلاً دون أن يكون هناك شيء يخجل منه.. فالظاهرة في علم النفس تدرك (في سياق).. بمعنى النظر إلى (مبرر) أن يكون الشخص سعيداً.. يفترض من الإنسان أن لا يهتم باللذة والسعادة، إنما بالأسباب التي تكون نتيجة لها.
نأخذ مثلاً: الملل، فراغ وجودي، رغم أن كل شيء أصبح في متناول أيدينا!. فما هي أسبابه!؟.
أيضاً الناس الذين يفتقرون إلى التوتر يميلون إلى اختلاقه، سواء بطريقة صحية أو بطريقة غير صحية!.. علماً بأن التوتر ليس شيئاً يجب تجنبه دائماً، فقدر معقول من التوتر يُشكّل جزءاً من أن يكون الفرد إنساناً.
مختصر الكلام الذي خرجنا به من الثلث الأول للكتاب أن التوجه نحو معنى قوي يُعد عاملاً من عوامل تحسن الصحة وإطالة العمر.. فإلى ما تبقى من الكتاب.